الدرس 63 سؤال السحرة والمشعوذين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 10 جمادى الآخرة 1442هـ | عدد الزيارات: 449 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

منْ يُسَمّونَ أنفسَهم في بعض جهات اليمن (السادة) ويأتون بأشياءَ منافيةٍ للدين مثلِ الشعوذة وغيرِها ، ويدعون أنهم يقدرون على شفاء الناس من الأمراض المستعصية ويبرهنون على ذلك بطعن أنفسهم بالخناجر أو قطع ألسنتهم ثم إعادتها دون ضرر يلحق بهم ، وهؤلاء منهم من يصلي ومنهم من لا يصلي ويحلون لأنفسهم الزواج من غير فصيلتهم ولا يحلون لأحد الزواج من فصيلتهم ، هؤلاء وأشباهُهم من جملة المتصوفة الذين لهم أعمال منكرةٌ وتصرفاتٌ باطلةٌ وهم أيضا من جملة العرافين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً " ، قلت : الحديث رواه مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ "مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً." وذلك بدعواهم علم الغيب وخدمتهم للجن وعبادتهم إياهم وتلبيسهم على الناس بما يفعلون من أنواع السحر الذي قال الله فيه في قصة موسى وفرعون " قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " الأعراف 116 ، فلا يجوز إتيانُهم ولا سؤالُهم لقوله صلى الله عليه وسلم " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " قلت : صححه الألباني في صحيح الجامع.

وأما دعاؤهم غير الله واستغاثتهم بغير الله أو زعمهم أن آباءهم وأسلافهم يتصرفون في الكون أو يشفون المرضى أو يجيبون الدعاء مع موتهم أو غيبتهم فهذا كله من الكفر بالله عز وجل ومن الشرك الأكبر ، فالواجب الإنكار عليهم وعدم إتيانهم وعدم سؤالهم وعدم تصديقهم لأنهم قد جمعوا في هذه الأعمال بين عمل الكهنة والعرافين وبين عمل المشركين عُبَّاد غير الله والمستغيثين بغير الله والمستعينين بغير الله من الجن والأموات وغيرهم ممن ينتسبون إليهم ويزعمون أنهم آباؤهم وأسلافهم أو من أناس آخرين يزعمون أن لهم ولاية أو لهم كرامة ، بل كل هذا من أعمال الشعوذة ومن أعمال الكهانة والعرافة المنكرة في الشرع المطهر.
وأما ما يقع منهم من التصرفات المنكرة من طعنهم أنفسهم بالخناجر أو قطعهم ألسنتهم فكل هذا تمويه على الناس وكله من أنواع السحر المحرم الذي جاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريمه والتحذير منه ، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك وهذا من جنس ما قاله الله سبحانه وتعالى عن سحرة فرعون " يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى " طه 66 ، ومن دعوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله كما قال سبحانه " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " النمل 65 .
فالواجب على جميع المسلمين العارفين بحالهم الإنكار عليهم وبيان سوء تصرفاتهم وأنها منكرة ورفع أمرهم إلى ولاة الأمور إذا كانوا في بلاد إسلامية حتى يعاقبوهم بما يستحقون شرعاً حسماً لشرهم وحماية للمسلمين من أباطيلهم وتلبيسهم .

* ما يفعله بعض الناس بأخذ الأبقار يدورون بها حول الجبال وحول الأودية وبعد ذلك يذبحون واحدة منها وهم بذلك يريدون الاستسقاء فهذا العمل لا أصل له في الشرع المطهر ، وهو بدعة منكرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك ، وإنما السنة عند الجدب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغاثة في خطبة الجمعة أو غيرها كخطبة العيد أو الخروج للصحراء ، أو أداء صلاة الاستسقاء أو سؤال الله والضراعة إليه بطلب الغوث ، كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، ويجب على المسلمين التوبة إلى الله سبحانه من جميع الذنوب لأن الذنوب سبب كل شر في الدنيا والآخرة ، والتوبة إلى الله سبحانه والاستقامة على الحق سبب كل خير في الدنيا والآخرة .
* يشرع للمسلمين أن يواسوا الفقراء ويتصدقوا عليهم لأن الصدقة يدفع الله بها البلاء ، ولأنها رحمة وإحسان والله يرحم من عباده الرحماء ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " قلت : رواه ابو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح ، وقال الله عز وجل " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين " الأعراف 56 ، وقال سبحانه " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " النور 31 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
* إن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة ، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ولا إسقاط حق لأحد فلا حرج في ذلك .

* من كان لديه أخ أصم وأبكم لا يسمع ولا يتكلم ، ولا يعرف شيئاً عن الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا يعرف شيئاً عن أحكام الإسلام ولا يعرف شيئاً من القرآن فهذا لا بد أن يفعل معه ما يعلم به عقله بالإشارة إذا كان بصيراً ، وينبغي أن يُعَلَّم الصلاة بالفعل فيصلي عنده وليُّهُ أو غيرُه ويُشار له أن يفعل هذا الفعلَ ، مع بيان الأوقات بالطريقة التي يفهمها أو بتعليمه الصلاة كل وقت بالفعل بعد أن يعلم أنه عقل ، ويكتب له إن كان يعرف الكتابة حقيقة العقيدة الإسلامية وأركان الإسلام مع بيان معنى الشهادتين ، وهكذا بقية أحكام الشرع توضح له كتابة .
ومن ذلك أحكام الصلاة من الوضوء والغسل من الجنابة وبيان الأوقات وأركان الصلاة وواجباتها وما يشرع فيها وبيان السنن الراتبة وسنة الضحى والوتر إلى غير ذلك مما يحتاجه المكلف لعله يستفيد من الكتابة .
ومتى علم عقله بأي وسيلة ، ثبت أنه من المكلفين إذا بلغ الحلم بإحدى علاماته المعلومة ولزمته أحكام المكلفين حسب علمه وقدرته ، أما إن ظهر من حاله أنه لا يعقل فلا حرج عليه ، لأنه غير مكلف ، كما جاء في الحديث الصحيح " رفع القلم عن ثلاثة الصغير حتى يبلغ والمعتوه حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ " قلت : هذا الحديث روي بألفاظ متقاربة ، وأقرب رواية له عن عائشةَ رَضِيَ الله عنها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن الصبيِّ حتى يحتَلِمَ، وعن المعتوهِ حتى يُفيقَ، وعن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ" رواه النسائي وصححه الألباني.

* الإحساس بالمعاصي من الدلائل على شدة خوفك من الله سبحانه وتعظيم حرماته فأنت على خير إن شاء الله ، وعليك أن تبتعد عن هذا الخوف الذي لا وجه له ، لأنه من الشيطان ليتعبك ويقلقك ويضيق عليك حياتك فاعرف أنه من عدو الله لما رأى منك المحبة للخير والغيرة لله والمبادرة للخيرات ، أراد أن يتعبك فاعصه وابتعد عما أراده منك واطمئن إلى ربك ، واعلم أن التوبة كافية وإن كان الذنب أعظم من كل عظيم ، فتوبة الله فوق ذلك وليس هناك ذنب أعظم من الشرك والمشرك متى تاب تاب الله عليه وغفر له سبحانه ، فأنت عليك بالتوبة مما قد علمت أنك فعلته من المعصية ، وبعد التوبة ينتهي كل شيء كما قال الله سبحانه " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " الأنفال 38 ، وقال عز وجل " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " النور 31 ، فعلَّق سبحانه في هاتين الآيتين المغفرة والفلاح بالتوبة ، وقال سبحانه وتعالى " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " الزمر 53 .

أجمع العلماء رحمهم الله على أن هذه الآية نزلت في التائبين ، فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه من جميع ما تعلم من المعاصي وما لا تعلم وذلك بالندم على ما مضى منها والإقلاع عنها والعزم الصادق ألا تعود إليها رغبة فيما عند الله وتعظيماً له وطلباً لمرضاته وحذراً من عقابه وأبشر بالخير والعاقبة الحميدة التي وعد الله بها التائبين واذكر قول الله تعالى " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى " طه 82 ، وهناك آية أعظم في المعنى وهي أن العبد متى تاب وأتبع التوبة بالإيمان والعمل الصالح أبدل الله سيئاته حسنات كما قال تعالى في سورة الفرقان " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً * إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً " الفرقان 68 - 70 ، فأخبر سبحانه وتعالى بأنه يبدل سيئاتهم حسنات بسبب توبتهم الصادقة وإيمانهم وعملهم الصالح فأنت في توبتك منه ومتابعة ما جرى منك بالأعمال الصالحة والإيمان والتصديق والرغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى يبدلك بدل السيئة حسنة ، وهكذا جميع السيئات التي يتوب منها العبد ويتبعها بالإيمان والعمل الصالح ، يبدلها الله له حسنات فضلاً منه وإحساناً ولله الحمد والشكر على ذلك.

* طاسة السم طاسة منكرة وفيها منكرات عظيمة ، ولا نعلم أن أي طاسة من حديد أو نحاس أو ذهب أو فضة أو غير ذلك يحصل بها شفاء أمراض المعدة أو غيرها ، وإنما هي دعوى يدعيها صاحب الطاسة كذباً وزوراً أو يكون له اتصال بفسقة الجن وكفارهم ليستعين بهم في هذه الشعوذة بواسطة هذه الطاسة ويزعم بها أنه يعالج بها حتى يأخذ أموال الناس بالباطل ويغرهم بأنه يعالجهم بهذه الطاسة فالواجب أن تصادر هذه الطاسة بواسطة ولاة الأمر في البلد وتتلف مع تأديب صاحبها حتى لا يعود إلى مثل هذا العمل ، وهذا هو الواجب على المسئولين في البلد : الأمير والقاضي والهيئة ، ويجب على من علم هذه الشعوذة أن يرفع الأمر إلى المحكمة والهيئة والإمارة حتى يقوموا بما يجب في هذا الموضوع ، ولا يجوز السكوت عن صاحب هذه الطاسة لأن عمله منكر لا وجه له من الشرع .

وبالله التوفيق

10 - 6 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر