الدرس 42 وصايا للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 13 ربيع الثاني 1442هـ | عدد الزيارات: 557 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إنَّ بعضَ العلماءِ عدَّ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر ركناً من أركان الإسلام - ، لكن لم يرد نصٌ واضحٌ في ذلك ، وإنما هو من أعظم فرائض الإسلام .
وأركان الإسلام التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة ، قال عليه الصلاة والسلام " بُنِيَ الإسلام على خمسٍ شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ اللهِ وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ وصومِ رمضانَ وحَجِ البيت " متفق عليه .
هكذا بيَّن النبيُّ ، صلى الله عليه وسلم ، أركان الإسلام ودعائمَه ، فلا تجوز الزيادة عليها إلا بدليل صحيح ، لكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامةٌ من الدعائم ، وفرضٌ من الفروض ، لكنه لا يقال إنه ركنٌ سادس ، لعدم الدليل على ذلك .
كما أن الجهاد في سبيل الله دعامة من الدعائم ، وهكذا تركُ المحارم التي حرمها الله على عباده دعامة من الدعائم لابد منها ، ولا يقال إنهما ركنان من أركان الإسلام لعدم الدليل على ذلك .
مع العلم بأنه يجب علينا أن نستقيم على كل ما أوجب الله ، وأن ندع كل ما حرم الله .

* إنكار المنكر بالقلب هو أن يكره المنكر ، ولا يجلس مع أهله ، لأن جلوسه معهم بغير إنكار يشبه فعل بني إسرائيل ، الذي لعنهم الله عليه ، في قوله سبحانه " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " المائدة 78-79

* نصيحتي لمن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أن يتثبتوا في الأمر ، وأن يتعلموا أولاً حتى يتيقنوا أن هذا الأمر معروفٌ أو منكرٌ بالدليل الشرعي ، حتى يكون إنكارُهم على بصيرة لقول الله تعالى " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " يوسف 108 ، مع نصيحتي لهم بأن يكون الإنكار بالرفق والكلام الطيب والأسلوب الحسن ، حتى يُقبل منهم ، وحتى يُصْلِحوا أكثر مما يفسدون ، لقول الله سبحانه " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " النحل 125 ، وقول الله تعالى " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " آل عمران 159 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ ، يُحْرَمِ الخيرَ كُلَّه "صححه الألباني في صحيح الجامع " ، وقوله صلى الله عليه وسلم " إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهُ. " رواه مسلم ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة .

* ومما ينبغي للداعي إلى الله ، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون من أسبق الناس إلى ما يأمر به ، ومن أبعد الناس عما ينهى عنه ، حتى لا يتشبه بالذين ذمَّهم الله بقوله سبحانه " أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ " البقرة 44 ، وقال سبحانه " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ " الصف 2 ، وحتى يتأسى به في ذلك ، وينتفع الناس بقوله وعمله .

* هذه القاعدة قاعدة عظيمة مستمرة دائماً ، وهي أن دفع الشرور مقدم على تحصيل المصالح ، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وهذه الوسائل يجب فيها النصيحة لولاة الأمور من العلماء والأعيان ، وعلى العامة أن يتناصحوا بينهم ، ويحذروا ما قد يقع لهم من ذلك في هذه البلاد وفي غيرها.
فيجب أن يَحْذَرُوا المنكر فلا يفعلوه ، ولا يستمعوه ، ويفرحوا بالحق ويستمعوه وهكذا في الصحف يأخذوا حسنها ويتركوا قبيحها ، فالمؤمن ينتقي ولا يكون حاطبَ ليل يأخذ الحيةَ والعودَ .
وهكذا وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ، يأخذ ما فيها من الخير ، ويدع ما فيها من الشر ، وأهل العلم مع ولاة الأمور لا يزالون بحمد الله على النصيحة والتوجيه ، نسأل الله أن ينفع بالأسباب ، وأن يوفق ولاة الأمور لكل ما فيه صلاح البلاد والعباد إنه خير مسئول .

* لا شك أنَّ الحرصَ على تسجيل المقالات النافعةِ ، والمواعظِ والأحاديثِ المفيدةِ ، كلُّ ذلك مفيدٌ للأمة ، ومن فعل ذلك لنفع الأمة فهو مأجورٌ ، وعليه في ذلك الصبرُ والاحتسابُ ، ولو قيل فيه ما قيل تأسياً بالرسل عليهم الصلاة والسلام ، وبالأخيار قبله ، ولا حرجَ في بيع الأشرطة المشتملة على ذلك مع تحري الأسعارَ الخفيفةَ التي لا تثقل على الناس ، يستعين بها على مهمته ، وينفع الناس بعمله لما في ذلك من نشر العلم ، وتعميم الفائدة .
وأنا أنصح باقتناء الأشرطة الطيبة ، وأنصح بشرائها والاستفادة منها ، إذا كانت صالحة ، لأنه ليس كل شريط صالح ، وليس كل من تكلم يكون كلامه مفيداً وجديراً بأن يسجل .
فالواجب على طالب العلم أن يختار من الأشرطة ما كان صادراً من أهل العلم المعروفين بالعلم والتحقيق ، ليستفيد من ذلك ، ويسمعه أهلُه وإخوانُه وزملاؤه ، وعليه أن يحذر من تسجيل ما يضره ولا ينفعه .

* لا حرج في الركوب مع السائق الخاص إذا كان الموجود ثنتين فأكثر ، وليس هناك ريبة ، فلا بأس من الخروج معه إلى المدرسة أو غيرها للحاجة على وجه لا ريبة فيه ، وإذا تيسر أن يكون معهن رجل فذلك خير وأصلح ، ولكن لا يجب ذلك ، بل يكفي ما يزيل الخلوة ، وهو وجود امرأة ثانية فأكثر ، أو رجلٍ آخرَ غيرِ السائق مع توافر عدمِ الريبة ، لأن وجود المحرم قد لا يتيسر في كل وقت لكل أحد ، أما إذا كانت المسافة تعتبر سفراً فلا يجوز سفرها بدون محرم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تُسَافِرُ المَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ، " رواه البخاري ، ولابد من الحجاب والبعد عن أسباب الفتنة حتى لا يقعَ شرٌ بينها وبينه .

* تخاصمُ الولدِ مع والدته وعدمُ السلامِ عليها وهجرُها جهلٌ مركبٌ ، وهذا الولدُ قد ارتكب منكراً عظيماً ، وعقوقاً كبيراً ، نسأل الله لنا وله الهداية ، فالواجب تحذيرُه من ذلك ، ومنعهُ من هذا العقوق ولو بالضرب ، أو منعُهُ من البيت بالكلية ، أو بغيرِ ذلك من أنواع التأديب المناسبة ، إذا كان ما ينفع فيه الكلام ، ولا بأس من رفع أمره إلى الهيئةِ أو إلى المحكمة إذا لم يستطع والده علاج الموضوع أصلحه الله وألهمه رشده وكفاه شر نفسه .

وبالله التوفيق

13 - 4 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر