الدرس 66 أنواع العطايا على السؤال

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 13 جمادى الآخرة 1442هـ | عدد الزيارات: 512 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إذا أحسَّ الإنسان أن دعاءه لم يستجب فعليه أن يرجع إلى نفسه ، وأن يحاسبها ، فإن الله حكيم عليم قد يؤخر الإجابة لحكمة بالغة ليَكْثُرَ دعاءُ العبد لخالقه ، وانكسارُه إليه ، وذلُه لعظمته ، وإلحاحُه في طلب حاجته ، وكثرة تضرعه إليه ، وخشوعه بين يديه ، ليحصل له بهذا من الخير العظيم ، والفوائد الكثيرة ، وصلاح القلب ، والإقبال على ربه ، ما هو أعظم من حاجته ، وأنفع له منها .

وقد يؤجلها سبحانه وتعالى لأسباب أخرى ، منها ما أنت متلبس به من المعاصي كأكل الحرام وعقوق الوالدين ، وغير ذلك من أنواع المعاصي ، فيجب على الداعي أن يحاسب نفسه ، وأن يبادر إلى التوبة رجاءَ أن يتقبل الله توبته ، ويجيب دعوته ، وقد يؤجلها لحكم أخرى هو أعلم بها سبحانه ، كما في الحديث الصحيح " ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن تُعجَل له دعوته في الدنيا وإما أن تُدخَر له في الآخرة وإما أن يُصرَف عنه من الشر مثل ذلك ، قالوا : يا رسول الله إذاً نكثر ؟ قال : الله أكثر " ، قلت : صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، بلفظ "ما من مسلِمٍ يَدعو ، ليسَ بإثمٍ و لا بِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ : إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ ، و إمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ ، و إمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها قال : إذًا نُكثِرَ ، قالَ : اللهُ أَكثَرُ" فإذا تأجلت الحاجة فلا تلم ربك ، ولا تقل لماذا يا رب ، بل عليك أن ترجع إلى نفسك ، وتحاسبها فإن ربك حكيم عليم .
فلا يجوز أن تَتَهمَ ربَّك بما لا يليق به سبحانه ، ولكن عليك أن تتهم نفسك ، وتنظر في أعمالك وسيرتك ، حتى تصلح من شأنك ، وحتى تستقيم على أمر ربك فتنته عن نواهيه وتقف عند حدوده ، وينبغي أن يُعلَم أنه سبحانه قد يؤخر الإجابة لمدة طويلة ، كما أخَّر إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف إليه ، وهو نبي كريم عليه الصلاة والسلام ، وكما أخر شفاء نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام .
وقد يعطي الله السائل خيراً مما سأل ، وقد يصرف عنه من الشر أفضل مما سأل ، كما جاء في الحديث السابق الذي ذكرنا آنفا ، فعليك بحسن الظن بالله ، وأن تستمر في الدعاء وتلح في ذلك ، فإن في الدعاء خيراً كثيراً لك ، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت ودعوت فلم أره يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء " .قلت : ورد الحديث في البخاري بلفظ "يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي." ، وفي مسلم "يُستجابُ لأحدِكُم مَا لم يَعْجَلْ فيقولُ دعوتُ فَلا أو فلم يُستجبْ لي " وفي صحيح الجامع للألباني "لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ للعبدِ ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قَطِيعةِ رَحِمٍ ، ما لم يَسْتَعْجِلْ ، يقولُ : قد دَعَوْتُ وقد دَعَوْتُ فلم يُسْتَجَبْ لي ، فيَسْتَحْسِرُ عند ذلك ، ويَدَعُ الدعاءَ"

فلا ينبغي لك أن تستحسر ، ولا ينبغي لك أن تدع الدعاء ، بل الزم الدعاء واستكثر من الدعاء ، وألح على ربك ، وحاسب نفسك ، واحذر أسباب المنع من المعاصي والسيئات . ويشرع لك أن تتحرى أوقات الإجابة كآخر الليل ، وبين الأذان والإقامة ، وفي آخر الصلاة قبل السلام ، وفي السجود وعند جلوس الخطيب على المنبر يوم الجمعة ، وبعد صلاة العصر يوم الجمعة إلى غروب الشمس ، كل هذه من أوقات الإجابة ، وعليك بإحضار قلبك عند الدعاء وإحسان الظن بالله لقول النبي صلى الله عليه وسلم " يقول اللهُ عزَّ وجلَّ : أنا عند ظنِّ عبدي بي وأنا معهُ إذا دعانِي " خرجه مسلم في صحيحه .
* تعليق التمائم على الأولاد ، خوفاً من العين أو من الجن أو من المرض ، أمر لا يجوز ، وهكذا تعليق التمائم على المرضى وإن كانوا كباراً لا يجوز لأن هذا فيه نوع من التعلق بغير الله سبحانه وتعالى ، وهو لا يجوز لا مع السادة ولا مع غيرهم من الناس لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تعلق تميمة فلا أتمَّ الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له " قلت : الحديث روي من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وقد رواه عنه مشرح بن هاعان ، وقد رواه عنه عبد الله بن لهيعة المصري (ضعيف):وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تعلق تميمة فقد أشرك "قلت: هذا إسناد حسن لذاته، لأجل يزيد بن أبي منصور، وهو صدوق لا بأس به. ، والتميمة هي ما يعلق على الأولاد أو المرضى أو غيرهم عن العين ، أو عن الجن أو المرض ، من خرز أو ودع أو عظام ذئب أو طلاسم ، أو غير ذلك ، ويدخل في ذلك الأوراق المكتوب فيها كتابات حتى ولو كانت من القرآن على الصحيح لأن الأحاديث عامة ليس فيها استثناء ، فالرسول صلى الله عليه وسلم عمَّم وأطلق ، ولم يستثن شيئاً ، فدلَّ ذلك على أن التمائم كلها ممنوعة ، ولأن تعليق ما يكتب من القرآن أو الدعوات الطيبة وسيلة لتعليق غيرها من التمائم الأخرى ، وقد جاءت الشريعة الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى الشرك أو المعاصي .
والمشروع في هذا أن يسأل المسلم ربه العافية ، ويتعاطى الأدوية المباحة ، ولا بأس أن يَرقي من القرآن الكريم والأدعية الطيبة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " ، قلت ورد في مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي بلفظ " لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ."ولأنه صلى الله عليه وسلم رقى بعض الصحابة ، ورقاه جبرائيل عليه السلام .

أما التعليق فلا يجوز لما تقدم من الأحاديث ، وهو من الشرك الأصغر ، وقد يكون شركاً أكبر إذا اعتقد المعلق أن التمائم تدفع عنه ، وأنها تكفيه الشرور دون الله عز وجل ، أما إذا اعتقد أنها من الأسباب ، فهذا من الشرك الأصغر ، والواجب قطعها وإزالتها ، وكذلك الحلف بغير الله لا يجوز ، وهو من الشرك الأصغر أيضاً ، وقد يكون من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بغير الله أن هذا المحلوف به مثلُ الله أو يصح أن يدعى من دون الله ، أو أنه يتصرف في الكون من دون الله فإنه يكون شركاً أكبر ، والحاصل أن الحلف بغير الله لا يجوز ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " قلت في البخاري بلفظ "فمَن كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ، وإلَّا فَلْيَصْمُتْ."، وقال " لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد " رواه النسائي وصححه الألباني ، وقال عليه الصلاة والسلام " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " قلت : صححه الألباني في إرواء الغليل ، وفى رواية " من حلف بشيء دون الله فقد أشرك " قلت صححه الألباني في إرواء الغليل بلفظ "من حلفَ بغيرِ اللهِ فقد كفرَ أو أشركَ"، وقال عليه السلام " من حلف بالأمانة فليس منا " ، قلت : رواه أبو داود وصححه الألباني ، وكلُها أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أصحابه بالسفر يحلفون بآبائهم ، فقال لهم عليه الصلاة والسلام " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت " .قلت : جاء في صحيح البخاري بلفظ " إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ، فمَن كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ، وإلَّا فَلْيَصْمُتْ."
وقال الإمام أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله المتوفى سنة 463هـ : إن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الحلف بغير الله وهذا يدل على أن الحلف بالأمانة ، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم ، أو بالكعبة أو بحياة فلان ، أو بشرف فلان ، كله لا يجوز وإنما يكون الحلف بالله وحده .
* إن الله جل وعلا ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاءً علمه من علمه وجهله من جهله ، وإن الله قد جعل فيما نزل على نبيه صلى الله عليه وسلم من الخير والهدى والعلاج لجميع ما يشكو منه الناس من أمراض حسية ومعنوية - ما نفع الله به العباد ، وحصل به من الخير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل ، والإنسان قد تعرض له أمور لها أسباب ، فيحصل له من الخوف والذعر ما لا يعرف له سبباً بيِّناً
والله جعل فيما شرعه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الخير والأمن والشفاء ما لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى .
فنصيحتي للجميع أن يستعملوا ما شرعه الله تعالى من الأمور الشرعية التي يحصل بها الأمن والطمأنينة ، وراحة النفوس والسلامة من مكايد الشيطان ، ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة بعد الأذكار الشرعية ، وآية الكرسي هي قوله تعالى " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " البقرة 255 ، إلى آخر الآية ، وهي أعظم آية في القرآن ، وأفضل آية في كتاب الله عز وجل لما اشتملت عليه من التوحيد والإخلاص لله سبحانه وتعالى ، وبيان عظمته جل وعلا ، وأنه الحي القيوم المالك لكل شيء ولا يعجزه شيء جل وعلا ، فإذا قرأ المرء هذه الآية خلف كل صلاة كانت له حرزاً من كل شر ، وهكذا قراءتها عند النوم .

ومما شرع الله أيضاً أن يقرأ المسلم سورة " قل هو الله أحد " الإخلاص 1 ، والمعوذتين خلف كل صلاة ، فهذا أيضاً من أسباب العافية والأمن والشفاء من كل سوء ، و " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن ، وقراءة هذه السور الثلاث ، أعني " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " بعد الظهر وبعد العصر وبعد العشاء مرة واحدة ، أما بعد المغرب والفجر فيقرأهن ثلاث مرات ، وهكذا إذا أوى إلى فراشه فليقرأهن ثلاث مرات لصحة الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

ومما يحصل للمسلم به أيضاً من الأمن والعافية والطمأنينة والسلامة من الشر كله أن يستعيذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات صباحاً ومساءً ، فهذه الأذكار والتعوذات من القرآن والسنة كلها من أسباب الحفظ والسلامة والأمن من كل سوء ، فينبغي لكل مؤمن ومؤمنة الإتيان بها ، والمحافظة عليها ، وهما على طمأنينة وثقة بربهما سبحانه وتعالى ، القائم على كل شيء ، ومصرف كل شيء ، وبيده العطاء والمنع ، والنفع والضرر ، وهو المالك لكل شيء سبحانه وتعالى. والرسول عليه الصلاة والسلام هو أصدق الناس ، فهو لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى كما قال الله تعالى " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " النجم 1 - 4 ، عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم .
من أعظم شروط الانتفاع بالذكر الثقة بالله ، والتصديق برسوله صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بأن الله جل وعلا هو الحق ، ولا يقول إلا الحق مع الإخلاص له سبحانه والمتابعة لرسوله عليه الصلاة والسلام ، والإيمان الكامل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الصادق فيما يقول ، وأن يأتي بذلك عن إيمان وثقة بالله ، ورغبة فيما عنده ، وأنه سبحانه مدبر الأمور ، ومصرف الأشياء ، وأنه القادر على كل شيء ، لا عن شك ولا عن سوء ظن ، بل عن حسن ظن بالله ، وثقة به ، وأنه متى تخلف المطلوب فلعلة من العلل ، فالعبد عليه أن يأتي بالأسباب ، والله مسبب الأسباب ، وهو الحكيم العليم ، وقد يحصل الدواء ، ولكن لا يزول الداء لأسباب أخرى يجهلها العبد ، ولله فيها حكم وأسرار لا يعلمها سواه سبحانه وتعالى ، وهذا يشمل الدواء الحسي والمعنوي ، الحسي الذي يقوم به الأطباء من أدوية وعمليات ونحو ذلك ، والمعنوي الذي يحصل بالدعاء والقراءة ، ونحو ذلك من الأسباب الشرعية .
ومع هذا كله فقد يتخلف المطلوب لأسباب كثيرة ، منها الغفلة عن دعاء الله سبحانه ، ومنها ارتكاب المعاصي ، ولا سيما أكل الحرام وغير ذلك من الأسباب المانعة من حصول المطلوب .
* من أسباب دفع السحر والسلامة منه المحافظة على الأذكار والأدعية والتعوذات ، ومن أسباب رفع السحر إذا وقع أن يقرأ الفاتحة وآية الكرسي ، و " قل يا أيها الكافرون " الكافرون 1 ، و " قل هو الله أحد " ، والمعوذتين ، ويكرر هذه السور الثلاث ثلاثاً مع النفث على نفسه ، أو في ماء يشرب منه ، ويغتسل بباقيه .
ومما ينفع في ذلك أيضاً قراءة آيات السحر من سورة الأعراف ويونس وطه ، وذلك كلُّه من أسباب الشفاء ، وآيات الأعراف هي قوله تعالى " وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون * فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين " الأعراف 117 - 119 .
وأما الآيات التي في سورة يونس فهي قولُه تعالى " وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم * فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون * فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون " يونس 79 - 82 .وأما الآيات التي في سورة طه فهي قوله تعالى " قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " طه 65 - 69 ، وهذا العلاج أيضاً ينفع من حبس الرجل عن امرأته ، كما ينفع بإذن الله في رفع السحر والسلامة من شره .

* الواجب على المؤمن ألا يعمل وسط النساء ، فإذا كان العمل بين النساء فالواجب التخلص من ذلك ، وأن يلتمس عملاً آخر ليس فيه اختلاط لأن هذا المكان مكان فتنة وفيه خطر عظيم ، لأن الشيطان حريص على إيقاع الفتنة بين الرجل والمرأة ، فالواجب على المؤمن أينما كان أن لا يرضى بأن يكون عاملاً بين العاملات من النساء ، وهكذا الطالب في الجامعات والمدارس المختلطة يجب عليه أن يحذر ذلك ، وأن يلتمس مدرسة وجامعة غير مختلطة لأن وجود الشباب بجوار الفتيات وسيلة لشر عظيم ، وفساد كبير ، والواجب على المؤمن عند الابتلاء بهذه الأمور أن يتقي الله حتى يجعل الله له فرَجاً ومخرجاً ، وأن يغض بصره ، ويحذر من النظر إليها أو إلى محاسنها ومفاتنها بل يلقي بصره إلى الأرض ، ولا ينظر إليها ، ومتى صادف شيئاً من ذلك غض بصره .

على كل مسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم ، سواء كانوا كفاراً أو مسلمين ، قال تعالى " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " هود 6 ، وقال جل وعلا " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " الذاريات 56 - 58 ، وقال سبحانه " وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم " العنكبوت 60 ، فهو سبحانه خلق الخلق من جن وإنس وكفار ومسلمين ، وتكفل بأرزاقهم ، فهو ينزل الأمطار ، ويجري الأنهار في البلاد وغيرها ، ويرزق هؤلاء وهؤلاء .

لكنه سبحانه يؤدب عباده المسلمين إذا فعلوا ما يخالف شرعه وعصوا أمره ، فيعاقبهم إذا شاء لينتهوا وليحذروا أسباب غضبه ، فيمنع سبحانه القطر ، كما منع ذلك جل وعلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أصلح الناس ، وعهده أصلح العهود ، وصحابته أصلح العباد بعد الأنبياء ، ومع هذا ابتلوا بالقحط والجدب ، حتى طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغيث لهم ، فقالوا : يا رسول الله ، هلكت الأموال وانقطعت السبل ، فادع الله أن يغيثنا ، فاستغاث لهم في خطبة الجمعة ، ورفع يديه ، وقال " اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا " قلت رواه البخاري ، فأنزل الله المطر ، وهو على المنبر صلى الله عليه وسلم أنشأ الله سبحانه سحابة ، ثم اتسعت فأمطرت فخرج الناس تُهَمْهِمُ نفوسُهم من شدة المطر ، فلم يزل المطر حتى جاءت الجمعة الأخرى ، فجاءوا إليه وقالوا : يا رسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله أن يمسكه عنا ، فضحك عليه الصلاة والسلام ، من ضعف بني آدم ، فرفع يديه وقال " اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر " ، قال أنس رضي الله عنه الراوي لهذا الحديث : فتمزق السحاب في الحال ، وصارت المدينة في مثل الجوبة .

فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أصيبوا بالجدب واستغاثوا ، وهم خير الناس ، تعليماً من الله سبحانه وتعالى لهم ، وتوجيهاً لهم ولغيرهم إلى الضراعة إليه وسؤاله عز وجل من فضله والتوبة إليه من تقصيرهم وذنوبهم ، لأن تنبيههم بالجدب ونحوه من المصائب توجيه لهم إلى أسباب النجاة ، وليضرعوا إليه ، وليعلموا أنه هو الرزاق الفعال لما يريد .

فإذا لم يتوبوا ، فقد يعاقبهم الله سبحانه بالجدب والقحط وتسلط الأعداء أو غير ذلك من المصائب حتى ينتهوا ويرجعوا إلى الله ، ويتوبوا إليه .

نسأل الله السلامة والعافية من أسباب غضبه وأليم عقابه .

وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

13 - 6 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر