الدرس 258: خاتم النبوة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 6 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 1257 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ثبت في صحيح مسلم صفة خاتمه صلى الله عليه وسلم، حيث روى عن جابر بن سمرة في باب خاتم النبوة أنه قال: رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمام.

وعن نوم الرسول صلى الله عليه وسلم على الحصير ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله فصلًا في كتاب زاد المعاد فقال: كان ينام على الفراش تارة، وعلى النطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِماله، وتارة على كساء أسود أ.هـ
فمن هذا يظهر أنه كان ينام بعض الأحيان على الحصير، وإذا نام الإنسان على الحصير بعض الأحيان قاصدًا الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فيرجى له الخير، وقد شرع الله سبحانه الاقتداء بالرسول في قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الآية.

الرسول صلى الله عليه وسلم كان فقيرا فأغناه الله، كما هو النص في سورة الضحى، ومع كثرة ما أعطاه الله وتحقق رضاه بما أعطاه من الخيرات المادية وغيرها كانت مسؤلياته تجاه أمته ومصالحها العامة والخاصة أعظم، وبذله ونفقاته في ذلك أكثر من دخله، فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، كما وصفه أعرابي بذلك لقومه في ثنائه عليه، ومن ذلك قضاؤه لدين من مات وعليه دين، وتكفله من مات عائلهم بتولي جميع شئونهم من رعاية ونفقات، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته) رواه البخاري ومسلم وقال صلى الله عليه وسلم (أيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه) رواه البخاري فلم تكن قلة ماله أخيرا عن فقر، بل عن بذل وكرم

وعن أخلاقه صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن كما وصفته عائشة رضي الله عنها، واستدلت على ذلك بقوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وكان سمحا مع أهله حسن العشرة معهم، يقوم بواجبهم في بيته حتى ينادى بالصلاة

أول من أسلم من الرجال أبو بكر رضي الله عنه، ومن النساء خديجة ، ومن الصبيان علي ، ومن الموالي زيد بن حارثة وبلال

لم يقع بين المسلمين والروم مبارزة في غزوة تبوك ، وإنما صالح النبي صلى الله عليه وسلم ملك إيلة وأهل جربا وأذرح على الجزية، وكتب لهم كتابا بين لهم فيه ما لهم وما عليهم

لم يثبت عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: يا ليت أبا بكر كان شجرة قطعها فأس حطاب، ولم يقل أيضاً: لوددت أني شعرة في جنب مؤمن، ولم يقل أيضاً: والله، لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد

كما لم يثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لو قيل كل الناس يدخلون الجنة إلا رجل واحد لظننت أنه أنا، بل هذا لا يتفق مع قوة إيمان عمر، وحسن ظنه بربه، ورجائه فيه

عدد أمهات المؤمنين تسع، وهن: عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وجويرية بنت الحارث ، وسودة بنت زمعة ، وزينب بنت جحش ، وصفية بنت حيي ، وميمونة بنت الحارث، وهؤلاء أزواجه اللاتي مات عليه الصلاة والسلام وهن في عصمته، ومن أزواجه أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي أم أكثر أولاده وتوفيت في حياته قبل الهجرة، وذكرنا في الدرس الماضي أن زوجاته اللاتي توفين قبله خديجة وزينب بنت خزيمة رضي الله عنهن

س: هل نقول للصحابي عليه السلام ؟

ج: يجوز أن نذكر الصحابي وغيره فنقول عليه الصلاة والسلام، فقد أخرج الإمام البخاري في كتابه الصحيح: باب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وقول الله تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) سورة التوبة آية 103، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي أوفى قال : كان إذا أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته قال " اللهم صل عليه "، فأتاه أبي بصدقته فقال: " اللهم صل على آل أبي أوفى "، لكن لا يتخذ شعارًا لبعض الناس، ولا يستعمل مع الصحابة ولا غيرهم بصفة دائمة، قلت كما يفعل الرافضة مع علي وغيره من آل البيت، ولكن إذا فعل مع بعض الناس لكونه قدم صدقته ولأسباب أخرى من علم وفضل من دون أن يتخذ ذلك عادة مستمرة، والأفضل: أن يقال: رضي الله عنه عند ذكر الصحابة رضي الله عنهم

وأما عمن قتل نبياً أو قتله فقد ورد في الحديث ( أشدُّ الناسِ عذابًا يومَ القيامةِ رجلٌ قَتَلَ نبيًّا أو قتَلَهُ نبيٌّ ، أو رجلٌ يُضِلُّ الناسَ بغيرِ علْمٍ ، أو مُصورٌ يُصوِّرُ التَّماثِيلَ )صحيح الجامع.

وبسؤال عن حديث (لا ضرر ولا ضرار) أجابت اللجنة قائلة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم المكلف أن يضر نفسه أو يضر غيره، ففيه دلالة على منع الإنسان من التعدي على نفسه أو غيره، وهذا الحديث وإن كان فيه مقال إلا أنه جاء من طرق يقوي بعضها بعضًا، وله شواهد فينهض إلى درجة الحسن لغيره، ويصلح للاستدلال به

وننصح بمراجعة كتاب جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب في شرح هذا الحديث

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) هذا الحديث رواه ابن ماجه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك، كلاهما عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحاكم صحيح على شرطهما، وقال أبو حاتم لا يثبت، نقله عنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، ورواه الطبراني في الكبير عن ثوبان رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بسند ضعيف، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد، الخطأ هنا ضد العمد، والنسيان: ضد الذكر والحفظ، ومعناه: أن الله تعالى أكرم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته بأن لا يؤاخذ أحدًا منهم ارتكب محظورًا أو ترك واجبًا خطأ أو نسيانًا لا يكون بذلك في حكمه تعالى آثمًا

أما بالنسبة لاستدراك ما أخطأ فيه من الواجبات أو نسيه وما يلزمه من أجل المحظورات فذلك يرجع إلى الأدلة التفصيلية، فقد يلزمه بعض الأحكام كالدية والكفارة في القتل خطأ، واستدراك ما نسيه أو أخطأ فيه كسجود السهو وقضاء الصلاة المنسية، وجزاء الصيد في الحرم أو كفارته، وقد لا يلزمه شيء كقضاء الصوم إذا أفطر المكلف ناسيا، وكفارة الحنث في اليمين إذا حنث ناسيا، قلت مثل أقسم ألا يذهب إلى زيارة فلان فنسي وزاره فلا كفارة عليه
وكذا المكره الذي لا قدرة له على التخلص إلا بفعل ما أكره عليه من المحظورات فلا إثم عليه في فعل ما أكره عليه ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان مستنكرًا لما أكره عليه من المحرمات غير مستحل له إلا الإكراه بالقتل على القتل فيأثم بقتل من أكره على قتله؛ لما في ذلك من جعل قتله لغيره فداء لنفسه، أما الإكراه على ترك واجب فلا إثم عليه في تركه لكن عليه أن يؤديه بعد زوال المانع حسب ما تقتضيه الأدلة

معنى حديث (إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) أن إبلاغ السلطان الظالم الحق بالمشافهة أو الكتابة ونحوهما أفضل أنواع الجهاد، قال المناوي في شرح الجامع الصغير: لأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير، فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير، بخلاف قتل الكافر أ.هـ
وهو من مناصحة ولاة الأمور في كل زمان لمن قدر عليه، مع العلم والحلم والصبر

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

06-03-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي