الدرس 127 مسائل في العقيدة 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 6 صفر 1443هـ | عدد الزيارات: 380 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

فإن كثيراً من الناس تلتبس عليهم الأمور المشروعة بالأمور الشركية والمبتدعة حول القبور ، كما أن كثيراً منهم قد يقع في الشرك الأكبر بسبب الجهل والتقليد الأعمى ، فالواجب على أهل العلم في كل مكان أن يوضحوا للناس دينهم وأن يبينوا لهم حقيقة التوحيد ، وحقيقة الشرك ، كما يجب على أهل العلم أن يوضحوا للناس وسائل الشرك وأنواع البدع الواقعة بينهم حتى يحذروها لقول الله عز وجل " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " آل عمران 187 ، وقال سبحانه " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيَّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم " البقرة 159 ، 160 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله " رواه مسلم في صحيحه (عن أبي مسعود عقبة بن عمرو)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً " رواه مسلم ، وفي الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " ، والآيات والأحاديث في الدعوة إلى نشر العلم وترغيب الناس في ذلك والتحذير من الإعراض وكتمان العلم كثيرة .
أما ما يقع عند القبور من أنواع الشرك والبدع في بلدان كثيرة فهو أمر معلوم وجدير بالعناية والبيان والتحذير منه ، فمن ذلك دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم ، وطلب شفاء المرضى والنصر على الأعداء ونحو ذلك ، وهذا كله من الشرك الأكبر الذي كان عليه أهل الجاهلية قال الله سبحانه " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة 21 ، وقال سبحانه " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات 56 ، وقال سبحانه " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " البينة 5 .

والعبادة التي خُلق الثقلان لأجلها وأُمروا بها هي توحيده سبحانه وتخصيصه بجميع الطاعات التي أمر بها من صلاة وصوم وزكاة وحج وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة كما قال سبحانه " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام 162 ، 163 ، والنسك هو العبادة ومنها الذبح كما قال سبحانه " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر " الكوثر 1 ، 2 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله من ذبح لغير الله " أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال الله سبحانه " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً " الجن 18 ، وقال عز وجل " ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون " المؤمنون 117 ، وقال عز وجل في سورة فاطر " ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير " فاطر 13 ، 14 ، فأوضح سبحانه في هذه الآيات أن الصلاة لغيره والذبح لغيره ودعاء الأموات والأصنام والأشجار والأحجار كل ذلك من الشرك بالله والكفر به ، وأن جميع المدعوين من دونه من أنبياء أو ملائكة أو أولياء أو جن أو أصنام أو غيرهم لا يملكون لداعيهم نفعاً ولا ضراً ، وأن دعوتهم من دونه سبحانه شرك وكفر ، كما أوضح سبحانه أنهم لا يسمعون دعاء داعيهم ولو سمعوا لم يستجيبوا له .

فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس الحذر من ذلك والتحذير منه وبيان بطلانه ، وأنه يخالف ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من الدعوة إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له ، كما قال سبحانه " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " النحل 36 ، وقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى الله سبحانه ويحذر الناس من الشرك به ، ويوضح لهم معنى لا إله إلا الله فاستجاب له الأقلون ، واستكبر عن طاعته واتباعه الأكثرون ، ثم هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام فنشر الدعوة إلى الله سبحانه هناك بين المهاجرين والأنصار ، وجاهد في سبيل الله ، وكتب إلى الملوك والرؤساء ، وأوضح لهم دعوته وما جاء به من الهدى ، وصبر وصابر في ذلك هو وأصحابه رضي الله عنهم ، حتى ظهر دين الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وانتشر التوحيد وزال الشرك من مكة والمدينة ومن سائر الجزيرة على يده صلى الله عليه وسلم وعلى يد أصحابه من بعده ، ثم قام أصحابه بالدعوة إلى الله سبحانه والجهاد في سبيله في المشارق والمغارب حتى نصرهم الله على أعدائه ومكَّن لهم في الأرض وظهر دين الله على سائر الأديان ، كما وعد بذلك سبحانه في كتابه العظيم حيث قال عز وجل " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " الصف 9 .

ومن البدع ووسائل الشرك ما يفعل عند القبور من الصلاة عندها والقراءة عندها وبناء المساجد والقباب عليها ، وهذا كله بدعة ومنكر ومن وسائل الشرك الأكبر ، ولهذا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها ، وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " ، فأوضح صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين وما جاء في معناهما أن اليهود والنصارى كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد فحذر أمته من التشبه بهم باتخاذها مساجد والصلاة عندها والعكوف عندها والقراءة عندها ، لأن هذا كله من وسائل الشرك ، كما وقع ذلك من اليهود والنصارى ومن جُهَّال هذه الأمة حتى عبدوا أصحاب القبور وذبحوا لهم واستغاثوا بهم ، ونذروا لهم وطلبوا منهم شفاء المرضى والنصر على الأعداء كما يعلم ذلك من عرف ما يُفعل عند قبر الحسين ، والبدوي ، والشيخ عبد القادر الجيلاني ، وابن عربي وغيرهم من أنواع الشرك الأكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها والكتابة عليها ، وما ذاك إلا لأن تجصيصها والبناء عليها من وسائل الشرك الأكبر بأهلها .

فالواجب على جميع المسلمين الحذر من الشرك ومن هذه البدع وسؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة ، والسير على منهج سلف الأمة عما أُشكل عليهم من أمور دينهم حتى يعبدوا الله على بصيرة عملاً بقول الله عز وجل " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " الأنبياء 7 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة " .(رواه أبو داود باختلاف يسير"من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ " صححه الألباني.
ومعلوم أن العباد لم يُخلقوا عبثاً وإنما خُلقوا لحكمة عظيمة وغاية شريفة ، وهي عبادة الله وحده دون كل ما سواه ، ولا سبيل إلى معرفة هذه العبادة إلا بتدبر الكتاب العظيم والسنة المطهرة ، ومعرفة ما أمر الله به ورسوله من أنواع العبادة وسؤال أهل العلم عما أُشكل في ذلك ، وبذلك تُعرف عبادة الله سبحانه وتعالى التي خلق العباد من أجلها وتُؤدى على الوجه الذي شرعه الله ، وهذا هو السبيل الوحيد إلى مرضاة الله سبحانه والفوز بكرامته ، والنجاة من غضبه وعقابه .
ومن أنواع الشرك الحلف بغير الله كالحلف بالأنبياء وبرأس فلان وحياة فلان والحلف بالأمانة والشرف ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " متفق على صحته (رواه عبد الله بن عمر ، وزاد مسلم "فمن كان حالفا")، وقوله صلى الله عليه وسلم " من حلف بشيء دون الله فقد أشرك " رواه الإمام أحمد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد صحيح ، وقوله صلى الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، (صححه الألباني في إرواء الغليل)والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، والحلف بغير الله من الشرك الأصغر وقد يُفضي إلى الشرك الأكبر إذا اعتقد تعظيمه مثل تعظيم الله أو أنه ينفع ويضر دون الله ، أو أنه يصلح لأن يُدعى أو يُستغاث به ، ومن هذا الباب قول : ما شاء الله وشاء فلان ، ولولا الله وفلان وهذا من الله وفلان ، وهذا كله من الشرك الأصغر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تقولوا: ما شاء اللهُ وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء اللهُ، ثم شاء فلانٌ. "( صحيح أبي داود للألباني) ، وبهذا يُعلم أنه لا حرج بأن يقول : لولا الله ثم فلان ، أو هذا من الله ثم فلان ، إذا كان له تسبب في ذلك ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم " أن رجلاً قال له : ما شاء الله وشئت فقال له صلى الله عليه وسلم : أجعلتني لله نداً ؟ قل ما شاء الله وحده "( صححه أحمد شاكر في مسند أحمد بهذا اللفظ" أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ما شاء اللهُ وشئتَ فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : أجعلتني للهِ عدلًا بل ما شاء اللهُ وحدَهُ ") ، فدلَّ هذا الحديث على أنه إذا قال : ما شاء الله وحده فهذا هو الأكمل ، وإن قال ما شاء الله ثم شاء فلان فلا حرج جمعاً بين الأحاديث والأدلة كلها.

وفق الله المسلمين لكل ما فيه رضاه ، ومنحهم الفقه في دينه وولَّى عليهم خيارهم وأصلح قادتهم ، ووفق علماء المسلمين لأداء ما يجب عليهم من الدعوة والتعليم والنصح والتوجيه إنه جواد كريم .

والله ولي التوفيق .

6 - 2 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر