الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
قوله:" والأضحية سنة وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها وسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثا وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز وإلا ضمنها ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئا ".
الأضحية هي ما يذبح من النعم في أيام الأضحى تقرباً إلى الله عز وجل فخرج ما يذبح في غير أيام الأضحى فإنه ليس بأضحية حتى ولو ذبح وضحى فالعقيقة مثلاً إذا ذبحناها في الضحى في أيام الأضاحي لا تسمى أضحية
ولو ذبح لوليمة عرس في أيام الأضحى فأنها ليست بأضحية فلا بد أن ينوي بذلك التقرب إلى الله بهذا الذبح
قوله:"... والأضحية سنة "، الأضحية سنة مؤكدة وهو قول الجمهور، وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله،:" تسن الأضحية بالنسبة للمكلف المستطيع . أ.هـ، فهي سنة مؤكدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليها وضحى عشر سنوات وحث عليها حتى قال "مَن كان له سَعَةٌ ولم يُضَحِّ ، فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانا" صحيح الجامع للألباني، وكان يظهرها على أنها شعيرة من شعائر الإسلام فيخرج بأضحيته إلى المصلى ويذبحها بالمصلى.
والأضحية عن الميت فقد قالت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يجوز أن يضحي عن الميت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له " رواه مسلم .
وذبح الأضحية عنه من الصدقة الجارية لما يترتب عليها من نفع المضحي والميت وغيرهما.
وقالت اللجنة في موضع آخر:" إذ أوصى الميت بأضحية وله ثلث فإنها تذبح من ثلثه وعلى حسب وصيته وإن لم يكن له ثلث وأراد أحد من ورثته أو غيرهم أن يتصدق عنه فيذبح له أضحية فهذا من باب الإحسان له والبر به".
قوله:"وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها".
ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فالأضحية أجرها أكثر من أجر الصدقة لذا فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، فلو قال شخص أنا عندي 500 ريال هل الأفضل أن أتصدق بها أو أن أضحي بها قلنا الأفضل أن تضحي بها، فإن قال لو اشتريت بها لحماً أكثر من قيمة الشاة أربع مرات أو خمس مرات فهل هذا أفضل أو أن أضحي؟
قلنا: الأفضل أن تضحي فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها وأفضل من شراء لحم بقدرها أو أكثر ليتصدق به وذلك لأن المقصود الأهم في الأضحية هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها لقول الله تعالى " لن ينال لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" (الحج: 37)، فإن قال قائل لو كان في المسلمين مسغبة وكانت الصدقة بالدرهم أنفع تسد ضرورة المسلمين فأيهما أولى ؟
الجواب: في هذه الحال نقول دفع ضرورة المسلمين أولى لأن فيها إنقاذاً للأرواح وأما الأضحية فهي إحياء للسنة فقد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل
وسئلت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هل يعطى الكافر من الأضحية ؟
فأجابت: " نعم يجوز لنا أن نطعم الكافر والمعاهد والأسير من لحم الأضحية ويجوز إعطاؤه منها لفقره أو قرابته أو جواره أو تأليف قلبه لأن النسك إنما هو في ذبحها أو نحرها قرباناً لله وعبادة له وأما لحمهاً فالأفضل أن يأكل ثلثه ويهدي إلى أقاربه وجيرانه وأصدقائه ثلثه ويتصدق بثلثه على الفقراء .
وإن زاد أو نقص في هذه الأقسام أو اكتفى ببعضها فلا حرج والأمر في ذلك واسع ولا يعطى من لحم الأضحية حربياً لأن الواجب كبته وإضعافه لا مواساته وتقويته بالصدقة، لعموم قوله تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" ( الممتحنة: 8) ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن تصل أمها بالمال وهي مشركة في وقت الهدنة ". أ.هـ
قوله:" وسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثا ".
يقسمها أثلاثاً وهذا من باب الأفضلية، ثلثاً للأكل وثلثاً للهدية وثلثاً للصدقة لأجل أن يكون انتفاع الناس على اختلاف طبقاتهم في هذه الأضحية وقدم الأكل لأن الله قدمه فقال تعالى " فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير " ( الحج: 28)، وأختار أصحاب الإمام أحمد رحمه الله يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثأ؛ لحديث سلمة بن الأكوع قال صلى الله عليه وسلم: " كلوا وأطعموا وادخروا " رواه البخاري، فالإطعام يشمل الصدقة على الفقراء والهدية للأغنياء.
(مسألة): هل يشرع أن يضحي من أموال اليتامى ؟
الجواب: إن جرت العادة بأن يضحي من أموال اليتامى وأنه لو لم يضح من أموالهم لانكسرت قلوبهم فهنا ينبغي أن يضحي من ماله كما نشتري له ثوباً جديداً للعيد مع أن عنده ثوباً يكفيه لكن نشتري له الثوب الجديد من أجل أن يوازي غيره من الناس ومتى قلنا بجواز الأضحية في مال اليتيم فإنه يعمل فيها ما جاءت به الشريعة فيأكل منها ويهدي ويتصدق
فالأَضحية من باب النفقة بالمعروف فإذا كان من المعروف عند الناس أنه يضحي للأيتام فإنه يضحي ولو من ماله وهذا يقع
مثال ذلك أن يكون في البيت أيتام ليس عندهم إلا أمهم وأمهم فقيرة ولكن الأيتام لهم أموال ورثوها من أعمامهم أو من أي إنسان فهل نضحي من أموالهم وندفع لهم الأضحية ليضحوا بها ويفرحوا مع الناس أو نقول هذه أموال يتامى لا يجوز أن يتبرع منها بشيء ؟
الجواب: نضحي من أموالهم لأن المال يخدم الإنسان فإذا كان هؤلاء اليتامى لو لم تدخل عليهم شاة الأضحية ولم يأكلوا اللحم مع الناس لانكسرت قلوبهم فإنه يضحي عنهم من مالهم
قوله:"ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئا".
يحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئاً، والحرام من تركه لله أثيب وإن فعله استحق العقاب على فعله والدليل على ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره " أخرجه مسلم في الأضاحي.
والأصل في النهي التحريم والحكمة من ذلك أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي وجعل نسك الحج محرمات ومحظورات وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليها والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة كالمحرم لا يأخذ من شعره شيئاً فهم مثله وهذا من عدل الله عز وجل وحكمته وكما أن المؤذن يثاب على الأذان وغير المؤذن على المتابعة فشرع له أن يتابع، فتحريم أخذ الشعر على المضحي أما من يضحى عنه فلا حرج عليه أن يأخذ من ذلك والدليل على هذا:
أولاً: أن هذا هو ظاهر الحديث وأن التحريم خاص بمن يضحي وعلى هذا فيكون التحريم مختصاً برب البيت وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم لمن يضحي فمفهومه أن من يضحى عنه لا يثبت له هذا الحكم
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل أنه قال لهم لا تأخذوا من شعوركم وأظافركم وأبشاركم شيئاً ولو كان ذلك حراماً عليهم لنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه
وإذا أخذ المضحي شيئاً من ذلك فلا فدية عليه وتقبل أضحيته لكنه يكون عاصياً، وإذا قدر أن الرجل لم ينو الأضحية إلا في أثناء العشر وقد أخذ من شعره وبشرته وظفره فيصح ويبتدئ تحريم الأخذ من حين نوى الأضحية، وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله بأن الوكيل الشرعي له أن يأخذ من شعره وأظافره لأنه ليس مضحياً بالأصالة بل بالتبع وأن أهل المضحي لا حرج عليهم من الأخذ من شعورهم وبشرتهم وتسريح الشعر بدون قطعه، وحلق اللحية منكر وللمضحي أشد.
وأفضل الأضاحي البدنة ثم البقرة ثم الشاة ثم شرك في بدنه " ناقة أو بقرة " لقوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة:"مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ كَبْشًا أقْرَنَ، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً،... " صحيح البخاري.
ومن حلق شعره في ذي الحجة وهو يريد الأضحية وهو ناسي فلا شيء عليه
أما التشريك في سبع البدنة فلا يجوز وممن أفتى بمنع جواز التشريك في سبع البدنة الشيخ عبد الله ابن عبد اللطيف والشيخ عبد الله أبابطين ومفتى الديار السعودية محمد بن إبراهيم رحمهم الله
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين