الدرس 152 واجب المسلم تجاه الكافر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 19 ذو القعدة 1445هـ | عدد الزيارات: 116 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:

إن واجب المسلمِ بالنسبة إلى غيرِ المسلم أمورٌ متعددةٌ منها :

أولا : الدعوة إلى الله عز وجل وأن يبين له حقيقة الإسلام حيث أمكنه ذلك لأن هذا أعظمُ وأكبر إحسان يهديه إليه وإلى من اجتمع به من اليهود أو النصارى أو غيرِهم من المشركين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله " ، رواه مسلم عن عقبة بن عمرو وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو اليهود إلى الإسلام قال : " فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ. "رواه البخاري عن سعد بن سهل الساعدي ، فدعوته إلى الله وتبليغه الإسلام ونصيحته في ذلك من أهم المهمات ومن أفضل القربات.

ثانيا : لا يظلمه في نفسٍ ولا في مالٍ ولا في عِرْضٍ إذا كان ذِمياً أو مستأمَناً أو مُعاهداً ، فإنه يؤدي إليه حقه فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ، ولا يظلمه في البدن بالضرب ولا بالقتل ، لأن كونَه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً يعصمُه .

ثالثاً : لا مانع في معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشترى من الكفار عُبَّادِ الأوثان واشترى من اليهود ، وهذه معاملةٌ ، وقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونةٌ عند يهودي في طعام لأهله .

رابعا : لا يبدؤه بالسلام ، ولكن يرد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام " رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم " إذا سلم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا وعليكم " متفق عليه ، فالمسلم لا يبدأ الكافر بالسلام ولكن يرد إن سلم عليه فهذا من الحقوق الشرعية بين المسلم والكافر .

ومن ذلك حسن الجوار فإذا كان جاراً لك تحسن إليه ولا تؤذه في جواره وتتصدق عليه إن كان فقيراً أو تهدي إليه إن كان غنياً وتنصح له فيما ينفعه لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ودخوله فيه ولأن الجار له حق عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " متفق عليه ، ولعموم قوله تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " الممتحنة 8 .

وفي صحيح البخاري عن أسماء بنتِ أبي بكر رضي الله عنهما قالت " قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ."

وليس للمسلم مشاركتُهم في احتفالاتهم أو أعيادِهم لكن لا بأس أن يعزيهم في ميتهم إذا رأى المصلحة الشرعية في ذلك بأن يقول : جبر الله مصيبتك أو أحسن الله الخلفَ بخير ، ولا يقول : غفر الله له ولا يقول : رحمه اللهُ ، وإنما يدعو للحي بالهداية وبالعوض الصالح ونحو ذلك .

ذبائحُ أهلِ الكتاب حكمها الحلُ والإباحةُ بالإجماع ما لم يعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي كالخنق ونحوه لقول الله سبحانه " اليوم أحل لكم الطيبات وطعامُ الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حلٌ لهم " المائدة 5 .

قال الحافظ ابنُ كثير في تفسير هذه الآية : لما ذكر الله تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث وما أحله لهم من الطيبات قال بعده " اليوم أحل لكم الطيبات " ثم ذكر حكمَ ذبائحِ أهل الكتابين من اليهود والنصارى فقال " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " ، قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهدُ وغيرُهم : يعني ذبائحَهم ، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين .

أما حكمُ نكاحِ نسائهم فهو الحل والإباحة عند جمهور أهل العلم لقول الله سبحانه في الآية السابقة " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءاتيتموهن أجورهن محصنين غيرَ مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " المائدة 5 ، والمحصنة هي الحرة العفيفة في أصح أقوال علماء التفسير .

قال أبو محمد موفقُ الدين عبدُ الله بنُ أحمدَ بنِ قدامة الحنبلي رحمه الله في كتابه المغني ما نصه : " ليس بين أهل العلم ، بحمد الله ، اختلافٌ في حل حرائر نساء أهل الكتاب ، وممن روي عنه ذلك عمرُ وعثمانُ وطلحةُ رضي الله عنهم وغيرُهم ، وقال ابن المنذر : ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك .

وأهل الكتاب هم اليهودُ والنصارى كما نص على ذلك علماء التفسير وغيرُهم ، أما المجوس فليسوا من أهل الكتاب عند الإطلاق ولكنهم يعاملون معاملتهم في أخذ الجزية منهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذها منهم ، أما نساؤهم وذبائحُهم فحرام على المسلمين عند الأئمة الأربعة وغيرِهم وهو كالإجماع من أهل العلم .

أسأل اللهَ أن يوفقنا وإياكم وسائرَ المسلمين للفقه في دينه والثباتِ عليه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا وأن يهديَنا صراطَه المستقيم إنه جواد كريم .

وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين

١٨ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 168 الجزء الرابع المثل الأعلى - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 167 الجزء الرابع  حكم من قُتِل في سبيل مكافحة المخدرات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 166 الجزء الرابع  العلاج الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 165 الجزء الرابع  السكن مع العوائل في الخارج - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 164 الجزء الرابع تفسير آيات كريمات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 163 الجزء الرابع   الإحسان للبنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة