الدرس 43 رسالة المسجد

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 15 ربيع الثاني 1442هـ | عدد الزيارات: 503 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد؛

لا ريبَ أنَّ المسجدَ والمنبرَ هما آلتانِ قديمتان في توجيه المسلمين خاصةً والناسِ بصفةٍ عامةٍ إلى الخير وتعليم الناس ما ينفعُهم ، وتبليغِ الناسَ رسالةَ ربِّهم ، سبحانه وتعالى ، وقد بعث اللهُ الرسل عليهم الصلاة والسلام يبلغون الناس رسالات الله ، ويعلمونهم شريعة الله هكذا بعث الله الرسل من آدم عليه الصلاة والسلام ثم نوح ومَنْ بعده من الرسل ، كلهم بُعثوا ليبلغوا رسالات الله من طريق المساجد والمنابر ، سواء كانت المنابر في المسجد أو في غير المسجد ، وسواء كان المنبر مبنياً ، أو غير مبني .
فقد يكون المنبر ناقة ، أو فرساً أو غير ذلك من الدواب التي تُركب ، وقد يكون المنبر محلاً مرتفعاً تبلغ منه رسالات الله.

* المقصود أن الله جل وعلا شرع لعباده أن يبلغوا رسالات ربهم ، وأن يعلموا الناس ما بعث الله به رسله من كل طريق ، ولكن المنبر والمسجد هما أهم طريق في تبليغ الرسالة ، ونشر الدعوة ، تلك الرسالة العظيمة التي يجب على جميع العلماء ومعلمي الناس الخير أن يعنوا بها ، وأن يعيدوها إلى حالتها الأولى ، وأن يفقهوا الناس في أمور دينهم من طريق المسجد لأنه مجمع المسلمين في الجُمَع وغيرها .
كما إن عليهم بأن يبلغوا الناس ما يجب عليهم في أمور دينهم ودنياهم في الطرق الأخرى كطريق الإذاعة والتلفاز والصحافة ، وطريق الخطابة في المجتمعات ، وفي الحفلات المناسبة ، ومن طريق التأليف ، ومن كل طريق يمكن منه تبليغ شرع الله سبحانه .
هكذا يجب على أتباع الرسل ، وخلفائهم من أهل العلم والإيمان أن يبلغوا رسالات الله ، وأن يعلموا الناس شريعة الله ، حتى يتفقه الكبير والصغير ، والرجل والمرأة والموافق والمخالف وحتى تقوم الحجة وتنقطع المعذرة ، ولا يجوز لولاة الأمور ولا غيرهم أن يحولوا بين الناس وبين هذه المنابر ، إلا من عُلم أنه يدعو إلى باطل ، أو أنه ليس أهلاً للدعوة ، فإنه يُمنع أينما كان .
أما من كان يدعو إلى الحق والهدى ، وهو أهل لذلك فالواجب أن يشجع وأن يعان على مهمته ، وأن تسهل له الوسائل التي يبلغ بها أمر الله وشرعه سبحانه وتعالى ، كما قال الله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " المائدة 2 ، وقال عز وجل " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " سورة العصر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ. " رواه مسلم عن تميم الداري ، والأدلة في هذا المعنى من الكتاب والسنة كثيرة .

وعلى جميع أهل العلم من حملة الكتاب والسنة في كل مكان أن يقوموا بواجب الدعوة والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حسب الاستطاعة ، لقول الله عز وجل " فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن 16 .
وعليهم أن يبلغوا رسالة الله أينما كانوا في المسجد وفي البيت وفي الطريق وفي السيارة وفي الطائرة وفي القطار وفي كل مكان ، ليس للتبليغ محل مخصوص بل التبليغ مطلوب في كل مكان حسب الاستطاعة ، لقول الله عز وجل " فهل على الرسل إلا البلاغ المبين " النحل 35 ، وقوله سبحانه " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " المائدة 67 ، وقولِ النبي صلى الله عليه وسلم " بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، "رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو ، وقوله صلى الله عليه وسلم " نضَّرَ اللَّهُ امرأً سمِعَ مقالتي ، فبلَّغَها ، فرُبَّ حاملِ فِقهٍ ، غيرُ فَقيهٍ ، وربَّ حاملِ فِقهٍ إلى من هوَ أفقَهُ منهُ " رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، وكان إذا خطب عليه الصلاة والسلام يقول " فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، " رواه البخاري عن عبد الله بن عباس ، ولما خطب الناس في عرفات في حجة الوداع في أعظم جمع قال لهم في آخر خطبته وهو على راحلته " فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِن سَامِعٍ " رواه البخاري عن أبي بكرة نفيع بن الحارث ، وقال ":وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قالوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقالَ: بإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى النَّاسِ اللَّهُمَّ، اشْهَدْ، اللَّهُمَّ، اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله .

ولما بعث علياً إلى خيبر لدعوة اليهود وقتالهم إن لم يقبلوا الدعوة قال له " ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ" متفق على صحته من حديث سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " مَن دَلَّ علَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. " .

وعلى جميع أهل العلم والإيمان من ولاة الأمر وغيرِهم في جميع الدول الإسلامية وغيرِها أن يبلغوا رسالة الله ، وأن يعلموا الناس دينهم ، وأن يتحروا الحكمة والرفق في ذلك ، والأساليب المناسبة التي ترغب الناس في قبول الحق ولا تنفرهم منه ، كما قال الله سبحانه وتعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " النحل 125 ، وقال سبحانه وبحمده " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم " العنكبوت 46 ، وقال عز وجل " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " فصلت 33 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهُ. " رواه مسلم ،وقال عليه الصلاة والسلام "مَن حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الخَيْرَ، أوْ مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ. " رواه مسلم.
والواجب على جميع المسلمين أن يتفقهوا في دينهم ، وأن يسألوا أهلَ العلم عما أشكل عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ " رواه البخاري .

هذا هو الواجب على جميع أهل العلم ، فهم خلفاء الرسل ، وهم ورثة الأنبياء ، فعليهم أن يبلغوا رسالات الله ، وعليهم أن يعلموا عباد الله شريعة الله ، وعليهم أن ينصحوا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، وأن يصبروا على ذلك.

وعلى جميع ولاة الأمور أن يعينوهم ويشجعوهم ويقوموا بكل ما يسهل عليهم أداء هذا الواجب .
وأسأل الله عز وجل لنا ولجميع إخواننا المسلمين وللعلماء بوجهٍ أَخَص ولطلابِ العلم عامة التوفيق والهداية والإعانة على أداء الحق ، إنَّه جوادٌ كريم .

وصل اللهمَّ على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

15 - 4 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر