غزوة الخندق

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 26 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 2196 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله الّذي أرسلَ رسولَه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله وكيلا وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه أنجز وعدَه ونصر عبدَه وهزم الأحزابَ وحدَه وكان الله قويا عزيزا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعدُ: أيها النَّاسُ: اتقوا الله تعالى واعرفوا نعمة الله عليكم بما أمد به رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من النصر العزيز والفتح المبين وهذه سنة الله التي لا تبديل لها فمن ينصر الله ينصره إن الله لقوي عزيز.

عباد الله: في شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة كانت وقعة الخندق التي اجتمع فيها أحزاب الشيطان على أولياء الرحمن وذلك أن يهود بني النضير حين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أرادوا أن يأخذوا بالثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب جمع منهم إلى قريش وغطفان وحرضوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم فتحزب الأحزاب لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت قريش بأربعة آلاف مقاتل وخرجت غطفان ومعهم ألف فارس وخرجت بنو مرة وهم أربعمائة وخرجت بنو أشجع وبنو سليم في نحو سبعمائة مقاتل وخرجت بنو أسد وكان عدد الأحزاب عشرة آلاف مقاتل فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه أيخرج إليهم أم يبقى في المدينة فأشار عليه سلمان الفارسي أن يحفر خندقا على المدينة يمنع العدو عنها فأمر صلى الله عليه وسلم بحفره شمالي المدينة من حرتها الشرقية إلى حرتها الغربية وشاركهم في حفره وكان المسلمون ثلاثة آلاف رجل وقد لحقهم من الجهد والجوع ما وصفه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نحفر يوم الخندق فعرضت كدية شديدة فجاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله هذه كدية عرضت في الخندق فقام وبطنه من الجوع معصوب بحجر فلبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضربه فكان كثيبا مهيلا قال جابر فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت أهلي وقلت لامرأتي لقد رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان عليه من صبر فهل عندك من شيء قالت صاع شعير وعناق وهي الصغيرة من المعز فذبحتها وطحنت الشعير فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله طعيم لي فقم أنت ورجل أو رجلان معك فقال ما هو فقلت شعير وعناق فقال كثير طيب ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار وقال ادخلوا ولا تزاحموا فجعل يكسر من هذا الخبز ويجعل عليه من اللحم وكلما أخرج شيئا من اللحم غطى القدر ومن الخبز غطى التنور فما زال كذلك حتى شبع المهاجرون والأنصار وبقيت بقية واشتدت الحال بالمسلمين وكان مما زاد الأمر أن يهود بني قريظة وكانوا شرقي المدينة نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضاق الأمر بالمسلمين كما قال تعالى "إِذْ { جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ } [الأحزاب:10]. يعني الأحزاب {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}[الأحزاب:10]. يعني بني قريظة {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَا بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:10-11.] وانقسم الناس إلى قسمين فالمنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ قالوا:{ما وعدنا اللهُ ورسولُه إلا غرورًا.} [الأحزاب:12].والمؤمنون قالوا:{ هذا ما وعدنا الله ورسولُه وصدق اللهُ ورسولُه وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا.} [الأحزاب:22،] ومكث الأحزابُ محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم قريبا من شهر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فأرسل الله عليهم ريحا شديدة قوية أسقطت خيامهم وأطفأت نيرانهم وزلزلت بهم وفي ذلك يقول الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب:9.]

هذا وأستغفرُ الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الهادي إلى سواء السبيل، والصلاةُ والسَّلامُ على السراجِ المنير صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

عباد الله: بعد تفرق الأحزاب توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة الذين نقضوا عهده فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى طال عليهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فلما اشتدت بهم الحال طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه وكان سيد الأوس الذين هم حلفاء بني قريظة في الجاهلية وكان سعد رضي الله عنه قد أصيب بسهم يوم الخندق في أكحله فدعا الله تعالى أن لا يميته حتى يقر عينه من بني قريظة الذين نقضوا العهد فاستجاب الله دعاءه فطلبه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ليحكم في بني قريظة فلما أقبل قال رضي الله عنه لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فلما جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم "إنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا علَى حُكْمِكَ، قالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذُرِّيَّتَهُمْ، قالَ: فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: قَضَيْتَ بحُكْمِ اللهِ " (صحيح مسلم) ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإخدود فخدت فجيء باليهود مكتفين فضربت أعناقهم وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة رجل وسبيت ذريتهم ونساؤهم وأموالهم وهكذا انتهت هذه الغزوة العظيمة بهذا النصر العزيز بعد أن لحق المسلمين ما لحقهم من المشقة والبلاء فكانت العاقبة لهم.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } [الأحزاب:56]. وقال عليه الصلاة والسلام:" من صلى عليَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا." (رواه مسلم).

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم فقهنا في ديننا وعلمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، اللهم اعصمنا من الذنوب والمعاصي واملأ قلوبنا بالطاعة، وأصلح شباب المسلمين ونساءَهم وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }. [البقرة 201]

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

1434-12-25 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي