الدرس219: الرقية الشرعية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

رقية المريض بالقرآن جائزة، بل مستحبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" أخرجه مسلم، ولفعله ذلك وأصحابه رضي الله عنهم، والأولى أن يكون بغير أجرة، وإن كان بأجرة جاز لثبوت السنة بجواز ذلك

أما كتابة شيء من آيات القرآن الكريم وشربها فلم يثبت عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين ولا سائر صحابته رضي الله عنهم فتركها أولى نصّ على ذلك ابن باز رئيس اللجنة.

وأما ما ذكرته في الدرس الماضي بالجواز لمن عسرت عليها ولادتها وأنه من فعل أحمد بن حنبل فقد ذكره عبد الرزاق عفيفي وهو لا يناقض رأي ابن باز لأن الشيخ عبد العزيز نفى أن يكون من فعل الرسول و الخلفاء أو الصحابة وعبد الرزاق عفيفي ذكر فعل السلف ولا شك أن قول الشيخ عبد العزيز بن باز أقوى

ويستحسن علاج المرأة بقراءة القرآن عليها ورقيتها بالأدعية النبوية المأثورة، لكن يحرم خلوة الأجنبي الذي يرقيها بها، ويحرم عليها أن تكشف شيئا من عورتها أمامه أو يضع يده عليها، ولو تولى الزوج ذلك أو أحد محارمها كان أحوط.

أما عرضها على الكهان والذهاب بها إليهم للعلاج فممنوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" أخرجه مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم "من أتى كاهنا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد

فرقية المسلم أخاه بقراءة القرآن عليه مشروعة، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية ما لم تكن شركا، أما من يستخدم الجن ويشهدهم ويأخذ عليهم العهد ألا يمسوا هذا الشخص الذي قرئ عليه القرآن ولا يتعرضوا له بسوء فلا يجوز

فتجوز الرقية بالقرآن وبالأذكار والدعوات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم للحفظ والوقاية ولدفع ما أصيب به الإنسان من الأمراض، مثل تلاوة آية الكرسي، وسورة الفاتحة، و"قل هو الله أحد" والمعوذتين، ومثل "أذهب البأس، رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما" أخرجه البخاري ومسلم، ومثل:" أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"

وأما علاج الذي مسه الجن فيرقى بقراءة القرآن، وما صح من الأذكار عن النبي صلى الله عليه وسلم، واقرأ كتاب "الكلم الطيب" لابن تيمية ، وكتاب "الأذكار" للنووي ، وكتاب "الوابل الصيب" لابن القيم تجد فيها ما ترقي به نفسك

ويحرم الذهاب إلى من يفعل أعمال الشرك من دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لطلب الشفاء بدعائه ورقيته ونحو ذلك ولو انتفع بعض الناس بذلك لأن ذلك قد يوافق القدر فيظن أنه بسبب هذا الشخص، وقد يكون مرضه من أعمال الشياطين فيغروه بسؤال هؤلاء المشركين والذهاب إليهم فإذا سألهم تركوا إيذاءه

وتأثير الجن على الإنس والإنس على الجن وتأثير عين الحاسد في المحسود كل ذلك واقع ومعروف، لكن ذلك كله بإذن الله سبحانه وتعالى الكوني القدري لا إذنه الشرعي

قلت: الفرق أن القدر الكوني لا بد أن يقع، أما قضاء الله الشرعي فلا يلزم وقوعه

أما ما يتعلق بتأثير عين الحاسد في المحسود فهو ثابت فعلاً وواقع في الناس، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "العين حق، ولو أن شيئا سبق القدر سبقته العين" أخرجه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم "لا رقية إلا من عين أو حمة" أخرجه أحمد

والعين مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه، وأصلها من إعجاب العائن بالشيء ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرها إلى المعين وقد أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الحاسد فقال تعالى "ومن شر حاسد إذا حسد" فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا، فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه، وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها. من زاد المعاد بتصرف 3/248

قلت معنى كلمة ابن القيم شاكي السلاح أي كامل الاستعداد

وقد ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإصابة بالعين فمن ذلك ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن استرقي من العين" أخرج البخاري ومسلم

وأخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه، عن أسماء بنت عميس أنها قالت "يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفنسترقي لهم؟، قال نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين" وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت "كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين" وأخرج الإمام أحمد ومالك والنسائي وابن حبان وصححه عن سهل بن حنيف: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل يا رسول الله، هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه، قال هل تتهمون فيه من أحد قالوا نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه، وقال علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت، ثم قال له اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس

وقبل أن أودعكم على أمل اللقاء بكم في الدرس القادم ونستكمل الحديث عن العين أود أن أذكر أن اللجنة الدائمة ذكرت أن تأثير عين الحاسد في المحسود بأذن الله تعالى الكوني القدري لا الشرعي

وإيضاح مراد اللجنة أن قدر الله ينقسم إلى قسمين

القسم الأول: كوني قدري مثل المرض والفقر والغنى ومثل هذا بقدرة الله تؤثر العين في ذلك وتكون سبباً في مرضه مثلاً

أما القسم الثاني: وهو قدر الله الشرعي فبأذن الله لا تأثير للعين في ذلك، مثل الدخول في الإسلام وطاعة الوالدين قال تعالى "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" (الإسراء 32)هذا قضى شرعي.

فالعين لا تمنع من الدخول في الإسلام ولا في طاعة الوالدين

لكن إذا كان مصاباً بمس من الجن فقد يؤثر الجن عليه

وخلاصة القول: أن قضاء الله الكوني لا بد أن يقع بأذن الله مثل الفقر والمرض والشرعي قد لا يقع بإذن الله مثل الدخول في الإسلام وعقوق الوالدين، لأن الشرعي لو كان لا بد من وقوعه لدخل جميع الناس في الإسلام لأن الله قال "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" أي أمر أمراً غير ملزم لأن الله قال "إنا هديناه النجدين" هذا ما أردت إيضاحه من مجمل قول اللجنة الدائمة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1435-8-9هـ