الدرس 338: تشريح الجثة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 13 جمادى الأولى 1439هـ | عدد الزيارات: 1352 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تشريح جثث الموتى صدر فيه قرار من هيئة كبار العلماء في المملكة، مضمونه‏

ظهر أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول‏:‏ التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية

الثاني‏:‏ التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية، لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها

الثالث‏:‏ التشريح للغرض العلمي تعلماً وتعليما

وبعد تداول الرأي والمناقشة، ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه، قرر المجلس ما يلي

بالنسبة للقسمين الأول والثاني فإن المجلس يرى أن في إجازتهما تحقيقاً لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل، ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية، ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة، المتحققة بذلك

وإن المجلس لهذا يقرر بالإجماع إجازة التشريح لهذين الغرضين، سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا

وأما بالنسبة للقسم الثالث، وهو التشريح للغرض التعليمي، فنظراً إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين، لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها، وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان، وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة، فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة، إلا أنه نظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتاً كعنايتها بكرامته حياً، وذلك لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كسر عظم الميت ككسره حياً) ونظراً إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية، بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة، فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث، وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر

ثانيا‏:‏ إذا أمكن أن يكشف على المرأة أخرى، فلا يجوز للرجل أن يكشف عليها، وإذا تعذر ذلك ودعا ما يوجب الكشف عليها فإن الطبيب المسلم يكشف على ما يكفي من عورتها للوصول إلى معرفة المرض، ولا مانع من الكشف عليها للتعلم ومعرفة أمراض النساء، وعلاجها، إذا كانت الجثة غير مسلمة ولا معصومة على ضوء القرار المذكور. انتهى

إذا كان هناك ضرورة أو حاجة إلى معرفة سبب الوفاة، ولم يمكن معرفة سببها إلا بأخذ العينة بواسطة إبرة رفيعة من جسم المتوفى، جاز ذلك شرعا، إيثاراً للمصلحة الراجحة على ما يصيب المتوفى من الأذى

إذا تعذر تشريح الجثة لمعرفة أسباب الوفاة إلا ببتر عضو منها وغمسه في محلول كيميائي مخصص لهذا الغرض لفترة معينة، ليتسنى أخذ بصماتها، لمضي فترة على الوفاة، فلا مانع من ذلك تحقيقاً للمصلحة العامة

لا يجوز لكلية الطب وضع جثة المسلم في محلول الفورمالين، والاحتفاظ به في متحف قسم التشريح، لمنفعة الطلبة بذلك، بل الواجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين فوراً، إذ إنه لا يجوز إبقاؤه لهذا الغرض، ولا لغيره من الأغراض المماثلة، ولو سمح وليه

لا يجوز الاحتفاظ بأجزاء الإنسان المنفصلة منه، بل يجب دفنها، لحرمة الإنسان، ووجوب صيانة أجزائه من الامتهان، قال صلى الله عليه وسلم (حرمة المسلم ميتاً كحرمته حيا)

إذا استلم شخص مبلغاً من المال لعلاج مريضه فمات المريض قبل ذلك، فينبغي له أن يرد المبلغ إلى الجهة التي سلمته إياه، لتعذر إنفاقه فيما خصص له، ولا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً، لانتفاء استحقاقه أي شيء منه

لا يجوز للطبيب أن يقبل عينات الأدوية التي تقوم الشركات بتوزيعها على الأطباء، ومن باب أولى لا يجوز له أن يبيعها

على ولي أمر المريضة أن يستمر في التردد بها إلى الأطباء المتخصصين في مرضها، وهو الصرع، في المستشفي ونحوه لعلاجها، فإن العلاج قد يطول تبعاً لتمكن المرض وشدته، ولا يتعجل الأمور، وعليه أن يعالجها بالرقية الشرعية بتلاوة آيات وسور من القرآن عليها، مثل قراءة سورة الفاتحة، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وتلاوتها آية الكرسي عندما تضطجع في فراشها للنوم، وتذكر الله تعالى صباحاً فتقول (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، وتقول ذلك مساء ثلاث مرات أيضا، وتعوذ نفسها بكلمات الله التامة فتقول (أعيذ نفسي بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، ويرقيها بذلك بعض محارمها أو زوجها، إلى غير ذلك من الأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتجدون ذلك في كتاب (الكلم الطيب) لابن تيمية، وكتاب (الوابل الصيب) لابن القيم، وكتاب (الأذكار) للنووي، وكتاب (زاد المعاد) لابن القيم

وليحذروا من الذهاب إلى الكنيسة أو القسيس، ليخرج منها ما يدعونه من الشيطان، فإنها معبد النصارى، والقسيس كافر، ورقيته إياها إنما بالرقى الشركية والتعويذات الشيطانية، وهذا من الكهانة والشرك، فليحذر المسلم من ذلك الضلال، وفي العلاج عند الأطباء، وفي الرقية الشرعية بالقرآن والسنة النبوية غنية عن الرقى الشركية الشيطانية

ويجوز للمسلم أن يدعو بأسماء الله تعالى للشفاء من الأمراض، لعموم قوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) الأعراف: 180، ولثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما رقى النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس بقوله (أذهب الباس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك)

يجوز لمن علم خواص النبات والأشجار أن يعالج الناس وغيرهم بها، وبمسحوقها إذا كان عارفاً بأنواع الأمراض التي يعالجها، وما يناسب ذلك من أنواع النبات والشجر عن تجربة وتعلم من هو أهل لذلك

ويجوز أن يتخذ ذلك عملاً له إذا كان عارفاً بذلك

ويجوز أن يأخذ أجرة على ذلك، وله الحق أن يطلب ممن عالجه الأجرة إذا اشترط عليه ذلك، أو جرى به عرف

ويجوز الإحسان بذلك العمل إلى المسلمين والكافرين غير الحربين

وإذا لدغ الإنسان ثعبان، فيعالج ذلك بالرقية بالفاتحة ونحوها من سور القرآن وآياته، وبالأدعية النبوية الصحيحة، ويعالج أيضا بربط ما بين اللدغة والقلب من العضو، لئلا يصل السم إلى القلب مع الدم، ثم يفصد الجلد في مكان اللدغة، ليخرج السم مع الدم، وتخرج أسنان الحشرة التي لدغت

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/5/12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي