الدرس 118: كتاب أحكام أهل الذمة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 6 ربيع الثاني 1438هـ | عدد الزيارات: 1880 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول مؤلف كتاب زاد المستقنع الشيخ موسى الحجاوي رحمه الله (ويلزم الإمام أخذهم) أي: أهل الذمة (بحكم الإسلام في ضمان النفس والمال والعرض وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه) كالزنا، (دون ما يعتقدون حله) كالخمر، لأن عقد الذمة لا يصح إلا بالتزام أحكام الإسلام كما تقدم في الدرس السابق

وروى ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما) رواه البخاري ومسلم

قوله (ويلزمهم التميز عن المسلمين) فلا يدفنوا في مقابرنا، (ولهم ركوب غير خيل كالحمير بغير سرج يركبون بإكاف) وهو البرذعة لما روى الخلال أن عمر أمر بجز نواصي أهل الذمة وأن يشدوا المناطق وأن يركبوا الأكف بالعرض

يجب أن يتميزوا عن المسلمين في المظهر والملبس والمركب لئلا يغتر الناس بهم ففي المظهر يجب على أهل الذمة حلق مقدم رؤوسهم فتكون لهم قصة للشعر يتميزون بها عن غيرهم من المسلمين وفي الملبس يشدون أوساطهم بالزنار حتى يعرف أنهم أهل الذمة، ويجعل لهم علامة عند دخول الحمامات (جلجل) أي: جرس صغير أو طوق تطوق به أعناقهم، بشرط ألا يكون فيه الصليب؛ لأنهم يمنعون من إظهار الصليب؛ إذ إن الصليب شعار دينهم، فيمنعون من إظهاره، ولا يركبون الخيل أبدا؛ لأن الخيل هي مادة القتال والجهاد، وإنما يركبون الإبل والحمير ولهذا قال المؤلف (ولهم ركوب غير خيل بغير سرج بإكاف) أي: يركبون غير الخيل بغير سرج، والسرج هو الرحل المنمق المحسن، بل يركبون بإكاف، والإكاف هو البرذعة، عبارة عن شيء كالمخدة مستطيل على طول ظهر الحمار، تربط عليه ثم يركب عليها لأنها لا تنبئ عن شرف أو كبرياء

أما السرج فله نقوش، وأشياء تتدلى، ويكون حسنا

ويجب أن يكون ركوبهم عرضا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الآنف الذكر، فإن المسلم إذا ركب الدابة يجعل إحدى رجليه عن اليمين والثانية عن اليسار، أما أهل الذمة فيجعلون الأرجل إما على اليمين، وإما على اليسار

وفي الوقت الحاضر لا يوجد خيل ولا حمير فيمنعون من ركوب السيارات الفخمة قياساً على الخيل

قوله (ولا يجوز تصديرهم في المجالس) أي: لا يجوز أن يكونوا في صدر المجلس بل في آخره، هذا عند ابتداء الجلوس، وإذا دخل جماعة من المسلمين، ومعهم أحد من أهل الذمة، فيجلس في آخر المجلس، لأن صدر المجلس إنما هو لأشراف القوم وأسيادهم، وهم ليسوا من أهل الشرف والسيادة، لأن الإسلام هو الذي له الشرف وهو الذي يعلو ولا يعلى عليه

قوله (ولا القيام لهم) أي إذا أقبلوا فلا تقم لهم؛ لأن ذلك إكرام لهم، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) أخرجه مسلم عن أبي هريرة، فإن القيام لهم ينافي ذلك لأنه إكرام لهم

فلا يجوز القيام لأهل الذمة أما للمسلمين فيجوز، فإذا دخل إنسان ذو شرف وجاه فإنه لا بأس بالقيام له، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يقام له لما روى ذلك الترمذي عن أنس بن ملك وقال حسن صحيح، وتركه الصحابة استجابة لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم

والقيام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قيام للشخص، وقيام عليه، وقيام إليه

فالقيام له، إذا دخل قمت إجلالاً وإكراماً له، ثم إن شئت فقل اجلس في مكاني، وإن شئت جلست

والقيام إليه، أن يتقدم الإنسان إلى القادم ويخطو خطوات وهذا جائز، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه للتحكيم في يهود بني قريظة (قوموا إلى سيدكم) أخرجه البخاري ومسلم، فأمر بالقيام إليه إكراماً له

وقد حكم فيهم (بأن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم) أخرجه البخاري ومسلم

وأما القيام على الشخص فإنه لا يجوز، إلا إذا كان في ذلك إغاظة للمشركين؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى أن نقوم على غيرنا كما تقوم الأعاجم على ملوكها، أخرجه أبو داود، بل في الصلاة لما صلى جالساً وصلوا خلفه قياماً أمرهم أن يجلسوا؛ أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، لئلا تظهر صورة المشابهة حتى في الصلاة،، ولكن قد يكون القيام محموداً ومأموراً به كما فعل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين قام على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقريش تراسله في صلح الحديبية، ليتبين لهؤلاء الكفار أن المسلمين يعظمون زعماءهم وعظماءهم

قول المؤلف (ولا بُداءتهم بالسلام) أي لا يجوز أن نبدأهم بالسلام، فلا نقول لهم إذا لقيناهم السلام عليكم، فإن سلموا وجب الرد، لقوله تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) النساء: 86، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم) أخرجه البخاري ومسلم

فالسلام يتضمن الإكرام والدعاء، لأنك إذا قلت السلام عليك فأنت تدعو له بالسلامة فتكون أكرمته بالدعاء له بالسلامة

أما إذا سلم عليك مسلم فرد بأحسن منها أو مثلها فإن قال السلام عليكم فرد بأحسن مناها وقل وعليكم السلام ورحمة الله أو مثلها وعليكم السلام

أما تهنئتهم بالأعياد فهذه حرام، لأن تهنئتهم بأعياد الكفر رضا بها، حتى وإن كانوا يهنئونا بأعيادنا فإننا لا نهنئهم بأعيادهم، لأن تهنئتهم لنا تهنئة بحق وتهنئتنا إياهم بأعيادهم تهنئة بباطل

كما لا يجوز أن نعزيهم؛ لأن التعزية تسلية للمصاب وجبر لمصيبته، ونحن لا نود أن يسلموا من المصائب، بل نقول (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا) التوبة: 52، وهذا لا شك في أهل الحرب

أما عيادتهم فالصحيح جواز ذلك للمصلحة بأن يرجى إسلامه بعرض الإسلام عليه، كما زار النبي صلى الله عليه وسلم خادماً له يهودياً فعرض عليه الإسلام، فرد بصره إلى أبيه كأنه يشاوره، فقال له أبوه أطع محمدا، فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذي أنقذه من النار) أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه

قوله (ويمنعون من إحداث كنائس، وبيع وبناء ما انهدم منها ولو ظلما) الضمير في كلمة (يمنعون) يعود على أهل الذمة الذين في بلادنا

والكنائس جمع كنيسة وهي متعبدهم سواء كانوا نصارى أو يهودا، فيمنعون من بناء الكنيسة؛ لأن هذا إحداث شعائر كفرية في بلاد الإسلام

كما يمنعون من إحداث بِيَعْ، وهي متعبد اليهود

قوله ( ويمنعون من بناء ما انهدم منها ولو ظلما) أي: لو كان هناك كنائس موجودة قبل فتحنا البلاد واستيلائنا عليها، وصار أهلها أهل ذمة بالنسبة لنا وانهدمت هذه الكنائس فإننا نمنعهم من بنائها؛ لأن البناء إحداث فنمنعهم منه

قوله (ولو ظلما) أي ولو هدمت ظلما، كما لو سطى عليها أحد من المسلمين وهدمها فإنها لا تقام مرة أخرى، وهذا هو مذهب الإمام أحمد، ولو هدموها وأرادوا تجديدها فإنهم يمنعون

قوله (ومن تعلية بنيان على مسلم) أي إذا كانوا في حي من الأحياء، وأرادوا أن يبنوا عمارات رفيعة تعلو بناء المسلمين فإننا نمنعهم، ولا فرق بين أن يكونوا مجاورين ملاصقين أو غير ملاصقين، ولو كان بينهم وبين المسلم شارع، فإنه لا يجوز أن يمكنوا من تعلية البنيان على المسلم؛ لما في ذلك من إذلال المسلم واحتمال الأذى له؛ لأن العالي يستطيع أن يطلع على النازل حتى وإن رضي المسلم بل يمنعون من مساواته بالمسلم لقوله صلى الله عليه وسلم (الإسلام يعلو ولا يُعلى) أخرجه الدارقطني والبيهقي

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1438-4-06

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي