الدرس 253: تفسير سورة المؤمنون

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 13 محرم 1437هـ | عدد الزيارات: 1666 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

معنى قوله تعالى: {وهو يجير ولا يجار عليه} [المؤمنون 88] أن الله سبحانه يغيث من استغاث به ممن أراده بشر من المخلوقات، ويمنعه ممن أراده بسوء إذا شاء، ولا أحد من الخلق يستطيع أن يمنع أحدا أراده الله بسوء فينجيه من بأس الله وعقابه، ونظيره قوله تعالى: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم .

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم براءة عائشة رضي الله عنها قبل نزول الوحي عليه ببراءتها، ولو كان يعلم براءتها لما حار في أمرها، ولا سأل عن حالها الصحابة رجالا ونساء

روى الإمام أحمد عن أم سلمة أنها قالت (دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها مخنث، وعندها عبد الله بن أبي أمية يعني: أخاها، والمخنث يقول: يا عبد الله، إن فتح الله عليكم الطائف، فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: لا يدخلن هذا عليك) رواه البخاري ومسلم .

ما معنى (أنها تقبل بأربع وتدبر بثمان) أن هذه المرأة سمينة، وبسبب هذه السمنة نشأ في بطنها أربع عكن، أي: طيات، فإذا رآها إنسان وهي مقبلة رأى أربع طيات في بطنها، وإذا أدبرت رأى من خلفها أطراف الطيات الأربع، عن اليمين أربع وعن اليسار أربع، فكان مجموع المرئي من الخلف ثمان طيات

س: ما معنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال؟

ج: المراد بغير أولي الإربة: من يتبع أهل البيت لطعام ونحوه، ولا حاجة له في النساء؛ لكونه عنينا، أو معترضا، أو أبله ضعيف العقل، لا ينتبه إلى ما يثير الشهوة من زينة أو جمال، أو رجلا كبير السن أضعفه الكبر حتى صار لا هم له في النساء، ونحو ذلك ممن ذهبت حاجتهم إلى النساء لعلة ما من العلل، فأمن جانبهم ولم تخش منهم الفتنة، فللنساء أن يبدين لهم من الزينة ما يجوز لهن أن يبدينها لمحارمهن المذكورين في الآية ، ومن في حكمهم من النساء والأطفال الصغار الذين لم يبلغوا مبلغا من الإدراك أن يعرفوا عورات النساء ويتأثروا بها

س: من هم عباد الرحمن ؟

ج: عباد الرحمن هم المسلمون الموحدون الملتزمون لشرائع الإسلام، وصفات أولئك مذكورة في آخر سورة الفرقان، ابتداء من قول الله سبحانه (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) إلى قوله جل شأنه: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما

س: ما تفسير قوله تعالى (ولكن الله يهدي من يشاء) .

ج: معنى الجملة: ولكن الله يوفق من يشاء إلى الخير دون غيره من عباده، حتى الأنبياء، وإنما إليهم هداية الإرشاد والبلاغ، كما قال سبحانه يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) وهذه هي هداية التوفيق والرضا بالحق، أما هداية البلاغ والإرشاد فهي المذكورة بقوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) في الشورى

وأما معنى الآية (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) هو أن موسى عليه الصلاة والسلام لما ساعد المرأتين في سقي غنمهما وانصرفتا إلى أهلهما وتولى هو إلى الظل وأحس بالحاجة دعا ربه أن يقضي حاجته، فقال (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) أي: ارزقني ما يسد حاجتي من طعام أو غيره، فيسر الله أمره وجاءته إحدى المرأتين، وقالت له: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا... إلى آخره

قوله تعالى (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) هذا جزء من الآية التي ضرب الله سبحانه فيها مثلا لاتخاذ المشركين آلهة دون الله يدعونها، فبين أن من يتعلق بهذه الآلهة الضعيفة كمن يتعلق ببيت العنكبوت في ضعفه ووهنه، وأنها لا تغني عن من استعان بها شيئا.

اختلاف ألوان عباد الله من أبيض إلى أسود إلى أصفر قال تعالى (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) ليس هذا الاختلاف من فعل المنطقة ولا من فعل الأبوين، بل من الله سبحانه وتعالى

الحكمة في أمر الله إبراهيم بذبح ابنه ابتلاء وامتحانا له في إخلاصه العبودية والمحبة لربه، وليرفعه عنده تعالى درجات إذا وفى، وقد وفى عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما )

ما يذكره كثير من المفسرين عن قصة داود عليه السلام في عشق امرأة قائد الجند غير صحيح، وقد أشار الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان إلى أن ما يذكر عن نبي الله داود عليه وعلى نبينا السلام مما لا يليق بمنصبه، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به ولا معول عليه، وما جاء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا يصح شيء منه

وأما عن شجرة الزقوم فقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره على آية الإسراء: وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم، كما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار، ورأى شجرة الزقوم، فكذبوا بذلك، حتى قال أبو جهل عليه لعائن الله: هاتوا لنا تمرا وزبدا، وجعل يأكل من هذا ويقول: تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا، حكى ذلك ابن عباس ومسروق وأبو مالك والحسن البصري وغير واحد

س: ما تفسير قوله تعالى ( رب المشرقين ورب المغربين) وقوله ( رب المشرق والمغرب) وقوله (برب المشارق والمغارب) ؟

ج: المراد بالمشرقين والمغربين في الآية الأولى مطلع الشمس جنوب خط الاستواء وشماله، ومغربها جنوبه وشماله، والمراد بالمشرق والمغرب في الآية الثانية: جهة الشرق وجهة الغرب اللتان تنتقل الشمس فيهما طلوعا وغروبا على مدى الفصول، والمراد بالمشارق والمغارب في الآية الثالثة مطالع الشمس ومغاربها كل يوم شرقا وغربا، وبذلك تجتمع النصوص

س: قال الله تعالى (ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) ؟

ج: المراد بالبدعة في هذه الآية الرهبانية، وهي الانقطاع لعبادة الله واعتزال الناس؛ ابتغاء التقرب إلى الله تعالى وطلبها لرضاه سبحانه بالمبالغة في طاعته، سواء كان هذا الانقطاع بلزوم الجبال أو الكنائس أو البيع والصوامع أو غير ذلك، وهذه البدعة لم يكتبها الله عليهم ولم يشرعها لهم، بل هم الذين أحدثوها من عند أنفسهم؛ رجاء رضوان الله في زعمهم، شأنهم في ذلك شأن من سلك سبيلهم من مبتدعة هذه الأمة، فإنهم ابتدعوا في الإسلام ما لم يأذن بها الله، كاجتماعهم لذكر الله صفوفا أو حلقات مع الترنح والتمايل يمنة ويسرة ومن أعلى لأسفل بأصوات مرتفعة وصياح وعويل ممن يسمونهم المجاذيب، وكبدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وموالد الصالحين؛ رجاء الثواب من الله تعالى بتعظيم الأنبياء والصالحين بهذه الاحتفالات، إلى أمثال ذلك من الاحتفالات التي لم يشرعها لعباده

ثانيا: هؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية لم يراعوا هذه الرهبانية، أي أنهم قصروا على مدى الأيام في العمل بما ابتدعوا تقربا إلى الله في زعمهم، فأنكر الله عليهم ابتداعهم في دين الله ما لم يأذن به وعدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة تقربهم إلى الله ولو كانوا تركوها إنكارا لها ورجوعا إلى الحق لأثيبوا على تركها

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/1/13 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي