الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
لا يجوز الذهاب إلى ساحر من أجل أن يحل السحر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن له، أو سحر أو سحر له" رواه الطبراني عن عمران بن حصين قال المناوي إسناده جيد
ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال "هي من عمل الشيطان" رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد
والنشرة هي حل السحر من المسحور بالسحر لإزالة هذا الداء فعلى المسلم أن يعالج نفسه بما شرع الله من الأذكار والأدعية والأدوية الجائزة، وعليه أن يتقي الله في نفسه باتباع أمره واجتناب نهيه "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا"(الطلاق 2) فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي، ونهى عن التداوي بالمحرم، فقال صلى الله عليه وسلم "تداووا، ولا تداووا بحرام فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء" رواه أحمد وأبو داود وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "فإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" رواه البخاري تعليقاً
ولا يجوز أن يذهب إلى الكهنة الذين يزعمون معرفة الغيب؛ ليعرف منهم مرضه، ولا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجمًا بالغيب أو يستحضرون الجن؛ ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء شأنهم الكذب، والاستعانة بالجن شرك أكبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" رواه مسلم، وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" رواه البزار بإسناد جيد، ولا يجوز له أن يخضع لما يزعمونه علاجًا من صب رصاص ونحوه على رأسه فإن هذا من الكهانة، ورضاه بذلك مساعدة لهم على الكهانة
فلا يجوز أن يعالج السحر بالسحر، ولكن يعالج بالرقية؛ بقراءة القرآن، والأذكار النبوية الواردة في الرقية، وبالدعاء وطلب الشفاء من الله، وفي الكلم الطيب لابن تيمية، والوابل الصيب لابن القيم، ورياض الصالحين والأذكار النووية للنووي رحمهم الله كثير من الأذكار والأدعية النافعة في ذلك
س: هناك من يعالجون مرضاهم بلحوم السباع ؟
ج: كل ما كان مفترسًا بنابه كالأسد والذئب والنمر من السباع، وكل ذي مخلب يفترس به كالحدأة والصقر من الطيور، وكالحمر الأهلية والبغال من الدواب أكله حرام، لما ثبت عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع" رواه البخاري ومسلم وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير" رواه مسلم
س: هل سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل نفذ فيه السحر؟
ج: الرسول صلى الله عليه وسلم من البشر، فيجوز أن يصيبه ما يصيب البشر من الأوجاع والأمراض وتعدي الخلق عليه وظلمهم إياه كسائر البشر إلى أمثال ذلك مما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فغير بعيد أن يصاب بمرض أو اعتداء أحد عليه بسحر ونحوه يخيل إليه بسببه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، كأن يخيل إليه أنه وطيء زوجاته وهو لم يطأهن، أو أنه يقوى على وطئهن حتى إذا جاء إحداهن فتر ولم يقو على ذلك، لكن الإصابة أو المرض أو السحر لا يتجاوز ذلك إلى تلقي الوحي عن الله تعالى ولا إلى البلاغ عن ربه إلى العالمين؛ لقيام الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة على عصمته صلى عليه وسلم في تلقي الوحي وبلاغه وسائر ما يتعلق بشؤون الدين، والسحر نوع من الأمراض التي أصيب بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت" سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ثم دعا ثم قال يا عائشة، أشعرت أن الله افتأني فيما استفتيته فيه، فجاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي ما وجع الرجل، قال مطبوب، قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم، قال في أي شيء قال في مشط ومشاطة، قال وجف طلعة ذكر، قال أين هو قال في بئر ذي أروان قالت فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه، ثم قال يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين قالت فقلت يا رسول الله، أفلا أحرقته قال لا، أما أنا فقد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس شرًا فأمر بها فدفنت" رواه البخاري ومسلم
ومن أنكر وقوع ذلك فقد خالف الأدلة وإجماع الصحابة وسلف الأمة متشبثًا بشبه وأوهام لا أساس لها من الصحة فلا يعول عليها، وقد بسط القول في ذلك العلامة ابن القيم في كتاب زاد المعاد والحافظ ابن حجر في فتح الباري
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
1435-01-09هـ