الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد؛
قول البعض في معنى اسم الله الظاهر أي الظاهر في كل شيء ، هذا باطل ؛ لأنه خلاف ما فسَّر به النبي الآية الكريمة ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء فاقض عني الدين وأغنني من الفقر " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ،( قلت: رواية مسلم للحديث " اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ." )، فالظاهر معناها العالي فوق جميع الخلق ، ولكن آياته ودلائل وجوده وملكه وعلمه موجودة في كل شيء وأنه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ، فأنت أيها الإنسان الذي أعطاك الله السمع والبصر والعقل ، وأعطاك هذا البدن والأدوات التي تبطش بها وتمشي بها من جملة الآيات الدالة على أنه رب العالمين ، وهكذا السماء والأرض والليل والنهار والمعادن والحيوانات وكل شيء ، كلها آيات له سبحانه وتعالى تدل على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته ، وأنه المستحق للعبادة .
والله يقول جل وعلا " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " البقرة 163 ، ثم قال بعدها " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثَّ فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " البقرة 164 ، فأوضح سبحانه في هذه الآية أنواعاً من مخلوقاته الدالة على أنه سبحانه هو الإله الحق الذي لا تجوز العبادة لغيره سبحانه وتعالى ، وأما معنى الظاهر فهو العالي فوق جميع الخلق كما تقدم ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
معنى قوله سبحانه " وله المثل الأعلى في السماوات والأرض " الروم 27 ، المثل أي : الوصف الأعلى من كل الوجوه ، فهو سبحانه الموصوف بالكمال المطلق من كل الوجوه ، كما قال سبحانه " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " الشورى 11 ، وقال سبحانه " قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد " سورة الإخلاص .
كل أسماء الله سبحانه مشتملة على صفات له سبحانه تليق به وتناسب كماله ، ولا يشبهه فيها شيء ، فأسماؤه سبحانه أعلام عليه ونعوت له عز وجل ، ومنها : الرحمن ، الرحيم ، العزيز ، الحكيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ... إلى غير ذلك من أسمائه سبحانه الواردة في كتابه الكريم وفي سنة رسوله الأمين ، فالواجب إثباتها له سبحانه على الوجه اللائق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، وهذا هو معنى قول أئمة السلف كمالك والثوري والأوزاعي وغيرهم : أمروها كما جاءت بلا كيف ، والمعنى أن الواجب إثباتها لله سبحانه على الوجه اللائق به .
أما كيفيتها فلا يعلمها إلا الله سبحانه ، ولما سُئل مالك رحمه الله عن قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" طه 5 ، كيف استوى ؟ أجاب رحمه الله بقوله : الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، يعني بذلك رحمه الله : السؤال عن الكيفية ، وقد رُوي هذا المعنى عن شيخه ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، وعن أم سلمة رضي الله عنها، وهو قول أئمة السلف جميعاً .
قول : إن الإسلام انتشر بالسيف ، على إطلاقه باطل ، فالإسلام انتشر بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأُيِّد بالسيف ، فالنبي بلَّغه بالدعوة بمكة ثلاثة عشر عاماً ، ثم في المدينة قبل أن يُؤمر بالقتال ، والصحابة والمسلمون انتشروا في الأرض ودعوا إلى الله ، ومن أبى جاهدوه ، لأن السيف منفذ ، قال تعالى " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس " الحديد 25 ، وقال تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " الأنفال 39 ، فمن أبى قاتلوه لمصلحته ونجاته ، كما يجب إلزام مَنْ عليه حق لمخلوق بأداء الحق الذي عليه ولو بالسجن أو الضرب ، ولا يعتبر مظلوماً فكيف يستنكر أو يستغرب إلزام مَنْ عليه حق لله بأداء حقه فكيف بأعظم الحقوق وأوجبها وهو توحيد الله سبحانه وترك الإشراك به ، ومن رحمة الله سبحانه أن شرع الجهاد للمشركين وقتالهم حتى يعبدوا الله وحده ويتركوا عبادة ما سواه ، وفي ذلك سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة .
إن الأهداف الأساسية التي يجب إن نعطيها الأولوية حتى نفوز بالنجاة والسعادة ونستحق النصر من عند الله هي أن نتفقه في ديننا ونعمل به في أنفسنا ومع غيرنا ، وأن ننصر الله عز وجل ، ونصره إنما هو بنصر دينه وذلك بالامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه في جميع نواحي الحياة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الحق ، فإذا حققنا ذلك وعملنا على مقتضى الشريعة الإسلامية وحكَّمناها في مختلف شؤون حياتنا فإن النصر من عند الله سيكون مضموناً لنا ، لأن الله وعدنا بذلك وهو الصادق في وعده كما قال تعالى " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " محمد 7 ، وقال تعالى " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " الروم 47 .
ثم إن الإسلام يأمر بالأخذ بالأسباب المادية من توحيد الصفوف وأخذ الحذر وإعداد القوة لمواجهة العدو كما في قوله تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " الأنفال 60 ، وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم " النساء 71 .
أرى أن الإسلام سوف ينتصر بإذن الله على التيارات والنحل الزائفة التي ابتلي بها العالم في عصرنا الحاضر ، وأن كل ما يوجه إلى الإسلام من عداء ماكر للنيل منه وإزاحته عن قيادة العالم سوف يعود في النهاية بإذن الله تعالى على نحور أصحابه ، وذلك أن الله جل شأنه قد تكفل بحفظ القرآن الكريم الذي هو الأساس العظيم للإسلام ، حيث يقول سبحانه " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر 9 .
وقد هيَّأ الله سبحانه وله الحمد والمنة لدينه أنصاراً ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لاتزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله " ، (قلت : رواه مسلم بهذا اللفظ "لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ " )، ومما يبشر بما ذكرنا ما انتشر في العالم الإسلامي وغيره من الحركات التي توصي باتباع الكتاب والسنة والسير عليهما . ثم إن تلك المبادئ والمذاهب المختلفة من شيوعية ورأسمالية غربية وغيرها من المذاهب التي يروج لها اليوم أصحابها قد ثبت بالتجربة زيفها وفشلها ، وأنها لا تسعد البشرية بل تضرها في دينها وأخلاقها واقتصادها ، حيث إنها من صنع البشر الذي طبيعته القصور والجهل والهوى ، كما قال تعالى " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً " النساء 82 .
وقد بدأت البشرية تتلفت يمنة ويسرة علها تجد منهجاً صالحاً ينقذها من الهاوية التي تردَّت فيها جميع شؤون حياتها ، والإسلام وحده هو القادر على إنقاذ البشرية من تلك المهالك ، وستكتشف البشرية بإذن الله تلك الحقيقة إن عاجلاً أو آجلاً ، كما قال الله تعالى " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " الرعد 17 ، وكلامنا هذا هو في الإسلام النقي من شوائب الشرك والبدع الذي أخذ به النبيُّ وأصحابُه والسلفُ الصالحُ من بعده فأفلحوا ونجحوا وفتحوا البلاد وقادوا العباد إلى سبيل الرشاد وشاطئ السلامة .
والله الموفق