الدرس 140: خيار لاختلاف المتبايعين 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 29 ذو القعدة 1438هـ | عدد الزيارات: 2052 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

القسم السابع من أقسام الخيار خيار لاختلاف المتبايعين

قوله (وإن اختلفا في أجل أو شرط فقول من ينفيه)

مثال ما إذا اختلفا في أجل: أن يقول البائع بعتك هذا الشيء نقداً غير مؤجل، فقال المشتري بل بعتنيه مؤجلاً، فالقول قول البائع، أي قول من ينفيه، فيلزم المشتري بدفعه نقداً لأن الأصل عدم التأجيل، فلهذا كان القول قول من ينفيه

وكذلك لو اختلفا في مقدار الأجل، فالقول قول من ينفي الزيادة، يعني اتفقا على أن الثمن مؤجل، لكن قال البائع مؤجل إلى ستة أشهر، وقال المشتري مؤجل إلى سنة، فالقول قول البائع لأن الأصل عدم الزيادة، فهما قد اتفقا على ستة أشهر واختلفا فيما زاد، والأصل عدم الزيادة

لكن إذا كانت القرينة تؤيد قول أحدهما، فالقول قوله

مثاله: هذه السلعة قيمتها في السوق مائة، وإذا كان الثمن مؤجلاً فسوف تكون بمائتين، والثمن مائتان، فالبائع يقول إنه نقد، والمشتري يقول إنه مؤجل فالقرينة مع المشتري، كما أن أهل السوق يقولون لا تساوي إلا مائة نقداً ومؤجلة إلى سنتين بمائتين فهنا القرينة مع المشتري ويترجح جانبه، مع إلزامه بالحلف على أن الثمن مؤجل إلى سنتين ويحكم له بذلك

أمثلة على الأخذ بالقرينة في الدعاوى: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكما إلى داود صلى الله عليه وسلم فقضي به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل رحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى. متفق عليه

قضى به للصغرى لقرينة العاطفة

مثال آخر على الأخذ بالقرينة

حاكم يوسف يوجه العزيز إلى الأخذ بالقرينة فقال (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) يوسف: 26، 27 فأخذ العزيز بهذه القرينة وبرأ يوسف وطلب منه أن لا يتحدث في هذا أمام الناس حفاظاً على سمعة زوجته

وقوله (أو شرط) أي: إذا اختلفا في شرط فالأصل عدمه

مثال ذلك: باع رجل بيته على آخر بثمن، ثم ادعى البائع أنه قد اشترط سكناه لمدة سنة، فالقول قول المشتري لأنه ينفي الشرط، والأصل عدم وجوده

قوله (وإن اختلفا في عين المبيع تحالفا) أي: البائع والمشتري، بأن قال البائع: بعتك هذه السيارة، وقال المشتري: بل هذه السيارة يقصد سيارة أخرى، فهنا اختلفا في عين المبيع، فكل واحد منهما يحلف أن المراد هذه السيارة وإن لم يرض أحدهما بقول الآخر فسخ البيع ورجع للمشتري الثمن إن كان قد سلمه وإلا فالثمن عنده هذا قول المؤلف

والصحيح أن القول قول البائع وهو قول المذهب وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال (إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادان) أخرجه أحمد عن ابن مسعود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، فإما أن يقبل المشتري وإما أن يفسخ البيع ولا حاجة للتحالف واختار هذا القول ابن تيمية رحمه الله تعالى

قوله (وبطل البيع) في هذا التعبير نظر عند أهل العلم حسب المصطلح بينهم لأن البيع لم يبطل ولكن فسخ، وفرق بين البطلان وبين الفسخ، فصواب العبارة أن يقال وانفسخ البيع

قوله (وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده حتى يقبض العوض) هذه من مسائل الخلاف بين المتبايعين، فإذا اختلفا أيهما يسلم أولاً، فقال البائع لا أسلمك حتى تسلمني الثمن، وقال المشتري لا أسلمك حتى تسلمني المبيع، وهذه المسألة لها صور سأوضحها لاحقاً

قوله (والثمن عين) أي: معين، هذه الصورة الأولى

قوله (نُصب عدل يقبض منهما ويسلم المبيع ثم الثمن) (نُصب) مبني لم يسم فاعله، والناصب هو الحاكم الشرعي، يعني أن هذين المتبايعين يختصمان إلى الحاكم، ثم ينصّب الحاكم رجلاً يستلم منهما، ثم يسلم المبيع أولاً ثم الثمن ثانياً

مثاله: اشترى رجل من آخر ساعة، فقال المشتري أعطني الساعة وأعطيك الثمن، فقال البائع أعطني الثمن وأعطيك الساعة، تنازعا، فنقول اذهبا إلى الحاكم في المحكمة الشرعية، ثم الحاكم يجب عليه أن ينصب رجلاً عدلاً موثوقاً، فيأخذ الساعة من البائع، ويأخذ الثمن من المشتري، ثم يسلم الساعة للمشتري، ويسلم الثمن للبائع، هذا على قول المؤلف

قوله (وإن كان ديناً حالاً أُجبر بائع، ثم مشتر إن كان الثمن في المجلس) هذه الصورة الثانية

وقوله (وإن كان ديناً) أي: لم يقع العقد على عينه لأن الثمن المعين هو الذي وقع العقد على عينه، والثمن الذي لم يقع العقد على عينه يسمى ديناً، فإذا قلت بعني هذه الساعة بهذه الدراهم فالثمن معين، وإذا قلت بعنيها بعشرة، فقال بعتكها بعشرة، فالثمن هنا دين لأنه غير معين، والدين عند الفقهاء ليس هو الدين الذي يعرفه العامة، فكل ما لم يعين من ثمن، فهو دين

وقوله (أُجبر) مبني لما لم يسم فاعله، والمُجبِر القاضي (الحاكم) إذا أبى كل واحد منهما أن يسلم ما بيده، والثمن غير معين يذهبان إلى الحاكم، فيقول للبائع سلم المبيع، ويقال للمشتري سلم الثمن، ولا حاجة إلى نصب عدل يقبض منهما

ووجه الفرق بين هذا وبين المسألة الأولى، أن الثمن في الثانية تعلق بذمة المشتري، وأما في الأولى فحق البائع تعلق بعين الثمن لأنه قد عين له، ففي الأولى: ينصب عدل يقبض منهما، ثم يسلم المبيع ثم الثمن، أما هنا يجبر البائع

قوله (وإن كان غائباً في البلد حجر عليه في المبيع وبقية ماله حتى يحضره) أي ليس معه في المجلس، لكنه في البلد فيحجر على المشتري في المبيع وبقية ماله حتى يحضره، هذه الصورة الثالثة

مثال ذلك: قال اشتريت منك هذه الساعة بخمسين ريال، وهي في بيتي، فنعطيه المبيع مع الحجر عليه فلا يتصرف فيه فنغلق دكانه حتى يحضر ثمن الساعة

قوله (وإن كان غائباً بعيداً عنها) هذه الصورة الرابعة، فإن للبائع الفسخ

مثال ذلك: قال: اشتريت منك هذه الساعة بخمسين ريال، قلنا سلم، قال الخمسون في منزلي في الرياض، ونحن الآن في الخرج والرياض بعيدة، فنقول للبائع لك الفسخ، فتفسخ البيع وترجع السلعة لك، وهذا ثمنه عنده، فصارت صور المسألة كالتالي

الأولى: إذا كان الثمن معيناً فالحكم أن ننصب عدلاً يقبض من البائع والمشتري ثم يسلم المبيع ثم الثمن

الثانية: إذا كان الثمن دَيناً حالاً، وهو في المجلس، يجبر البائع أولاً ثم المشتري ثانياً

الثالثة: إذا كان الثمن غائباً وهو في البلد، فإنه يحجر عليه في المبيع وبقية ماله حتى يحضره

الرابعة: إذا كان بعيداً عن البلد فإن للبائع الفسخ

وفيه صورة خامسة أن يكون الثمن مؤجلاً فيجبر البائع على التسليم، وعلى الانتظار حتى يحل الأجل؛ لأنه دخل على بصيرة

هذا هو التفصيل فيما إذا أبى كل واحد منهما أن يسلم ما بيده

والقول الراجح في هذه المسألة أن للبائع حبس المبيع على ثمنه، فيقول نعم أنا بعت عليك، لكني لا آمن أن تهرب ولا توفيني أو تماطل فأبقيه عندي محبوساً حتى تسلمني

وهو الصواب فيقال إذا أبى كل واحد منهما أن يسلم ما بيده فللبائع أن يحبس المبيع

قوله (والمشتري معسر فللبائع الفسخ) إذا ظهر أن المشتري معسر، يدل على أنه لو كان البائع يعلم بعسرة المشتري، فإنه لا خيار له وهو كذلك، فالرجل مثلاً إذا باع على إنسان سلعة يظن أنه غني، ثم تبين أنه معسر فله الفسخ؛ لأن في إنظاره ضرراً عليه، أما إذا باع هذه السلعة على شخص، وهو يعلم أنه معسر فإنه لا خيار له؛ لأنه دخل على بصيرة

وإذا ظهر أنه مماطل ليس معسراً فالصحيح أن للبائع الفسخ؛ لأن بعض المماطلين أسوأ حالاً من الفقراء

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

29-11-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي