الدرس 86 احتياط المسلم لدينه

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 5 شعبان 1442هـ | عدد الزيارات: 608 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجب على المسلم أن يحتاط لدينه وأن لا يأخذ الفتوى ممن هبَّ ودب ، لا مكتوبة ولا مذاعة ولا من أي طريق لا يتثبت منه سواء كان القائل علمانياً أو غير علماني ، فلا بد من التثبت في الفتوى لأنه ليس كل من أفتى يكون أهلاً للفتوى ، والمقصود أن المؤمن يحتاط لدينه فلا يعجل في الأمور ولا يأخذ الفتوى من غير أهلها بل يتثبت حتى يقف على الصواب ويسأل أهل العلم المعروفين بالاستقامة والعلم حتى يحتاط لدينه ، قال تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " الأنبياء 7 ، وأهل الذكر هم أهل العلم بالكتاب والسنة فلا يسأل من يُتهم في دينه أو لا يُعرف علمه أو يُعرف بأنه منحرف عن جادة أهل السنة .

الله جل جلاله وصف المؤمنين بإنكار المنكر والأمر بالمعروف قال تعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " التوبة 71 ، وقال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " آل عمران 104 ، وقال تعالى " كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " آل عمران 110 ، والآيات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً وما ذاك إلا لأهميته وشدة الحاجة إليه .
وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم ، فالإنكار يكون باليد في حق من استطاع ذلك كولاة الأمور والهيئة المختصة بذلك فيما جُعل إليها وأهل الحسبة فيما جُعل إليهم والأمير فيما جُعل إليه والقاضي فيما جُعل إليه والإنسان في بيته مع أولاده وأهل بيته فيما يستطيع.
أما من لا يستطيع ذلك ، أو إذا غيَّره بيده يترتب عليه الفتنة والنزاع والمضاربات فإنه لا يغير بيده بل ينكر بلسانه ويكفيه ذلك لئلا يقع بإنكاره باليد ما هو أنكر من المنكر الذي أنكره كما نص على ذلك أهل العلم ، فيقول يا أخي : اتق الله هذا لا يجوز هذا يجب تركه هذا يجب فعله ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة والأسلوب الحسن ، ثم بعد اللسان القلب يعني يكره بقلبه المنكر ويُظهر كراهته ولا يجلس مع أهله فهذا من إنكاره بالقلب .

* الواجب تشجيع الشباب على الخير وشكرهم على نشاطهم في الخير مع توجيههم إلى الرفق والحكمة وعدم العجلة في الأمور ، لأن الشباب وغيرَ الشباب يكون عندهم زيادة غيرة فيقعون فيما لا ينبغي ، فالواجب توجيه الشيخ والشاب إلى أن يتثبت في الأمور وأن يتحرى الحق في كل أعماله حتى تقع الأمور منه في موقعها ، وقد رأى رجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعض المنكرات فحملته الغيرة لله على أن قال لصاحب المنكر : والله لا يغفر الله لك ، فقال الله عز وجل : " من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك " رواه مسلم في صحيحه ، (قلت : ورد في مسلم عن جندب بن عبد الله بلفظ"أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، أوْ كما قالَ.") وما ذلك إلا لأنه تجاوز الحد الشرعي بجزمه بأن الله لا يغفر لصاحب هذا المنكر وذلك يوجب على المؤمن التثبت والحذر من خطر اللسان وشدة الغيرة ؛ والمقصود أن الشاب والشيخ وغيرَهما كلُّهم عليهم واجبُ إنكارِ المنكرِ لكنْ بالرفق والحكمة والتقيد بنصوص الشرع فلا يزيدون على الحد الشرعي فيكونون غلاةً كالخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم ولا ينقصون فيكونون جفاة متساهلين بأمر الله ، ولكن يتحرون الوسط في كلامهم وإنكارهم وتحريهم للأسباب التي تجعل قولهم مقبولاً ومؤثراً ويبتعدون عن الوسائل التي قد تنفر من قبول قولهم ولا ينتفع بهم المجتمع لقول الله عز وجل " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك " آل عمران 159 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه "(قلت رواه مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها) ، وقوله صلى الله عليه وسلم " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه " رواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها .(قلت: ورد في صحيح مسلم بهذا اللفظ "اللَّهُمَّ، مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ.")

* انتشار الباطل عبر الصحافة وكافة وسائل الإعلام وغيرها ، هذه واقعة منتشرة في الزمان كله وحكمة أرادها الله سبحانه كما قال تعالى " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " يوسف 103 ، ويقول سبحانه " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله"الأنعام 116
لكن هذا يختلف ففي بلاد يكثر وفي بلاد يقل وفي قبيلة يكثر وفي قبيلة يقل ، وأما بالنسبة إلى الدنيا فأكثر الخلق على غير الهدى ولكن هذا يتفاوت بالنسبة إلى بعض الدول وفي بعض البلاد وبعض القرى وبعض القبائل.
فالواجب على أهل العلم أن ينشطوا وأن لا يكون أهل الباطل أنشط منهم ، بل يجب أن يكونوا أنشط من أهل الباطل في إظهار الحق والدعوة إليه أينما كانوا في الطريق وفي السيارة وفي الطائرة وفي المركبة الفضائية وفي بيته وفي أي مكان ، عليهم أن ينكروا المنكر بالتي هي أحسن ويعلموا بالتي هي أحسن بالأسلوب الطيب والرفق واللين " يقول الله عز وجل " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله " (قلت: رواه مسلم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو)، ويقول صلى الله عليه وسلم" إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ".(قلت رواه مسلم عن عائشة أم المؤمنين،رضي الله عنها).

فلا يجوز لأهل العلم السكوت وترك الكلام للفاجر والمبتدع والجاهل فإن هذا غلط عظيم ومن أسباب انتشار الشر والبدع واختفاء الخير وقلته وخفاء السنة ، فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا بالحق ويدعوا إليه وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه ويجب أن يكون ذلك عن علم وبصيرة كما قال الله عز وجل " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة " يوسف 107 ، وذلك بعد العناية بأسباب تحصيل العلم من الدراسة على أهل العلم وسؤالهم عما أُشكل وحضور حلقات العلم والإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبره ومراجعة الأحاديث الصحيحة حتى تستفيد وتنشر العلم كما أخذته عن أهله بالدليل مع الإخلاص والنية الصالحة والتواضع ويجب أن تحرص على نشر العلم بكل نشاط وقوة وألا يكون أهل الباطل أنشط في باطلهم وأن تحرص على نفع المسلمين في دينهم ودنياهم.
وهذا واجب العلماء شيوخاً وشباباً أينما كانوا بأن ينشروا الحق بالأدلة الشرعية ويرغبوا الناس فيه وينفروهم من الباطل ويحذروهم منه عملا لقوله عز وجل " وتعاونوا على البر والتقوى " المائدة 2 ، وقوله سبحانه " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " سورة العصر .
معنى الآية الكريمة " الله نور السماوات والأرض " النور 35 ، عند العلماء أن الله سبحانه منورها فجميع النور الذي في السموات والأرض ويوم القيامة كلٌ من نوره سبحانه .

والنور نوران : نور مخلوق وهو ما يوجد في الدنيا والآخرة وفي الجنة وبين الناس الآن من نور القمر والشمس والنجوم ، وهكذا نور الكهرباء والنار كله مخلوق وهو من خلقه سبحانه وتعالى .
أما النور الثاني : فهو غير مخلوق بل هو من صفاته سبحانه وتعالى ، والله سبحانه وبحمده بجميع صفاته هو الخالق وما سواه مخلوق فنور وجهه عز وجل ونور ذاته سبحانه وتعالى كلاهما غير مخلوق بل هما صفة من صفاته جل وعلا .
وهذا النور العظيم وَصْفٌ له سبحانه وليس مخلوقاً بل هو صفة من صفاته كسمعه وبصره ويده وقدمه وغير ذلك من صفاته العظيمة سبحانه وتعالى ، وهذا هو الحق الذي درج عليه أهل السنة والجماعة .
تفسير قوله سبحانه وتعالى " ونُفِخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " الزمر 68 ، قال بعض أهل العلم : إنهم الملائكة ، وقال بعضهم : إنهم الشهداء ، والله سبحانه وتعالى هو أعلم بمراده بذلك .
يمكنك الدعوة إلى الله باختيار شريط لأحد العلماء والدعاة وتهديه لأقاربك والمسلمين عامة ، فالشريط إذا كان من عالم معروف بحسن العقيدة وسعة العلم إذا أهديته إلى إخوانك فقد أحسنت ولك مثل أجره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله " رواه مسلم في صحيحه.
ولا مانع من أن تتكلم بما تعلم من الحق بالأسلوب الحسن ، مثل حث الناس على الصلاة في الجماعة وأداء الزكاة وتحذيرهم الغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وما حرَّم الله من الفواحش ، لأن هذه الأمور وأمثالها معلومة للمسلمين من العلماء وغيرهم.

لا شك أن الواجب على العلماء أينما كانوا أن ينشروا الحق وينشروا السنة ويعلموا الناس وأن لا يتقاعسوا عن ذلك بل يجب على أهل العلم أن ينشروا الحق بالدروس في المساجد التي حولهم وإن كانوا غير أئمة فيها.
وفي خطب الجمعة من أئمة الجوامع يجب على كل واحد أن يعتني بخطبة الجمعة ويتحرى حاجة الناس وهكذا المحاضرات والندوات يجب على القائمين بها أن يتحروا حاجة الناس ويبينوا لهم ما قد يخفى عليهم من أمور دينهم وما يلزم نحو إخوانهم من الجيران وغيرهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وتعليم الجاهل بالرفق والحكمة ، ومتى سكت العلماء ولم ينصحوا ولم يرشدوا الناس تكلم الجهال فضلُّوا وأضلُّوا وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئِلُوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا " رواه البخاري في صحيحه .(قلت : ورد في صحيح البخاري بهذا اللفظ"إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا.")
وبما ذكرنا يُعلم أن الواجب على أهل العلم أينما كانوا في القرى والمدن وفي القبائل وفي هذه البلاد وفي كل مكان أن يعلموا الناس وأن يرشدوهم بما قال الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وما أُشكل عليهم في ذلك وجب عليهم أن يراجعوا الكتاب والسنة ويراجعوا كلام أهل العلم .
فالعالم يتعلم إلى أن يموت ويتعلم ليعلم ما أشكل عليه ويراجع كلام أهل العلم بالأدلة حتى يفتي الناس ويعلمهم على بصيرة وحتى يدعو إلى الله على بصيرة.

والإنسان في حاجة إلى العلم إلى أن يموت ولو كان من الصحابة رضي الله عنهم فكل إنسان محتاج إلى طلب العلم والتفقه في الدين ليعلم ويتعلم فيراجع القرآن الكريم ويتدبره ويراجع الأحاديث الصحيحة وشروحها ويراجع كلام أهل العلم حتى يستفيد ويتضح له ما أشكل عليه ويعلم للناس مما علمه الله سواء كان في بيته أو في المدرسة أو في المعهد أو في الجامعة أو في المساجد التي حوله أو في السيارة أو في الطائرة أو في أي مكان أو في المقبرة إذا حضر عند الدفن ولم ينقضِ القبرُ بأن جلسوا ينتظرون يذكرهم بالله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل
والمقصود أن العالم ينتهز الفرصة في كل مكان مناسب واجتماع مناسب ولا يضيع الفرصة بل ينتهزها ليذكر ويعلم بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والتثبت والحذر من القول على الله بغير علم.

والله ولي التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

5 - 8 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر