الدرس 252: تفسير سورة الإسراء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 13 محرم 1437هـ | عدد الزيارات: 1418 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تسمية سورة الإسراء بسورة بني إسرائيل تسمية صحيحة، ومعتبرة لدى أهل العلم

قال تعالى "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا" (الإسراء5) أخبر الله تعالى بني إسرائيل وبين لهم في الكتاب الذي أنزله إليهم أنهم سيفسدون في الأرض، ويتجبرون فيها، ويطغون على الناس مرتين، فإذا وقعت الإفسادة الأولى منهم سلط الله عليهم جندا من خلقه شديدي البأس، ذوي قوة وعدة وجبروت فتغلبوا عليهم، وتملكوا بلادهم، وجاسوا خلال ديارهم، وساروا بين بيوتهم؛ عقوبة لهم على طغيانهم، وكان ذلك من الله تعالى قضاء مبرما عدلا من الله وحكمة، حتى إذا تاب بنو إسرائيل وأنابوا إلى الله جعل سبحانه الكرة لهم على هؤلاء الجبارين، وأدالهم ونصرهم على عدوهم واستردوا منهم بلادهم وأمدهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرا، جزاء لهم على توبتهم وإحسانهم رحمة من الله وفضلا، فمن أحسن فله الإحسان ومن أساء فعليها، فإذا جاء وعد الآخرة فوقعت منهم الإفسادة الثانية طغيانا وتجبرا، سلط الله عليهم من يسومونهم سوء العذاب، ويدخلون مسجد بيت المقدس كما دخلوه أول مرة ويدمرون ما شاء الله أن يدمروه؛ جزاء وفاقا بطغيانهم وإفسادهم في الأرض، وعدلا منه تعالى وحكمة، قال الله تعالى (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (فصلت 46) ثم أخبرهم سبحانه بأنهم إن عادوا إلى الإفساد جازاهم من جنس صنيعهم، وزيادة في الفائدة ننصح بقراءة (تفسير ابن كثير) رحمه الله

وفي سورة الإسراء الآية رقم (58) (وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا) فالآية تعم السابقين واللاحقين ممن يرتكبون ما يوجب الهلاك، فالمعنى والله أعلم، وإن من قرية ظالمة، يوضح ذلك قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، وقوله (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) وقوله تعالى بعد خبره عن إهلاكه بعض من سبق من الظالمين: وما هي من الظالمين ببعيد

قال الله تعالى في سورة الكهف عمن أشاروا ببناء مسجد على قبور أهل الكهف (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) والصواب أنهم مذمومون بذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ومما تقدم يتضح أن ما ذكره ابن الخطيب في تفسيره (أوضح المسالك) من تجويز اتخاذ المساجد على القبور خطأ عظيم، مخالف لما دلت عليه الأحاديث ولما أجمع عليه أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بإحسان من اتخاذ المساجد علي القبور والبناء عليها؛ لما في ذلك من التشبه باليهود والنصارى ومن سلك مسلكهم، ولأن ذلك وسيلة من وسائل الشرك الأكبر

التفسير الصحيح لقوله تعالى في سورة الكهف(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هو: أن الله تعالى ذكره يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا واتبعوا أهواءهم يا أيها الناس هذا الذي أتلوه عليكم هو الحق الذي أنزل علي من ربكم وإليه التوفيق والخذلان، وبيده الهدى والضلال يهدي من يشاء منكم للرشاد فيؤمن، ويضل من يشاء عن الهدى فيكفر، ليس إلي من ذلك شيء ولست بطارد من أجل هواكم أحدا ممن كان للحق متبعا، وبالله وبما أنزل علي مؤمنا، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا، فإنكم إن كفرتم فقد أعد الله لكم على كفركم به نارا أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتم به وعملتم بطاعته فإن لكم ما وصف سبحانه لأهل طاعته، وليس المراد من هذا إباحة الله تعالى الكفر لمن شاء والإيمان لمن شاء، وإنما هو تهديد ووعيد، وقد دل على هذا ما ذكره تعالى بعد في ختام هذه الآية من توعدهم بالعذاب الشديد، وما جاء في الآيتين بعدها من تبشير المؤمنين بجنات النعيم ارجع إلى تفسير ابن جرير الطبري وابن كثير

سائل يقول إذا قرأ سورة الكهف يغمى عليه 7 ساعات؟

ج: القرآن كلام الله تعالى، فيه الهدى والنور والشفاء لما في الصدور، من قرأه بإخلاص، وتدبر آياته، وعمل بما فيه من أحكام، آتاه الله بصيرة في دينه وقوة في يقينه، ودفع عنه كيد الشياطين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ نفسه عند النوم بقراءة السور الثلاث (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) يقرؤهن ثلاث مرات، وينفث في كفيه عقب كل مرة ويمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده، وشرع لأمته قراءة آية الكرسي عندما يأخذ المسلم مضجعه؛ ليكون ذلك حفظا له من الشيطان حتى يصبح، وأقر من رقى بالفاتحة لديغا من زعماء الكفار، وكان في هذا شفاؤه، وشرع لأمته الرقية بالقرآن عموما، وبالجملة فالقرآن كله خير وبركة وشفاء، ولا يأتي الخير بالشر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يؤتى الإنسان من قبله، إما من عدم إخلاصه أو سوء تطبيقه وعلى هذا فما ذكره السائل من إصابته بمرض أو غشي عند تلاوة سورة الكهف، إما وهم فعليه أن يتقي الله ويدع الأوهام، وإما حقيقة فهو مس من سفهاء الجن، ونزغ من الشيطان يكيد به لقارئ القرآن عموما وللقارئ سورة منه، ليحمله على ترك قراءته أو ترك قراءة السورة التي أصابه عند تلاوتها، فإذا ترك قراءة السور مثلا فقد غلبه الشيطان وظفر منه ببغيته، وزاد في الكيد له حتى يستولي عليه ويكون من إخوان الشياطين الذين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، وطريق الخلاص من ذلك الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم بإخلاص وصدق لهجة في اللجأ إلى الله والفزع إليه، ليحصنه من الشياطين، وبذلك يكون من المتقين لا من إخوان الشياطين، وقد أرشدنا الله إلى ذلك في عموم قوله (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم * إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون * وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) فعليك أيها السائل: أن تستعيذ بالله من الشيطان عند بدء قراءة القرآن عموما، مع إخلاص وضراعة قلب وصدق في الالتجاء إلى الله، ولا تهجر سورة الكهف ولا غيرها لما أصابك، فإن في مخالفة الشيطان وما يلقيه في القلب من وهن ووساوس وأوهام كبتا له وإحباطا لكيده، وأبشر بأن الله معك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

وأما عن قوله تعالى في سورة مريم (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) فالورود في الآية الكريمة هو المرور على الصراط المنصوب على متن جهنم فقد دلت الأحاديث والآثار الكثيرة على أن الصراط ينصب على جهنم ويمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فهذه الآية فيها بيان من الله تعالى بورود النار للبر والفاجر، ثم ينجي الله المؤمنين الذين اتقوا الشرك، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يموت لأحد من المؤمنين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم) يعني بذلك قوله سبحانه في سورة مريم (فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا * ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا) إلى أن قال سبحانه (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) قضاء لازما لا محيد عنه ولا مفر منه، ثم ينجي الله من عذاب النار من اتقاه أيام الدنيا، ففعل ما أمره الله به من الطاعات، واجتنب ما نهاه عنه من المعاصي

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

13-1-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي