الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. 
أما بعد:   
النصح يكون بالأسلوب الحسن والكتابة المفيدة والمشافهة المفيدة، وليس من النصح التشهير بعيوب الناس، ولا بانتقاد الدولة على المنابر ونحوها، لكن النصح أن تسعى بكل ما يزيل الشر ويثبت الخير بالطرق الحكيمة وبالوسائل التي يرضاها الله عز وجل، ونحن في نعمة عظيمة نعمة الإسلام، و الأمن، والصحة والعافية، 
فعلينا أن نشكر الله على نعمه العديدة، وأن نتفقه في الدين، وأن نتعاون على البر والتقوى، وأن نتناصح في دين الله، وأن نتواصى بالحق والصبر عليه، وأن نحمد الله على جميع نعمه.
وعلى الدولة والعلماء والعامة شكر الله والقيام بحقه، والتواصي بطاعته، وأن نستقيم على أمر الله، وأن نعالج أنفسنا. فما كان مما يرضي الله شجعناه، وقمنا بالسهر عليه، وما كان مما يغضب الله جل وعلا ابتعدنا عنه، وحذرنا الناس منه.
فالدولة عليها واجبها في ترك ما حرم الله، والقيام بما أوجب الله والعناية بشرع الله، وعلى العلماء والأمراء واجبهم في الدعوة والبيان والترغيب والترهيب، وعلى جميع الناس من الأغنياء والأعيان والشركات وسائر الناس، على كل واحد منهم واجب الدعوة إلى الله بالنصيحة ومحاسبة النفس، وجهادها حتى يكون كل واحد قدوة صالحة في طاعة الله ورسوله، وهذا هو الواجب على الجميع، وليس على الدولة وحدها. فالدولة واجبها تقوى الله والقيام بحقه، وترك ما نهى الله عنه، والسير على النهج السليم، وردع الظالم عن ظلمه بالطرق الشرعية.
وكل إنسان عليه أن يحاسب نفسه، ويتقي الله ويؤدي الأمانة ويحذر الظلم والعدوان ويجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله، مع التواصي بالحق والصبر عليه. هذا واجب الجميع الأغنياء والفقراء، والأمراء والدولة والعلماء، كل واحد منهم عليه واجبه، يقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن 16)
وهذا هو الواجب على جميع المؤمنين والمؤمنات لقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة 71) كلهم أولياء فلا يغتب بعضهم بعضا، ولا يشهد عليه بالزور، ولا يظلمه، ولا يدعي عليه الدعاوى الباطلة حكامهم ومحكوموهم، وعلماؤهم وغيرهم، كلهم مقصرون إذا لم يتناصحوا ويتعاونوا على البر والتقوى، ويستقيموا على دين الله قولا وعملا، ويلزموا التوبة إلى الله سبحانه.
ثم قال سبحانه: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران 104) أي يكونون أولياء فيما بينهم بالنصيحة والتوجيه، والأمر بالمعروف، والبعد عن أسباب الفرقة والاختلاف والشحناء والغيبة والنميمة، وسائر ما حرم الله في الكتاب والسنة.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات، ومن أعظم فرائض الإسلام وليس خاصا بالبعض، بل واجب علي المؤمنين والمؤمنات جميعا، كما قال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة 71) فأوضح سبحانه في هذه الآية أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، لا فرق بين أمير ومدير وعالم وغيرهم وذكر وأنثى من المؤمنين والمؤمنات فكل واحد منهم عليه واجبه على حسب علمه واستطاعته.
والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم 6) وعليهم أن يشكروا الله عز وجل أنهم في بلد آمن، ودولة إسلامية تنصح لله ولكتابه ورسوله وعباده، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتحكم شرع الله في عباده. ويستطيع كل فرد أن يؤدي فرائض الله ويبتعد عن محارمه سبحانه، ويتواصى مع إخوانه بالحق والصبر عليه، في أمن وعافية.
فأسأل الله سبحانه أن يصلح حالهم جميعا، وأن يصلح قادتهم، وأن يوفق جميع حكام المسلمين للحكم بشريعة الله والقيام بها، والتواصي بذلك. كما أسأله أن يصلح ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، وأسأله سبحانه أن يوفقهم جميعا لما فيه رضاه، وأن يعينهم على شكره وذكره، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يوفقهم لكل خير، وأن يبعدهم عن كل شر، وأن يجعلهم هداة مهتدين ونسأل الله لجميع ولاة أمر المسلمين التوفيق والهداية، والإعانة على كل خير، وأن يوفقهم لكل ما يرضى الله، وأن يعينهم على ترك ما نهى عنه جل وعلا، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعينهم على مساعدة الداعي إلى الحق، وردع صاحب الباطل عن باطله.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى، وبصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يصلح قادتهم، وأن يوفق حكام المسلمين للحكم بشريعة الله، والقيام بها والتواصي بذلك، وأن يعيذنا من الشيطان ونزغاته، وأن يعيننا جميعا على كل خير. إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبالله التوفيق .