الدرس 109: الأضحية 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2224 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

مسألة: هل يجزئ الذبح من حين الصلاة أو لا بد من الخطبة وذبح الإمام

الصحيح أنه يكتفي بالصلاة ولكن الأفضل أن يكون الذبح بعد الخطبة وبعد ذبح الإمام وهذا إن فعل الإمام السنة في الذبح وهو أن يخرج بأضحيته إلى مصلى العيد ويذبحها في مصلى العيد لأن هذه هي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج بأضحيته إلى مصلى العيد ويذبحها هناك . أخرجه البخاري من حديث ابن عمر ، إظهاراً للشعيرة وتعميماً للنفع لأنه إذا كانت هناك في مصلى العيد حضرها الفقراء والأغنياء أيضاً فيعطي الفقراء منها صدقة ويعطي الأغنياء منها هدية لكن عمل الناس اليوم أن الإمام وغيره لا يذبحون في المصلى

والذبح يكون في النهار وفي الليل بدون كراهة وإن فات وقت الذبح وكان تأخيره عن عمد فإن القضاء لا ينفعه ولا يؤمر به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمراً فهو رد " وأما إذا كان عن نسيان أو جهل أو انفلتت البهيمة وكان يرجوا وجودها قبل فوات الذبح حتى انفرط عليه الوقت ثم وجد البهيمة ففي هذه الحال يذبحها لأنه أخرها عن الوقت لعذر فيكون ذلك كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أم نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك

والوصية تعتبر تطوعاً من الموصي والواجب على الموصى إليه هو التنفيذ فالموصى إليه قائم مكان المٌوصي ، والمٌوصَى لو أخرها إلى ما بعد غروب الشمس أي بعد فوات الوقت فإنه لا يلزمه القضاء لأنها في حقه تطوع وليست بواجبه وعلى هذا فإذا قدر أن الوصي لم يضح هذا العام لعذراً مثلاً قلنا له أخرها إلى العام القادم واذبحها فيذبح على هذا أضحيتين أضحية قضاء العام الماضي والثانية أداء لهذا العام

والأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعينها فإذا تعينت فولدت قبل وقت ذبحها فاذبح ولدها تبعاً لها

هذا هو رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا اشترى بنية الأضحية أو بنية الهدي أنه يكون هدياً أو يكون أضحية وهو رواية عن الإمام أحمد. انظر الإنصاف 4/89

وإذا تعينت الأضحية لم يجز بيعها لأنها صارت صدقة لله كالوقف لا يجوز بيعه والعبد إذا أعتق لا يجوز بيعه بأي حال من الأحوال حتى لو ضعفت وهزلت فإنه لا يجوز له بيعها ولا هبتها

والفرق بين البيع والهبة أن البيع بعوض والهبة تبرع بلا عوض ولا يجوز أن يتصدق بها بل لا بد أن يذبحها ثم بعد ذبحها إن شاء وهبها وتصدق بما يحب التصدق به وإن شاء أبقاها وإن شاء تصدق بها كلها وينبني على ذلك وجوب ذبحها ولا بد وعلى هذا لو أن الإنسان يقود هديه فلقي فقراء وقالوا أعطنا إياه فأعطاهم إياه فلا يجزئه ذلك

وإن قالوا نذبحه لك ووكلهم بذلك فيجزئه ذلك إن كان يثق بهم وإلا فلا

فإذا تعينت فلا يجوز بيعها ولا هبتها إلا أن يبدلها بخير منها والإبدال نوع من البيع وإن كان الغالب أن البيع يكون بنقد ثم يشتري بدلها أضحية لكن إذا أبدلها بخير منها مثل أن تكون هذه الشاة ضعيفة ثم وجد مع شخص آخر شاة خيراً منها في السن والكبر والطيب وأراد أن يبدلها بخير منها فإن ذلك لا بأس به لأنه زاد خيراً ولم يتهم برد شيء من ملك هذه الأضحية إلى نفسه وربما يستدل لذلك بحديث الرجل الذي قال يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال صل هاهنا فأعاد عليه قال صلى هاهنا فأعاد عليه الثالثة فقال شأنك إذاً فدل ذلك على أن الإنسان إذا أبدل العبادة بما هو خير منها جاز ذلك ولا بأس به وعلى هذا إذا أبدلها بخير منها فلا حرج

فالمذهب أنه يجوز له نقل الملك فيه وشراء خير منه نقله الجماعة عن أحمد

ولا يجوز جز صوفها ونحوه بعد تعيينها إلا إذا كان انفع لها وكيف يمكن أن يكون أنفع لها ؟

الجواب: يمكن إذا كان عليها صوف كثير يؤذيها وكان في جزه راحة لها أو نبت فيها جرح وجز الشعر من أجل إبراز الجرح للهواء حتى ينشق ويبرد

والخلاصة أنه إذا كان جز الصوف أنفع فإنه يجز وإن لم يكن فيه نفع ولا ضرر فلا يجوز

فإذا جاز جزه جاز الانتفاع به لأنه إذا كان له أن ينتفع بالجلد فالشعر من باب أولى ولا يجب عليه أن يتصدق به لكن يجب أن يلاحظ الشرط وهو أنه لا يجزه إلا إذا كان انفع لها وجزه فنقول إن شئت تصدقت به وإن شئت وهبته وإن شئت فانتفع به لأن انتفاعك بالجلد والصوف بل وبالشحم وباللحم والعظام جائز

ولا يعطي جازرها أجرته منها والجازر الذابح والناحر فالناحر للإبل والذابح لغيرها لا يعطيه أجرته منها لأن هذا الجازر نائب عنه وهو ملزم بأن يذبحها هو بنفسه فإذا كان ملزماً أن يذبحها من أجل أن تكون قربة فإنه لا يمكن أن يعطي الجازر منها أجرته وهو وكيل عنه

وقد يقول قائل ألستم تجيزون أن يعطي العمال على الزكاة من الزكاة فلماذا لا يجوز أن نعطي جازر الأضحية والهدي من الهدي كما نعطي العاملين على الزكاة

قلنا الفرق ظاهر لأن هذا الجازر وكيل عن المالك ولهذا لو وكل الإنسان شخصاً يفرق زكاته فإنه لا يجوز أن يعطيه من سهم العاملين عليها فمثلاً لو أن إنساناً أرسل إلى شخص عشرة آلاف ريال وقال له خذ هذه وزعها زكاة فهذا الذي أخذ العشرة آلاف لا يجوز أن يأخذ منها شيئاً لأن العامل عليها هو الذي يتولاها من قبل ولي الأمر

وهل يجوز أن يعطيه شيئاً من الأجرة ؟

الجواب: لا ، يعني لو قال اذبحها لي وكانت تذبح بعشرة ريالات وقال أعطيك خمسة من لحمها وخمسة نقداً فلا يجوز لأنه في ذلك يكون قد باع ما تقرب به إلى الله وهو اللحم لأن عوض الأجرة بمنزلة عوض المبيع فيكون قد باع لحماً أخرجه لله وهذا لا يجوز

وهل يجوز أن يعطيه هدية أو صدقة ؟

الجواب: يجوز كغيره إن كان فقيراً يعطيه صدقة وإن كان غنياً يعطيه هدية

ولا يبيع جلدها ولا شيئاً منها

فكما سبق أنه لا يبيعها إذا تعينت إلا بخير منها فكذلك إذا ذبحت فإنها تتعين بالذبح ويحسن أن نضيف هذا أيضاً إلى ما سبق من أنها تتعين بالقول وبالفعل الدال على التعيين وبالذبح

ولا يبيع جلدها بعد الذبح لأنها تعينت لله بجميع أجزائها

وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عنه ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حمل على فرس له في سبيل الله يعني أعطى شخصاً فرساً يجاهد عليه ولكن الرجل الذي أخذه أضاع الفرس ولم يهتم به فجاء عمر يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في شرائه حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم " أخرجه البخاري

والعلة في ذلك أنه أخرجه لله وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه

ولا يبيع شيئاً من أجزائها ككبد أو رجل أو رأس أو كرش أو ما أشبه ذلك والعلة ما سبق

مسألة: ما هو الشيء الذي يجوز الانتفاع به ولا يجوز بيعه ليشتري ما ينتفع به بدله

الجواب: الجلد لو أراد المضحي أن يدبغه ويجعله قربة للماء يجوز لكن لو أراد أن يبيعه ويشتري بدلاً من القربة وعاء للماء كالترمس مثلاً فلا يجوز

كل هذا حماية لما أخرجه لله أن يرجع فيه ولو تعيبت بعيب يمنع من الإجزاء فإنه يذبحها وتجزئ

مثال ذلك

اشترى شاة للأضحية ثم انكسرت رجلها وصارت لا تستطيع المشي مع الصحاح بعد أن عينها فإنه في هذه الحال يذبحها وتجزئه لأنها لما تعينت صارت أمانة عنده كالوديعة وإذا كانت أمانة ولم يحصل تعيبها بفعله أو تفريطه فإنه لا ضمان عليه فيذبحها وتجزئه

وربما يستدل لذلك بقصة الرجل الذي اشترى أضحية فعدا الذئب على أليتها فأكلها فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحي بها وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه أمين ولا ضمان عليه

إذاً إن تعيبت ذبحها وأجزأته يستثنى من ذلك ما إذا تعيبت بفعله أو تفريطه بأن تكون ناقة حمل عليها ما لا تستطيع أن تحمله ثم عثرت وانكسرت ففي هذه الحال يضمنها بمثلها أو خير منها هذا العيب حصل بفعله وكذلك لو كان بتفريطه كأن يترك الأضحية في مكان بارد في ليلة شاتية فتأثرت من البرد ففي هذه الحال يجب عليه ضمانها بمثلها أو خير منها لأنه فرط ، فلتفريطه يجب عليه الضمان

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه وأن يلهمنا رشدنا وأن يفقهنا في أمور ديننا وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه وأن يوفق ولاة أمورنا لتحكيم شرعه وأن يغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا وجميع المسلمين إنه جواد كريم

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -3

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي