الدرس 208: القضاء والشهادة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1735 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

مكانة المحامي في نظام القضاء الإسلامي أنه وكيل لمن تولى الدفاع عنه من الخصمين المدعي والمدعى عليه وعليه وعلى موكله الاعتدال في طلب الحق وإنصاف الخصم فإن التزما ذلك كان خيرا لهما وكان فيه إعانة للحاكم والحكم في الفصل في الخصومات فإن أبى الخصم أو وكيله إلا التلبيس واللجاج في الخصومة أثرة منهما ورغبة في الغلبة ولو بالباطل وتحقيقا للكسب ولو من حرام فقد أثما وأكلا أموال الناس بالباطل وأوقعا القاضي بينهما في لبس وحيرة إن لم يتداركه الله تعالى بفضل منه ورحمة ويهديه إلى سواء السبيل فيفصل في الخصومة بالحق

ولا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة إذا لم توجد محاكم شرعية وإذا قضي له بغير حق له فلا يحل له أخذه

س: هل يلزم تنفيذ الحكم على المحكومين ؟

ج: إذا كان هذا التحكيم الحاصل من باب الإصلاح فإن الرضا به والتزامه مستحب لأنه يؤدي إلى صفاء القلوب من الحقد والغل والضغينة والانتقام أما إذا كان التحكيم من باب القضاء والمحكم صالح للقضاء لعلمه وبصيرته فإن الحكم يكون ملزما للطرفين يجب تنفيذه

س: ما حكم كتابتي للناس شكاويهم ؟

ج: إذا كنت تكتب للناس شكاويهم ودعاويهم كما يمليها عليك أصحابها وأنت لا تعلم أنها تخالف الحقيقة والواقع فلا حرج ولا إثم عليك فيما تكتبه لهم إذ لا محذور في ذلك وما يحصل فيها من كذب وخطأ لا تعلمه فإثمه على من قاله أما إن كنت تعلم أن ما يطلبون منك كتابته أنه كذب وزور فلا يجوز لك كتابته لهم لأن في ذلك إعانة لهم على الباطل والإثم والله سبحانه يقول "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"(المائدة 2) وقال تعالى "وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا"(النساء 107) وعليك بمناصحة من تعلم كذبه فيما يدعيه وتذكيره بالله سبحانه والوعيد المترتب لمرتكب الكذب ومدعي الباطل لعله أن يقبل النصيحة ويقلع عما عزم عليه

س: ما حكم من رأى حادث سير وطلب منه الشهادة فأنكر ؟

ج: لا يجوز كتمان الشهادة ومن كتمها فهو مخطئ وعاصي ويجب عليه التوبة إلى الله تعالى "وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا"(البقرة 282) وقال تعالى: "وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ "(البقرة 283)

ولا يجوز أن يشهد الشخص إلا بما يعلمه برؤية أو سماع لقوله تعالى "إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (الزخرف 86)وقوله تعالى "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" (الإسراء 36)وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم قال: على مثلها فاشهد أو دع" رواه الخلال

وبناء على ذلك من شهد وهو يعلم من نفسه أنه كاذب فهذه شهادة الزور ويتناوله الوعيد الذي ثبت في القرآن والسنة

وشهادة الزور من كبائر الذنوب ومن تاب وعزم على أن لا يعود إلى شهادة الزور مرة أخرى فتقبل توبته إذا صدق في ذلك ورد الحقوق إلي أهلها التي ضاعت عليهم بشهادته أو استحلالهم منها لقول الله سبحانه:" وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ" (الشورى 25)

ولا يجوز لمسلم أن يشهد شهادة يعلم أنها مخالفة للواقع ودخول صاحبها في الوعيد الوارد فيمن شهد شهادة زور أو قال قول زور قال الله تعالى "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" (الحج 30 )وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت" متفق عليه

والشهادة بشيء لا يعلمه الشاهد محرمة لكونها شهادة زور وقول زور حتى ولو كانت لنفع أحد ودون الإضرار بغيره أما الشهادة بنقل عن شخص آخر فتقديرها يرجع إلي القاضي

والحكم المبني على شهادة الزور في الظاهر لا يحل حراما في الحقيقة وإنما هي قطعة من النار يقتطعها المدعي بتلك الشهادة وإذا ثبت أن الشخص شهد شهادة زور فإنه يعزره ولي الأمر بما يراه

س: هل تقبل شهادة شارب الدخان ؟

ج: لا شك أن الدخان حرام لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة ولما أخبر به أهل الخبرة في آثاره السيئة على الصحة والمال والمجتمع فمتعاطيه شربا أو بيعا أو صناعة عاص لله ولرسوله أما قبول شهادته فيختلف باختلاف حاله وغير ذلك وحال المشهود عليه والمشهود به ومرجع ذلك ناظر القضية التي سيشهد فيها شارب الدخان عنده

س: كيف الجمع بين حديث "ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" وحديث "إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون" ؟

ج: تحمل أحاديث ذم السبق إلى الشهادة والمسارعة إلى أدائها قبل الاستشهاد على المستخفين بأمر الشهادة الذين لا يتحرون الصدق فيها ولا يبالون لضعف دينهم وقلة خوفهم من الله ويحمل حديث الثناء على من يؤدي الشهادة قبل أن يسألها على من تعينت عليه الشهادة فأداها قبل أن يسألها إثباتا للحق وخوفا من ضياعه لعدم من يشهد سواه. وراجع في ذلك فتح الباري وفتح المجيد لمزيد الفائدة

وبالله التوفيق

وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1435-5-1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي