الدرس 150: ربا النسيئة 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 5 صفر 1439هـ | عدد الزيارات: 1328 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قال المؤلف رحمه الله (والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد فلا تبدل) مثال ذلك: اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدينار، فالثوب الآن معين ولا إشكال فيه، ولهذا لو أراد البائع أن يبدل الثوب لم يستطع ذلك إلا بموافقة المشتري، وكذا المشتري لا يمكنه أن يبدل الدينار لأنه لما عينه ووقع العقد على عينه وتم العقد صار ملكاً للبائع فلا يمكن أن يبدله المشتري، كما أن البائع لا يمكن أن يبدل الثوب، وفي الأوراق النقدية كذلك

لو قال اشتريت منك هذا الثوب بهذه العشرة، ثم أراد أن يعطيه بدلاً عنها عشرة أخرى، فإنه لا يملك أن يبدلها، لأنها تتعين بالتعيين

قوله (وإن وجدها مغصوبة بطل) الضمير يعود على الدراهم أو الدنانير التي عينها في العقد، فإذا تبين أنها مغصوبة فإن العقد يبطل، لأنه وقع على عين مغصوبة لا يملك الغاصب أن يتصرف فيها، وتصرفه فيها باطل فيبطل العقد

مثال ذلك: إنسان غصب درهماً من شخص، ثم جاء إلى صاحب الدكان، وقال: اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدرهم، فتبين أن الدرهم مغصوب، فمالكُ هذا الدرهم ليس المشتري، فهذا المشتري أجرى العقد على ما لا يملك، والعقد على ما لا يملكه باطل، فيكون العقد باطل، كما لو كان الأمر بالعكس، بأن اشترى ثوباً بدرهم، فتبين أن الثوب مغصوب فلا يصح العقد، لأن المبيع يتعين بالتعيين

فلا يعامل الخائن إلا بما يردعه عن خيانته

قوله (ومعيبة من جنسها أمسك أو رد) أي: أمسك بلا أرش، أو رد

مثال ذلك: اشترى ديناراً بدينار ثم وجد أن الدينار معيب من جنسه، أي: مخلوط معه ذهب رديء، فالبيع واقع على دينار بدينار، ويشترط في بيع الدينار بالدينار التساوي، فهذا الرجل وجد أن الدينار الذي عينه معيباً من جنسه

فله الخيار إن شاء أمسك بلا أرش، وإن شاء رد، لأنه معيب، وهو لم يشتر إلا شيئاً سالماً

وأما كونه بلا أرش، فلأن الأرش يستلزم زيادة في بيع الجنس بجنسه، ومعلوم أن بيع الجنس بجنسه يشترط فيه التماثل

ومعلوم من قول المؤلف رحمه الله (من جنسه) أنه إذا كان من غير الجنس فإنه لا يصح العقد إذا وجدها معيبة من غير الجنس، فلا خيار فيه بل هو باطل

مثال ذلك: باع درهماً بدرهم، ووجد أن أحد الدرهمين معيب بنحاس فهنا يبطل العقد، لأن العيب من غير الجنس، فيكون من باب (مد عجوة ودرهم) لأنه باع جنساً بجنسه، ومع أحدهما من غير الجنس فلا يصح

وهذا كله بناء على أن الدنانير والدراهم تتعين بالتعين بالعقد

قوله (ويحرم الربا بين المسلم والحربي) كما يحرم بين المسلمين

والحربي مباح الدم والمال بالنسبة لنا، فماله حلال لو أخذناه قهراً فهو لنا، لكن عند المعاملة تجرى المعاملة على ما تقتضيه الشريعة، ثم إن الحربي إذا عاقدت معه فإن العقد نوع من العهد، وقد قال الله (يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود) المائدة: 1، وقال (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً) الإسراء: 34

والربا في الشريعة محرم، والنصوص عامة، فيحرم الربا بين المسلم والحربي، فلو أن إنساناً وجد حربياً، ومعه مال وليس بقادر على أخذه منه قهراً، فقال: أريد أن أشتري منك مائة دينار بخمسين ديناراً فإن ذلك لا يجوز، أو مائة صاع بر جيد بخمسين صاعاً رديئاً مثلاً أو بالعكس فإنه حرام، لأنه متى جرى الأمر بصورة العقد وجب أن يطبق على ما تقتضيه الشريعة

قوله (وبين المسلمين مطلقاً) أي: يحرم أيضاً الربا بين المسلمين مطلقاً، وهذا الإطلاق فسره بقوله (بدار إسلام وحرب) بدار إسلام كالبلاد الإسلامية، ودار حرب كالبلاد الحربية إذا دخلها المسلم بأمان وتبايع مع حربي، أو مع مسلم فإنه يحرم الربا، لعموم الأدلة

مسائل في الروض مع حاشية ابن قاسم ج/5، ص/529

يقول (لا ربا بين السيد ورقيقه) فيجوز للإنسان أن يشتري ثلاثة دراهم بدرهمين من رقيقه، لأن المال ماله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه) أخرجه البخاري ومسلم

ويجري الربا بين الأب وابنه، لأن مال الابن مستقل، ومال الأب مستقل، وكون الأب يملك أن يتملك من مال ولده ما شاء لا يعني أن مال ولده ملك له، وأما قوله صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) أخرجه ابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحسنه الألباني، وصححه ابن حبان عن عائشة، فمراده أن لأبيك أن يتملك من مالك، وليس معناه أنك ملك لأبيك، أو أن مالك ملك له، فإن هذا يمنعه الإجماع، فالابن ليس ملكاً لأبيه، وإذا كان الابن ليس ملكاً لأبيه فماله ليس ملكاً له، ولهذا قال الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء: 11، فجعل الميراث جارياً بين الآباء والأبناء، ولو كان ملك الأبناء للآباء لم يكن هناك جريان للإرث

ويجري الربا بين الزوج وزوجته، وبين الأخت وأختها

مسألة

تشتري الأختان أحياناً حلياً، ثم إذا وصلتا إلى البيت قالت إحداهما: هذا الحلي لا أريده، فقالت الأخرى: أنا أريده، فقالت: نتبادل، وبينهما تفاضل، يعني هذه أسورتها واسعة وثقيلة وهذه بالعكس، فقالت: ليس بيننا حساب خذي الأسورة التي لي، وآخذ التي لك وأتنازل، فهذه أسورتها مثلاً عشر أواق وهذه خمس عشرة أوقية، والفقهاء يقولون: البيع مبادلة مال بمال، فهذا الذي في هذه المسألة تبادل، فإن قالوا: تنازل، فالتنازل لا يجوز إذا أدى إلى فعل محرم، وهذا يؤدي إلى فعل محرم، وإذا كانت تريد أن تتنازل عن الحلي لأختها مجاناً لا مانع، لكن بعوض والتفاضل بينهما ممنوع ولا ينفع بينهما كلمة (تنازل) فالحقائق إذا سميت بغير اسمها لا تتغير، وإلا فالكفار يسمون الخمر الشراب الروحي، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها. أخرجه النسائي وصححه الألباني

فالأسماء لا تغير حقائق المسميات، إذاً يجري الربا بين الأقارب كلهم، وليس أحد يعامل أحداً بربا، وليس بينهما ربا إلا السيد مع رقيقه، وحقيقة الأمر أن تعامل السيد مع رقيقه ليس معاملة حقيقية، وإنما هي صورة معاملة، إذ إن مال الرقيق للسيد

اللهم ألهمنا الصواب فيما نقول ونفعل، واجعل عملنا خالصاً لوجهك، اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا، وفقهنا في أمور ديننا، وبصرنا بالصواب واشرح صدورنا للأخذ به، واجعلنا من فقهاء الأمة وعلمائها، واجعلنا من انفع الناس للناس

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

05-02-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر