الدرس 235 ج 5 نصيحة لمن تعرض لسوء الكلام والتحريض على المعاصي

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 26 جمادى الأولى 1446هـ | عدد الزيارات: 28 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من يتعرض لسوء الكلام من بعض الناس لحسن هيئته وجمال وجهه ، ويتوب من المعاصي والمحرمات ثم يعود إليها بتحريض من بعض أصدقاء السوء ، ويطلب النصيحة والموعظة بما يصلح حاله ويمنعه من الرجوع إلى المعاصي والمحرمات، فأقول:

إن الواجب عليك الثبات على الحق والمبادرة بالزواج حيث أمكن ، والإنكار بالكلام على من يخاطبك بما أشرت إليه في رسالتك ، واذكر قول الله تعالى " واصبروا إن الله مع الصابرين " الأنفال 46 ، وقوله تعالى عن وصية لقمان لابنه " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " لقمان 17 ، وإن عليك الحذر من جميع المحارم والاستعانة بالله على ذلك وسؤاله التوفيق والهداية في ذلك والاستقامة على التوبة ، ولا تيأس ، ونوصيك بصحبة الأخيار والحذر من صحبة الأشرار ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " (قلت:حسنه شعيب الأرناؤوط في تخريج سير أعلام النبلاء)، وقال " إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة " متفق عليه .(قلت هذه رواية مسلم أما رواية البخاري في صحيحه "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ وكِيرِ الحَدَّادِ؛ لا يَعْدَمُكَ مِن صاحِبِ المِسْكِ إمَّا تَشْتَرِيهِ أوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أوْ ثَوْبَكَ، أوْ تَجِدُ منه رِيحًا خَبِيثَةً. ")

من لحقهم الأذى والمعاداة والاستهزاء والسخرية بسبب التزامهم وتمسكهم بالآداب الشرعية من إعفاء اللحى وتقصير الثياب ، أو لبس الفتيات للنقاب وتحجبهن ، فأوصيك ومن معك بلزوم الآداب الشرعية من إعفاء اللحية وتوفيرها وترك الإسبال ، وتحجب النساء والصبر على ذلك ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، ولا يضرنكم انتقاد المنتقدين واستهزاء المستهزئين ، ولكم أسوة في الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فقد صبروا على الأذى وبلغوا رسالات ربهم.
* من أهم الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال سبحانه " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " التوبة 71 .

فأوضح سبحانه في هذه الآية أن من صفات المؤمنين والمؤمنات الواجبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال عز وجل " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " آل عمران 110 ، وقال النبي " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم في صحيحه ، والآيات والأحاديث في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذم من ترك ذلك كثيرة ، فالواجب عليكن وعلى كل مؤمن ومؤمنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولو غضب من أنكرتنَّ عليه ولو سبَّكن ، فلابد من الصبر تأسياً بالرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم بإحسان ، كما قال الله عز وجل يخاطب نبيه " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " الأحقاف 35 ، ولا شك أن صلاح المجتمع واستقامته إنما يكون بالله سبحانه ثم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن فساده وتمزقه وتعرضه للعقوبة العامة من أعظم أسبابه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ثبت عن رسول الله أنه قال " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه "(قلت: ورد الحديث في صحيح أبي داود للألباني بهذا اللفظ": إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا الظَّالمَ فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ") ، وقد حذَّر الله سبحانه عباده من سيرة الكفار من بني إسرائيل في قوله عز وجل :" لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " المائدة 78 ، 79 .
التعاون يكون بالسر ويكون بالجهر ، والأصل أنه بالجهر ، حتى يعلم السامع ما يقال ويستفيد ، فالتعاون والإرشاد نصيحة جهرية للمجتمع هذا هو الأصل إلا إذا اقتضت المصلحة الشرعية عدم الجهر خوفاً من الشر من بعض الناس ، لأنه لو نُصح أو وُجِّه جهراً قد لا يقبل وقد يتكبر ، فالنصيحة سراً مطلوبة حينئذ ، والناصح والموجه والمرشد يتحرى ما هو الأصلح ، فإذا كانت النصيحة والدعوة والإعانة على الخير جهراً تنفع الحاضرين وتعم بها المصلحة فعل ذلك ، وإذا كانت المصلحة تقتضي أن يكون التناصح في حالة السر فعل ذلك ، لأن المقصود حصول الخير والنفع للمنصوح وللمجتمع ، فالوسيلة المؤدية إلى ذلك هي المطلوبة سواء كانت سرية أو جهرية ، والناصح والداعي إلى الله كالطبيب يتحرى الوقت المناسب والكمية والكيفية المناسبة ، فهكذا يكون الداعي إلى الله والناصح لعباده يتحرى ما هو الأنسب وما هو الأصلح وما هو الأقرب للنفع .

من أهم التناصح ومن أوجب التعاون ، إذا كان الوالد أو الأخ أو غيرهما من أهل البيت يتعاطى شيئاً من المنكر فإنه يجب التناصح والتعاون والتواصي بالحق على قدر المستطاع بالأسلوب الحسن وتحري الوقت المناسب حتى يزول المنكر ، كما قال تعالى " فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن 16 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " (قلت : أخرجه البخاري عن أبي هريرة) ، فالوالد له شأن والوالدة لها شأن والأخ سواء كان كبيراً أو صغيراً له شأن وكلٌ يعامل بالأسلوب الحسن واللين والرفق بقدر المستطاع حتى يحصل المقصود ويزول المحذور.
وعلى الناصح والداعي إلى الله أن يتحرى الأوقات المناسبة والأسلوب المناسب لا سيما مع الوالدين ، لأنهما ليسا مثل بقية الأقارب ، فلهما شأن عظيم وبرهما متعين حسب الطاقة قال الله جل وعلا " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً " لقمان 14 ، 15 ، هذا وهما كافران ، فكيف بالوالدين المسلمين فإذا كان الوالدان الكافران يصحبهما الولد بالمعروف ويحسن إليهما لعله يهديهما بأسبابه ، فالمسلمان أولى وأحق بذلك ، فإذا كان الوالد يتكاسل عن الصلاة في المسجد ، أو يتعاطى شيئاً من المعاصي الأخرى كالتدخين أو حلق اللحية أو الإسبال أو غير ذلك من المعاصي التي يقع فيها فإن الواجب على الولد أن ينصح بالحسنى ، ويستعين على ذلك بمن يرى من خيار أهل البيت ، وهكذا مع الوالدة والأخ الكبير وغيرهما من أهل البيت حتى يحصل المطلوب .

والله ولي التوفيق

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس244 ج 5 حكم نقل حجارة مسجد إلى البيت والتبرك بها - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس243 ج 5 الطريقة التيجانية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 242 ج 5 زيارة المسجد النبوي سُنَّة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 241 ج5  المؤمن والخوف من الموت - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس240 ج 5 التوبة  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 239 ج 5 فضل حفظ القرآن - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر