الدرس251 : تفسير سورة التوبة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 13 محرم 1437هـ | عدد الزيارات: 1797 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

سبب عدم بدأ سورة التوبة بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم) قد أجابوا عن هذا بجوابين‏:‏

الأول‏:‏ أن سورة التوبة مكملة لسورة الأنفال فلذلك لم تأت في بدايتها ‏"‏بسم الله الرحمن الرحيم‏"‏، لأنها مكملة لسورة الأنفال‏.‏

والقول الثاني‏:‏ أن سورة التوبة لم تأت قبلها البسملة لأنها سورة ذكر فيها الجهاد وقتال الكفار وذُكر فيها وعيد المنافقين وبيان فضائحهم ومخازيهم، و‏"‏بسم الله الرحمن الرحيم‏"‏ يؤتى بها للرحمة وهذا الموطن فيه ذكر الجهاد وذكر صفات المنافقين، وهذا ليس من مواطن الرحمة بل هو من مواطن الوعيد والتخويف‏.‏ فلذلك لم تذكر ‏"‏بسم الله الرحمن الرحيم‏"‏ في بدايتها‏.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم لم يكتب في براءة (بسم الله الرحمن الرحيم) قال لأن (بسم الله الرحمن الرحيم) أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان. رواه الحاكم في المستدرك، وروي معناه عن المبرد قال ولذلك لم يجمع بينهما فإن (بسم الله الرحمن الرحيم) رحمة وبراءة نزلت سخطة ومثله عن سفيان قال سفيان بن عيينة إنما لم تكتب في صدر هذه السورة (بسم الله الرحمن الرحيم) لأن التسمية رحمة والرحمة أمان وهذه السورة نزلت في المنافقين وبالسيف ولا أمان للمنافقين. أخرجه الثعلبي في تفسيره كما في تفسير ابن عيينة وذكره القرطبي في التفسير.

وأما فيم نزلت سورة براءة؟ فقد ذكر ابن كثير في تفسيره: أن أول هذه السورة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك، وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرا على الحج تلك السنة؛ ليقيم للناس مناسكهم، ويعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في الناس (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (التوبة 1) كما أنها نزلت في شأن المنافقين؛ فضيحة لهم، وكشفا لأسرارهم.

وفي سؤال للجنة الدائمة عن معنى قوله تعالى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (التوبة 3)أجابت: أي إعلام وإنذار إلى الناس (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) (التوبة 3) الذي هو: يوم النحر، وأفضل أيام المناسك، وأظهرها وأكبرها، تؤدى فيه كثير من مناسك الحج من رمى جمرة العقبة، والنحر والحلق وطواف الإفاضة، مع ما يتبع ذلك من ذكر وتكبير ونحو ذلك

وقوله (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي: أعلم الناس وأنذرهم يا محمد، أن الله بريء من المشركين، وأن رسوله كذلك بريء منهم، فرسوله في الآية: مرفوع قطعا ونقلا عن القراء بالعطف على الضمير المستتر في (بريء) وتقديره (هو) يعود على الله سبحانه وهذا هو معنى ما قاله ابن كثير عن الآية وغيره من علماء التفسير

وبسؤال عن قول نبي الله لوط لقومه في سورة هود (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) (هود 78)أجابت اللجنة: ندب هؤلاء الكفار إلى التزوج بالنساء ووطئهن في الحلال سواء كن بناته أم بنات قومه، فإن بنات قومه بناته حكما؛ لكونه رسولا إليهم واجتناب اللواط والاعتداء على ضيف لوط بالفاحشة، وعلى كل حال لم يرد الإذن لهم في الزنا ببناته ولا ببنات أمته فإنه من كبائر الذنوب في جميع شرائع الله تعالى، فينزه النبي عن الإذن فيه، ومن قال: إنه أذن فيه لأنه أخف من اللواط، فقد أخطأ وغلط غلطا عظيما

وفي سؤال عمن باع يوسف عليه السلام ؟

وأما الصحيح في تفسير هذه الآية: أن السيارة الذين وجدوا يوسف عليه السلام في البئر هم الذين باعوه كما يفهم من السياق ومن ظاهر القصة، وهذا قول قتادة وغيره لا إخوته، وقد ذكر هذا القول عدد من المفسرين منهم القرطبي وابن الجوزي وابن كثير وغيرهم

وأما عن الهم بها في قوله تعالى في سورة يوسف (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) (يوسف 24)أن الصحيح من أقوال العلماء في ذلك: أن الهم الذي وجد من يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام هو الميل الجنسي الطبيعي الذي يوجد مع أي إنسان عند وجود سببه، وقد صرفه الله سبحانه وتعالى عنه بقوله (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف 24) والهم بالسيئة لا يضر المسلم إذا لم يفعل، بل يكتب له بذلك حسنة إذا ترك الفعل من أجل الله، كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمراد بالسبع المثاني في قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر 87) سورة الفاتحة؛ لما رواه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي قال: ألم يقل الله: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ) (الأنفال 24)، ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله، إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة من القرآن قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.

يطلق الذكر على القرآن، كما في قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر 9)، وفي قوله (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل 44)، ويطلق على اللوح المحفوظ، كما في قوله (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء 105) فالزبور: الكتب السماوية. والذكر: هو اللوح المحفوظ، فحكم الله تعالى قدرا وشرعا بأن الصالحين هم الذين ينصرون في الدنيا والآخرة، فلهم السعادة في الدنيا، والفوز بسكنى جنات النعيم في الآخرة، ويطلق الذكر على الشرف والرفعة، وعلى ذكر الناس لربهم وذكر الله لهم، إلى غير ذلك من المعاني التي تبين لمن تتبع آيات القرآن ولغة العرب، لكن المراد بالذكر في قوله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) (النحل 43، 44)، وفي قوله (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) (الأنبياء 7-9)

المراد في الآيتين: الكتب المنزلة على الرسل قبل نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم وأهل الذكر: من نزلت تلك الكتب على رسلهم كاليهود والنصارى، والمأمور بسؤالهم: المشركون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين أنكروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا؛ لكونه من البشر، والرسل إنما تكون من الملائكة، ليبين لهم أهل الذكر من اليهود والنصارى أن من سبقه من الرسل إنما كانوا من البشر لا الملائكة، غير أن هاتين الآيتين وإن نزلتا في أمر أولئك المشركين أن يسألوا أهل الكتب السابقة عن رسلهم ليتبين لهم أنهم من البشر، فهما دالتان على أمر كل من يجهل شيئا ينفعه أن يسأل عنه أهل العلم به؛ ليستفيد ما يعود عليه بالخير وينهض به في دينه ودنياه، فيدخل في ذلك شئون الدين أولا، وما يحتاجه من شئون دنياه التي لها تعلق بالدين، فإن المكلف مأمور أن يعمل لدينه ودنياه.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

13-1-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي