الدرس 64 الإقامة على القبر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 11 جمادى الآخرة 1442هـ | عدد الزيارات: 630 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على ر سول الله

وبعد

ذهابُ الناسِ إلى القبور رجالاً ونساء والإقامة عندها بالمدح والأذكار لا يجوزُ ، وهو من البدع التي أحدثها الناس ، فلا يجوز أن يقام بناءٌ على قبر أحد سواء سُمي مقاماً أو قبة أو مسجداً أو غير ذلك ، وكانت القبور في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة في البقيع وغيره مكشوفة ليس عليها بناء والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر أو يجصص فقال " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " متفق على صحته ، وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " رواه الإمام مسلم في صحيحه .
فالبناء على القبور وتجصيصُها ووضعُ الزينات عليها أو الستور كلُّه منكر ووسيلة إلى الشرك ، فلا يجوز وضع القباب أو الستور أو المساجد عليها ، وهكذا الجلوس عندها وأكلِ الطعامِ والتمسح بالقبر والدعاء عند القبر والصلاة عنده كل هذا منكر ، وكله بدعة لا يجوز، إنما المشروع زيارة القبور للذكرى والدعاء للموتى والترحم عليهم ثم ينصرف ، والمشروع للزائر للقبور أن يقول (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين) .

قلت : ورد الحديثُ في مسلم بهذا اللفظ عن بُريدةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّمُهم إذا خرجوا إلى المقابِرِ، فكان قائِلُهم يقول: السَّلامُ عليكم أهْلَ الدِّيارِ من المؤمنينَ والمُسلمينَ، وإنَّا إنْ شاءَ الله لَلاحِقونَ، أسأَلُ الله لنا ولكم العافِيةَ" وفي رواية أخرى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها :"ألَا أُحَدِّثُكم عنِّي وعن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قلنا: بلى.. الحديث، وفيه: قالت: قلْتُ: كيف أقولُ لهم يا رسولَ الله؟ قال: قولي: السَّلامُ على أهلِ الدِّيارِ من المؤمنينَ والمُسْلمينَ، ويَرْحَمُ اللهُ المُستَقدِمينَ مِنَّا والمُستَأخِرينَ، وإنَّا إن شاءَ الله بكم لَلاحِقونَ"، وما أشبه ذلك من الدعوات فقط ، هذا هو المشروع الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم .

وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال " مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبور المدينة فقال : السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر " قلت : حسنه شعيب الأرناؤوط ، وأما الإقامة عند القبر للأكل والشرب أو للتهليل أو للصلاة أو قراءة القرآن فكل هذا منكر لا أصل له في الشرع المطهر ، وأما دعاء الميت والاستغاثة به وطلب المدد منه فكل ذلك من الشرك الأكبر وهو من عمل عُبَّاد الأوثان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من اللات والعزى ومناة وغيرها من أصنام الجاهلية وأوثانها ، فيجب الحذر من ذلك وتحذير العامة منه وتبصيرهم في دينهم حتى يسلموا من هذا الشرك الوخيم ، وهذا هو واجب العلماء الذين منَّ الله عليهم بالفقه في الدين ومعرفة ما بعث الله به المرسلين كما قال الله سبحانه " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 ، وقال سبحانه " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " النحل 36 ، وقال عز وجل " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " فصلت 33 ، وقال سبحانه " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " يوسف 108 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .

ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له : " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " ، قلت صحة الرواية لمسلم ، بهذا اللفظ "إنَّكَ تَأْتي قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ، فادْعُهُمْ إلى شَهادَةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ " وفي رواية للبخاري رحمه الله " فادعهم إلى أن يوحدوا الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " متفق على صحته ، قلت : رواية البخاري بهذا اللفظ "ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ."فأمره أن يبدأهم بالدعوة إلى التوحيد والسلامة من الشرك مع الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة .

فعُلِمَ بذلك أن الدعوة إلى إصلاح العقيدة وسلامتها مقدمة على بقية الأحكام لأن العقيدة هي الأساس الذي تبنى عليه الأحكام ، كما قال الله عز وجل " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " الأنعام 88 ، وقال سبحانه " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " الزمر 65 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فالواجب على أهل العلم في كل مكان وزمان مضاعفة الجهود في ذلك حتى يُبَصِّروا العامة بحقيقة الإسلام ويبينوا لهم العقيدة الصحيحة التي بعث الله بها الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وعلى رأسهم إمامُهم وخاتمُهم وسيدُهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم .

* الخوف والخجل وعدمُ مجالسة الناس ، هذا من الشيطان ، فينبغي أن يتعوذ بالله من الشيطان وأن يستشعر أنه رجل مع الرجال وأنه لا وجه لهذا الخوف وهذا الخجل ، فهو رجل يجلس مع الرجال ويمشي مع الرجال ويتكلم ويصلي معهم فلا وجه لهذا الوجل وهذا الخوف ، ومما يستعان به في ذلك أن يتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات صباحاً ومساء ، وأن يقول : " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثَ مرَّاتٍ " قلت : الحديث رواه الترمذي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه الألباني ، ثلاث مرات صباحاً ومساء ، فإن هذا من أسباب عافيته من كل شر .
ومن العلاج قراءتُه آية الكرسي بعد كل صلاة وقراءةُ الآيتين من آخر سورة البقرة كلَّ ليلة " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون " البقرة 285 ، إلى آخر السورة وقراءته " قل هو الله أحد " الإخلاص 1 ، والمعوذتين بعد كل صلاة مكتوبة مرة بعد الظهر والعصر والعشاء وثلاث مرات بعد المغرب والفجر كل ذلك من أسباب السلامة وإزالة المخاوف .

* اللحية عند أئمة اللغة هي ما نبت على الخدين والذقن ، فلا يجوز للمسلم أن يأخذ شعر الخدين بل يجب توفير ذلك مع الذقن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين " متفق عليه ، وقوله عليه الصلاة والسلام " قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين " رواه البخاري في الصحيح .

قلت الذي ورد في صحيح البخاري بلفظ "خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ ." ، وفي مسلم "عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأوْفُوا اللِّحَى"

وقال ابن عمر رضي الله عنه " إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا بإحفاء الشوارب وإرخاء اللحى " متفق على صحته ، قلت هذا مأخود من قول عبد الله بن عمر السابق ، وروى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " .

فيجب على المؤمنين توفير اللحية وقص الشارب كما أمر بذلك نبيُنا وإمامُنا محمدٌ عليه الصلاة والسلام ، وفي ذلك خير عظيم وإحياءٌ للسنة مع التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره ، وفي ذلك ترك مشابهة المشركين والبعد عن مشابهة النساء والواجب على المؤمن أن لا يغتر بكثرة الحالقين وألا يتأسى بهم لكونهم قد خالفوا الشرع المطهر وخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً الذي قال فيه جل وعلا " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحشر 7 ، وقال فيه سبحانه " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " النور 63 ، وقال فيه عز وجل " ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين " النساء 13 ، 14 ، وفي آيات كثيرات يحث فيها سبحانه على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحذر فيها من معصية الله سبحانه ومعصية رسوله.

* الواجب على ولاة الأمور أن يأخذوا على يد أهل الباطل وأن يمنعوهم من نشر باطلهم بكل وسيلة من الوسائل الشرعية سواء كان صاحبَ الباطل شيوعياً أو وثنياً أو نصرانياً أو مبتدعاً أو جاهلاً بأحكام الشرع المطهر فعلى ولاة الأمور من أهل الإسلام أن يمنعوا من ذكرنا من أصحاب الباطل من أن ينشروا باطلهم وعليهم أن يعينوا دعاة الحق الذين يدعون الناس إلى كتاب ربهم وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويبصرونهم بما أوجبه الله عليهم وما حرَّم عليهم عن علم وبصيرة ويوضحون لهم حق الله وحق عباده وحق ولاة الأمور وحق كل مسلم على أخيه ، هؤلاء هم الذين يعانون ، ومن حاد عن الطريق ودعا إلى غير الشرع فهو الذي يمنع أينما كان .

وبالله التوفيق

11 - 6 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر