الدرس 46 أسباب ضعف المسلمين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 22 ربيع الثاني 1442هـ | عدد الزيارات: 576 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد؛
فلقد اهتمَّ أربابُ الفكرِ الإسلامي وأصحابُ الغيرة الإسلامية وأصحابُ التفكر الكثير بحال المسلمين وما آلَ إليه أمرُهم .
لقد شغلهم هذا الأمرُ كثيراً وفكروا كثيراً في أسباب ضعفِ المسلمين وفي أسباب تأخرهم أمامَ عدوهم وفي أسباب تفرقهم واختلافهم ، وفي أسباب تسليط العدو عليهم حتى أخذ بعض بلادهم .
ثم بعد أن عرفوا الأسباب - وهي واضحة - اهتموا أيضا بأن يعرفوا العلاج لهذه الأسباب التي أوجبت التأخرَ والضعفَ وهي معلومة أيضا ، ولكن يجب أن تنشرَ وأن تبينَ ، فإن وصف الداء ثم الدواء من أعظم أسباب الشفاء والعافية .
فإن المريض متى عرف داءه وعرف دواءه فهو جديرٌ بأن يبادرَ إلى أخذ الدواء ثم يضعه على الداء ، هذه طبيعة الإنسان العاقل الذي يحب الحياة ويحب الخلاص من الأمراض ، يهمه أن يعرف الداء وأن يعرف الدواء .
ولكنَّ بعضَ الناس قد يغلب عليه الداءُ ويستولي عليه حتى يرضى به ، ويستلذُ حتى يموتَ شعورُه ، فلا يبالي بمن يصف له الدواء لأن الداء صار سجية وطبيعة له يرتاح له ويقنع بالبقاء معه لانحراف مزاجه وضعف بصيرته وغلبة الهوى عليه وعلى عقله وقلبه وتصرفاته كما هو الواقع في أكثر الناس بالنسبة للأدواء الدينية وعلاجها .
فقد استلذ الأكثر وطاب له البقاء على أمراضه وسيئاته التي أضعفته وعطلت حركاته وجعلته لا يحس بالداء في الحقيقة ولا يحس بنتائجه ولا بما يترتب عليه في العاجل والآجل ولا ينشد الدواء ولا يحرص عليه ولو وُِصف له وبُين له ولو كان قريباً منه ؛ لأنه لا يهمه ذلك ، وما ذاك إلا لاستحكام الداء وارتياح النفس له وخفاءِ ضرره عليه وعدمِ الهمَّة العالية لتحصيل المطالب العالية .

وقد بين العلماءُ وأصحابُ الفكر النير وأربابُ البصيرة النافذةِ والخبرةِ بأحوال الأمم في هذا العصر وقبله بعصور أسبابَ ضعفِ المسلمين وتأخرِهم ، كما بينوا وسائلَ العلاجِ الناجعِ ونتائجه وعاقبتَه إذا أحسن استعمالُ الدواءِ .
وترجع أسبابُ الضعف والتأخر وتسليط الأعداء إلى سبب نشأتْ عنه أسبابٌ كثيرةٌ وعاملٍ واحد نشأت عنه عواملٌ كثيرةٌ ، وهذا السبب الواحد والعامل الواحد هو الجهل ،الجهل بالله وبدينه وبالعواقب التي استولت على الأكثرية ، فصار العلم قليلاً والجهل غالبا .
وعن هذا الجهل نشأت أسبابٌ وعوامل منها حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت ، ومنها إضاعة الصلوات واتباعُ الشهوات ، ومنها عدمُ الإعداد للعدو والرضى بأخذ حاجاتهم من عدوهم وعدم الهمة العالية في إنتاج حاجاتهم من بلادهم وثرواتهم ، ونشأ عن ذلك أيضا التفرق والاختلاف وعدم جمع الكلمة وعدم الاتحاد وعدم التعاون .
فعن هذه الأسباب الخطيرة وثمراتها وموجباتها حصل ما حصل من الضعف أمام العدو والتأخر في كل شيء إلا ما شاء الله والإقبال على الشهوات المحرمة والشغل بما يصد عن سبيل الله وعن الهدى وعدم الإعداد للعدو لا من جهة الصناعة ولا من جهة السلاح الكافي الذي يخيف العدو ويعين على قتاله وجهاده وأخذ الحق منه وعدم إعداد الأبدان للجهاد وعدم صرف الأموال فيما ينبغي لإعداد العدة للعدو والتحرز من شره والدفاع عن الدين والوطن .
ونشأ عن ذلك المرض الحرص على تحصيل الدنيا بكل وسيلة وعلى جمعها بكل سبب وأصبح كلُّ إنسان لا يهمه إلا نفسَه وما يتعلق ببلاده وإن ذهب في ذلك دينُه أو أكثرُه .

ويدل على أن أعظم الأسباب هو الجهل بالله وبدينه وبالحقائق التي يجب التمسك والأخذ بها هو قول النبي صلى الله عليه وسلم:" مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، " رواه البخاري ومسلم عن معاوية بن أبي سفيان، والقرآن الكريم مملوءٌ بالتنديد بالجهل وأهله والتحذير منه كما قال الله تعالى " ولكنَّ أكثرَهم يَجْهلون " الأنعام 111 ، وغير ذلك من الآيات التي تدل على ذم الجهل بالله والجهل بدينه والجهل بالعدو وبما يجب إعداده من الأهبة والاتحاد والتعاون وعن الجهل نشأت هذه الأشياء التي سبقت من فرقة واختلاف وإقبال على الشهوات وإضاعة لما أوجب الله وعدم إيثار الآخرة وعدم الانتساب إليها بصدق بل لا يهم الأكثرية إلا هذه العاجلة كما جاء في الآية الكريمة من كتاب الله " كَلَّا بَلْ تُحبون العاجلةَ * وتذرُونَ الآخرةَ " القيامة 20 ، 21 ، وكما في قوله جل وعلا " فأمَّا مَن طَغَى * وآثرَ الحياةَ الدنيا * فإنَّ الجحيمَ هي المَأْوَى " النازعات 37 - 39 .

ويجب أن يوجد في بلاد المسلمين من الصناعة والإعداد والقوة ما يستطيع كل فرد بكل وسيلة ، حتى لا تكون حاجاته عند عدوه ، وحتى يعلم عدوه ما لديه من الإعداد والاستعداد فيرهبه وينصفه ويعطيه حقوقه ويقف عند حده وحتى يحصل إعداد الأبدان وعدم الرفاهية التي تضعف القوى والقلوب عن مقاتلة العدو وحتى تقوى على الجهاد .
والتفقه في الدين أيضا يعطي المعلومات الكافية عن الآخرة وعن الجنة ونعيمها وقصورها وما فيها من خير عظيم وعن النار وعذابها وأنكالها وأنواع ما فيها من العذاب فيكسب القلوب نشاطا في طلب الآخرة وزهدا في الدنيا وإعدادا للأعداء وحرصا على الجهاد في سبيل الله والاستشهاد في سبيله سبحانه وتعالى .
كما أن التفقه في الدين يعطي الشعب والوالي النشاط الكامل في كل ما يحبه الله ويرضاه وفي البعد عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى ويعطي القلوب الرغبة الكاملة في الاتحاد مع بقية المسلمين والتعاون معهم ضد العدو وفي إقامة أمر الله وتحكيم شريعته والوقوف عند حدوده ، ويحصل بذلك أيضا التعاون على كل ما يجب لله ولعباده ، فإن العلم النافع يدعو إلى العمل والتكاتف والتناصح والتعاون على الخير ، ويعطيهم أيضا الحرص الكامل على أداء الفرائض والبعد عن المحارم والشوق إلى الآخرة وعدم كراهية الموت في سبيل الحق وفي الجهاد في سبيل الله وفي قتال العدو وأخذ الحقوق منه .
وبالعلم تكون النفوس والأموال رخيصة في جلب رضا الله وفي سبيل إعلاء كلمة الله وفي سبيل إنقاذ المسلمين من سيطرة عدوهم وتخليصهم مما أصابهم من أنواع البلاء وفي سبيل استنقاذ المستضعفين من أيدي أعدائهم وفي سبيل حفظ كيان المسلمين وحوزتهم وأن لا تنتقص بلادهم وحقوقهم ، فإذا كان الجهل فُقدت هذه الأشياء وهذه الحقوق وهذه الخيرات وهذه المعلومات وهذا الإيثار وهذا الإرخاص للنفوس والأموال في سبيل الحق .

وقد جاء في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُمُ الموتَ" صححه الألباني في صحيح الجامع .

وهذا الوهنُ الذي ورد في الحديث إنما نشأ عن الجهل الذي صاروا به غثاءً كغثاء السيل ، ما عندهم بصيرة بما يجب عليهم بسبب هذا الجهل الذي صاروا به بهذه المثابة .
وكذلك أوجب لهم البخل حتى لا تصرف الأموال إلا في هذه الشهوات ، وأفقدهم هذا الجهل القيادة الصالحة المؤثرة العظيمة التي لا يهمها إلا إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيل الله وسيادة المسلمين وحفظ كيانهم من عدوهم وإعداد العُدَّة بكل طريق وبكل وسيلة لحفظ دين المسلمين وصيانته وإعلائه وحفظ بلاد المسلمين ونفوسهم وذرياتهم عن عدوهم .
فالوَهَنُ أصاب القلوب إلا ما شاء الله واستحكم عليها إلا من رحم ربك وما أقلهم ، فهم في الغالب قد ضعفوا أمام عدوهم ونزعت المهابة من قلوب أعدائهم منهم وصار أعداؤهم لا يهتمون بهم ولا يبالون بهم ولا ينصفونهم لأنهم عرفوا حالهم وعرفوا أنهم لا قوة ولا غيرة عندهم ولا صبر لهم على القتال ولا قوة أيضا تعينهم على القتال ولم يُعدوا لهذا المقام عُدتَه ، فلذلك احتقرهم العدو ولم يبال بشأنهم وعاملهم معاملة السيد للمسود والرئيس للمرءوس وهم سادرون في حب الدنيا والبعد عن أسباب الموت إلا من رحم ربك حريصون على تحصيل الشهوات المطلوبة بكل وسيلة ، حذرون من الموت حريصون على العلاج والدواء عن كل صغيرة وكبيرة من الأدواء خوف الموت ، وحريصون أيضا ألا يتعاطوا أمرا يسبب الموت والانقطاع عن هذه الشهوات .

ومن أراد الآخرة وأراد إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيل الله لا تكون حاله هكذا ، وفيما جرى لسلفنا الصالح في عهد نبينا عليه الصلاة والسلام وعهد صحابته المرضيين ومن سار على طريقهم بعد ذلك فيما فعلوا من الجهاد وفيما أعدوا من العدة وفيما صبروا عليه من التعب والأذى قدوةٌ لنا وذكرى لنا لإعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله وإنقاذ بلادنا وقومنا من أيدي أعدائنا صبرا وتحملاً وجهاداً وإيثاراً للآخرة وبذلاً للمال والنفس للجهاد في سبيل الله عز وجل وتدرباً على الجهاد والقتال وحرصاً على الخشونة والصبر والتحمل وذكراً للآخرة دائماً وعنايةً بكل ما يعين على جهاد الأعداء وصبراً على ذلك وتعاوناً وجمعاً للكلمة واتحاداً للصف حتى يحصل المراد من إعلاء كلمة الله وإنقاذ المسلمين من كيد عدوهم .
فلا بد من إعداد العُدة البدنية والمادية وسائر أنواع العُدة من جميع الوجوه حتى نستغني بما أعطانا الله سبحانه عما عند أعدائنا فإن قتال أعدائنا بما في أيديهم من الصعب جدا الحصول عليه ، فإذا منع العدو عنك السلاح فبأي شيء تقاتل ؟ مع ضعف البصيرة وقلة العلم .
فلا بد من إعداد المستطاع ، ويكفي المستطاع ما دام المسلمون قاصدين الاستغناء عن عدوهم وجهاد عدوهم واستنقاذ بلادهم قاصدين إقامة أمر الله في بلاد الله قاصدين الآخرة ما استطاعوا لكل ذلك . فإن الله سبحانه وتعالى يقول " وأعَدُّوا لَهُم مَّا استطعتُم مِن قُوةٍ " الأنفال 60 ، ولم يقل وأعدوا لهم مثل قوتهم لأن هذا قد لا يستطاع .

فإذا صدق المسلمون وتكاتفوا وأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من العُدة ونصروا دين الله فاللهُ يعينهم وينصرهم سبحانه وتعالى ويجعلهم أمامَ العدو وفوق العدو لا تحت العدو ، يقول الله وهو الصادق في قوله ووعده " يا أيُّها الذين آمنوا إن تَنْصُرُوا اللهَ ينصرْكم ويثبتْ أقدامَكُمْ " محمد 7 ، والله ليس بعاجز ولا في حاجة إلى الناس ولكنه يبتلي عبادَه الأخيارَ بالأشرار ليعلم صدق الصادقين وكذب الكاذبين وليعلمَ المجاهدَ من غيرِه وليعلم الراغب في النجاة من غيره ، وإلا فهو القادر على نصر أوليائه وإهلاك أعدائه من دون حرب ومن دون حاجة إلى جهاد وعُدة وغيرِ ذلك ، كما قال سبحانه " ذلك ولو يشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ منهم ولكن لِيَبْلُوَ بعضَكم ببعضٍ " محمد 4 ، وقال سبحانه في سورة الأنفال في قصة بدر " وما جعله اللهُ إلا بُشرى وَلِتَطْمَئِنَّ به قلوبُكُمْ " الأنفال 10 ، يعني إمدادَهم بالمَدَد من الملائكة ، وقال سبحانه " وما النَّصرُ إلَّا من عند اللهَ إن اللهَ عزيزٌ حكيمٌ " الأنفال 10 ، فالنصرُ من عنده جل وعلا ، ولكنه سبحانه جعل المدد بالملائكة ، وما يعطي من السلاح والمال وكثرة الجُند كل ذلك من أسباب النصر والتبشير والطمأنينة ، وليس النصرُ معلقاً بذلك ، قال سبحانه " كم مَّن فِئَةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن اللهِ واللهُ مع الصابرينَ " البقرة 249 .
وكانوا يوم بدر ثلاثَمِائةٍ وبضعةَ عشَر ، والسلاح قليل والمركوب قليل والمشهور أن الإبل كانت سبعين وكانوا يتعاقبونها وكان السلاح قليلاً وليس معهم من الخيل في المشهور سوى فرسين ، وكان جيش الكفار حوالي الألف ، وعندهم القوة العظمية والسلاح الكثير ، ولما أراد الله هزيمتهم هزمهم ولم تنفعهم قوتُهم ولا جنودُهم ، وهزم الله الألفَ وما عندهم من القوة العظيمة بالثلاثمائة وبضعة عشر وما عندهم من القوة الضعيفة ، ولكن بتيسير الله ونصره وتأييده غَلبوا ونصروا ، وأسروا من الكفار سبعين وقتلوا سبعين وهُزِم الباقون لا يلوي أحد على أحد وكل ذلك من آيات الله ونصره .
وفي يوم الأحزاب غزا الكفار المدينة بعشرة آلاف مقاتل من أصناف العرب من قريش وغيرهم وحاصروا المدينة واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخندق ، وذلك من أسباب النصر الحسي ، ومكثوا مدةً وهم يحاصرون المدينة ، ثم أزالهم الله بغير قتال ، فأنزل في قلوبهم الرعبَ وسلط عليهم الرياحَ وجنودا من عنده حتى لم يقر لهم قرار وانصرفوا خائبين إلى بلادهم ، وكل هذا من نصره وتأييده سبحانه وتعالى ، ثم خذلوا فلم يغزوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، بل غزاهم هو يوم الحديبية وجرى الصلح المعروف ، ثم غزاهم في السنة الثامنة في رمضان وفتح الله عليه مكة ، ثم دخل الناس أفواجاً في دين الله بعد ذلك .

فالمقصود أن النصر بيد الله سبحانه وتعالى ، وهو الناصر لعباده ، ولكنه سبحانه أمر بالأسباب ، وأعظمُ الأسباب طاعةُ الله ورسولهِ صلى الله عليه وسلم ، ومن طاعة الله ورسوله التعلمُ والتفقهُ في الدين حتى تعرفَ حكم الله وشريعته لنفسك وفي نفسك وفي غيرك وفي جهاد عدوك وحتى تعد العُدة لعدوك وحتى تكفَّ عن محارم الله وحتى تؤديَ فرائضَ الله وحتى تقفَ عند حدود الله وحتى تتعاون مع إخوانك المسلمين وحتى تقدم الغالي والنفيس من نفسك ومالك في سبيل الله عز وجل وفي سبيل نصر دين الله وإعلاء كلمته لا في سبيل الوطن الفلاني ولا القومية الفلانية .
فهذا هو الطريق وهذا هو السبيل للنصر على الأعداء بالتعليم الشرعي والتفقه في دين الله من الولاة والرعايا والكبير والصغير ، ثم العمل بمقتضى ذلك وترك ما نحن عليه مما حرم الله ، قال تعالى " إنَّ اللهَ لا يغيرُ ما بقومٍ حتَّى يُغيِّرُوا ما بأنفسِهم " الرعد 11 ، فمن أراد من الله النصرَ والتأييدَ وإعلاء الكلمة فعليه بتغيير ما هو عليه من المعاصي والسيئات المخالفة لأمر الله .
هذه هي أسباب النصر والاستخلاف في الأرض لا العروبة ولا غير العروبة ولكنه إيمان صادق بالله ورسوله وعمل صالح .

هذا هو السبب وهذا هو الشرط وهذا هو المحور الذي عليه المدار ، فمن استقام عليه فله التمكين والاستخلاف في الأرض والنصر على الأعداء ، ومن تخلف عن ذلك لم يضمن له النصر ولا السلامة ولا العز ، بل قد يُنصر كافرٌ على كافر ، وقد ينصر مجرمٌ على مجرم وقد يُعان منافق على منافق ولكن النصرَ المضمونَ الذي وعد الله به عبادهَ المؤمنين لهم على عدوهم إنما يحصل بالشروط التي بينها سبحانه وبالصفات التي أوضحها جل وعلا وهو الإيمان الصادق والعمل الصالح
ومن ذلك نصرُ دين الله قال تعالى " وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَن يّنْصُرُه إنَّ اللهَ لقويٌّ عزيزٌ * الذين إن مّكنَّاهم في الأرضِ أقاموا الصلاةَ وآتَوا الزكاةَ وأمروا بالمعروفِ ونهَوْا عن المنكرِ " الحج 40 ، 41 ، هذا هو نصر دين الله ، فمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد نصر دين الله ؛ لأن من ضمن ذلك أداء فرائض الله وترك محارم الله ، وقال تعالى " كنتم خيرَ أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنونَ بالله " آل عمران 110 ، وقال سبحانه " ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخيرِ ويأمرونَ بالمعروفِ وينهَوْنَ عن المنكرِ وأولئك هم المفلحونَ " آل عمران 104 .

فأهل الفلاح والنصر والعاقبةِ الحميدةِ هم الذين عملوا الصالحات وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ونصروا الله عز وجل .

لكن أين من يريد الدواء وأين من يريد العلاج وأين من يستعمله ؟ هذا واجب ولاة الأمور والعلماء والأعيان في كل مكان وفي جميع الدول الإسلامية إذا كانوا صادقين في الدعوة إلى الإسلام ، وذلك بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحفاظ على ذلك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتفقه في الدين وإصلاح المناهج في المدارس في جميع المراحل والتعاون أيضا في التكاتف ضد الأعداء والاتحاد مع الإخلاص لله في العمل والصدق فيه ونية الآخرة ، وبذلك يستحقون النصر من الله والتأييد منه سبحانه كما كان الأمر كذلك عند سلفنا الصالح مما لا يخفى على أهل العلم .

والذي نصر الأولين ونصر الآخِرينَ هو الله عز وجل وهو ناصرٌ مَن نصره وخاذلٌ من خذله كما قال الله تعالى " أليس اللهُ بكافٍ عبدَه " الزمر 36 ، وقال سبحانه " وإن تصبروا وتتقوا لا يضرّكُم كيدُهم شيئاً " آل عمران 120 .
ولكن المصيبة في أنفسنا كما قال عز وجل " وما أصابَكم من مصيبةٍ فبما كسبتْ أيديكُم ويعفو عن كثير " الشورى 30 ، فالمصيبة جاءت من ضعف المسلمين وتكاسلهم وجهلهم وإيثارهم العاجلة وحبهم الدنيا وكراهة الموت وتخلفهم عما أوجب الله وترك الصلوات واتباع الشهوات وإيثار العاجلة والعكوف على المحارم والأغاني الخليعة والفساد للقلوب والأخلاق .
فمن هذا وأشباهه سلط الله على المسلمين عدوهم كما قال جل وعلا " وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَٰهَا تَدْمِيرًا" الإسراء 16 .

نسأل الله عز وجل أن يمنَّ علينا وعلى جميع المسلمين وولاة أمرهم بالتوبة إليه والاستقامة على أمره والتعاون على البر والتقوى وعلى إعداد العدة لأعدائنا والتفقه في الدين والصبر على مراضيه والبعد عن مساخطه سبحانه ، كما نسأله سبحانه أن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن ومن أسباب النقم وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وأن يصلح ولاة أمرهم وأن يرزقهم البصيرة إنه سميع قريب .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

22 - 4 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر