الدرس 266: باب الاستنجاء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 21 ربيع الثاني 1437هـ | عدد الزيارات: 1882 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لا يحرم تبول الإنسان قائما لكن يسن له أن يتبول قاعدا لقول عائشة رضي الله عنها (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: هذا أصح شيء في الباب ولأنه استر له وأحفظ له من أن يصيبه شيء من رشاش بوله.

وقد رويت الرخصة في البول قائما عن عمر وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم لما رواه البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أتى سباطة قوم فبال قائما) ولا منافاة بينه وبين حديث عائشة رضي الله عنها لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لكونه في موضع لا يتمكن فيه من الجلوس أو فعله ليبين للناس أن البول قائما ليس بحرام وذلك لا ينافي أن الأصل ما ذكرته عائشة رضي الله عنها من بوله صلى الله عليه وسلم قاعدا وأنه سنة لا واجب يحرم خلافه.

لكن إذا دعت الحاجة إلى بوله قائما جاز لما رواه البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سباطة قوم فبال قائما فتنحيت فقال: ادنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه) والسباطة ملقى التراب والزبالة. ولو بال قائما لغير حاجة لم يأثم لكنه خالف قي قضاء حاجته الأفضل والأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يجمع بين الحديثين المذكورين أو يحمل حديث عائشة رضي الله عنها بأنها لم تعلم ما اطلع عليه حذيفة رضي الله عنه

إذا علم الشخص ضرر عادة ما، وتصور الآثار المترتبة على تعاطيها كالنتر للذكر الذي يتسبب عنه سلس البول وعدم استمساكه وتعرض بدنه وثيابه للنجاسة فإنه يترك العادة السيئة ويعرض عنها

يكره للإنسان أن يذكر اسم الله في الحمامات أو يهلل فيها ولا يشرع على من يغتسل من الجنابة أن يتشهد وهو يصب الماء على جسده لكن يسن لمن يريد أن يدخل الحمام أو محل قضاء حاجته بولا أو غائطا أن يعوذ بالله من الخبث والخبائث قبل أن يدخل وأن يقول بعد خروجه من محل قضاء الحاجة (غفرانك)، وأن يقول بعد الفراغ من غسله والخروج من الحمام الذي اغتسل فيه من الجنابة (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين ومن المتطهرين) لثبوت ما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم

في آداب الإسلام أن يذكر الإنسان ربه حينما يريد أن يدخل بيت الخلاء أو الحمام ولا يذكر الله بعد دخوله بل يسكت عن ذكره بمجرد الدخول

ويكره له أن يدخل بيت الخلاء بشيء منقوش أو مكتوب عليه ذكر الله أو أسمائه ويكره الوضوء فيه إلا إذا دعت إليه الحاجة

يكره أن يذكر الله تعالى نطقا داخل الحمام الذي تقضى فيه الحاجة تنزيها لاسمه واحتراما له لكن تشرع له التسمية عند بدء الوضوء لأنها واجبة مع الذكر عند جمع من أهل العلم

لا يجوز دخول الحمام بالمصحف الشريف، أما الشريط ونحوه المسجل عليه قرآن، وكذا كتب العلم مسجلة أو غير مسجلة مما فيه ذكر الله فمكروه عند عدم الحاجة. أما إذا احتاج لذلك فلا كراهة

وكذا السلاسل التي تحمل اسم الله أو الرسول أبو بعض الآيات القرآنية يكره الدخول بها في بيت الخلاء إلا إذا خاف على ما كتبت فيه الضياع فيرخص له في دخوله بها محافظة عليها

الصحيح من أقوال العلماء أنه يحرم استقبال القبلة -الكعبة- واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط وأنه يجوز ذلك في البنيان وفيما إذا كان بينه وبين الكعبة ساتر قريب أمامه في استقبالها أو خلفه في استدبارها كرحل أو شجرة أو جبل أو نحو ذلك وهو قول كثير من أهل العلم لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) رواه مسلم ولما رواه أبو أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) رواه البخاري ومسلم

قلت: قال المصطفى (شرقوا أو غربوا) هذا موجه لأهل المدينة لأنهم يصلون إلى جهة الجنوب

ولما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال (رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) رواه البخاري ومسلم

قلت: المراد وجهه إلى الشمال وظهره إلى الجنوب

وروى أبو داود والحاكم أن مروان الأصفر قال (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مسقبل القبلة يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن ذلك قال: إنما نهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) رواه أبو داود والدارقطني، وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم جمعا بين الأدلة بحمل حديث أبي هريرة ونحوه على ما إذا كان قضاء الحاجة في الفضاء بلا ساتر وحديث جابر بن عبد الله وابن عمر رضي الله عنهم على ما إذا كان في بنيان أو مع ساتر بينه وبين القبلة، ومن هذا يعلم جواز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني وكنفها

يكره الاستنجاء من الريح لما في ذلك من الغلو لكن متى خرج الريح بعد الوضوء بطل الوضوء بإجماع المسلمين ولا يسمى غسل الدبر والقبل وضوءا وإنما يسمى استنجاء إن كان بالماء أما إن كان بالحجارة ونحوها فإنه يسمى استجمارا

لا يلزم الاستنجاء كلما أراد أن يتوضأ إنما يلزمه الاستنجاء بغسل قبله إذا خرج منه بول ونحوه ويغسل دبره إذا خرج غائط ثم يتوضأ للصلاة

يجب على من خرج من ذكره شيء أن يستنجي بالماء ثم يتوضأ فإن لم يجد ماء فيستجمر بثلاثة أحجار فأكثر حتى ينقي المحل ثم يتيمم للصلاة بعد دخول وقتها

ليس على من قام من النوم ولم يخرج منه بول ولا غائط ولا مذي ولا ودي ولا مني إلا أن يتوضأ فقط للصلاة، وكذا من خرج منه ريح فقط ليس عليه استنجاء وإنما عليه الوضوء فقط للصلاة

يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظفت المحل من قبل أو دبر والأفضل أن يكون استعمال ما يستجمر به وترا ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات ولا يجب استعمال الماء بعده، لكنه سنة

السواك سنة ويتأكد كلما دعت الحاجة إليه من وضوء وصلاة وقراءة قرآن وتغير فم ونحو ذلك، ويجوز فعله داخل المسجد وخارجه، لعدم وجود نص يمنع منه داخل المسجد مع وجود الداعي إليه ولعموم حديث (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) رواه أحمد والنسائي والترمذي إلا أنه ينبغي ألا يبالغ فيه إلى درجة التقيؤ وهو في المسجد خشية أن يخرج منه قيء أو دم يلوث المسجد، ولا يشرع للمصلي أن يتسوك وهو في صلاته، وإنما يشرع السواك عند الدخول فيها قبل التكبير، ويجوز للصائم الاستياك في جميع نهار الصيام لعموم الأحاديث الواردة في السواك، ولما روى الترمذي عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم) رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حديث حسن

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/4/21 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي