حق الجار

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 20 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 1698 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين دعا إلى حسن المعاملة, وإلى التعاون على البر والتقوى, وأشهد أن لا إله إلا الله, وحد لا شريك له, جمع على الخير قلوب المؤمنين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أعظم الناس خلقاً, وأحسنهم جواراً, وأكرمهم عشرة اللهم صل وسلم وبارك على محمد, وعلى أله وصحبه, الذين تأسّوا بنبيهم, فكانوا نماذج للمكارم, ومثلاً للوفاء، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون.

أما بعد

فإن المسلمين في نظر الإسلام بنيان واحد، لبناته أبناء هذه الأمة، وكل لبنة في هذا البنيان ما لم تكن متماسكة مرتبطة ارتباطا وثيقا باللبنات الأخرى فإنها ستعرض البناء للخطر وربما للإنهيار ولبنات الإسلام حيث كانت فإنها كيان واحد تجده في الحياة روح واحدة هي روح الإيمان التي لا تعرف لوناً أو أرضا أو لسانا، ولقد كانت نظرة الإسلام العلمية في هذا الجانب نظرة واقعية، فعالج في أبناء هذه الأمة أسباب الضعف والتفكك، ودعاها إلى الأخذ بوسائل القوة، وجاءت تشريعاته من عقائد وعبادات وأخلاقيات ومعاملات تؤكد هذا المعنى في الأمة وتجمعها على كلمة سواء، وكان أهم ما عني به: حق الجوار ورعاية حرماته والتعاون معه حرصاً على سلامة هذا البنيان وحماية له من كل ما يوهن من قوته، والقرآن الكريم يعلن أن أمة الإسلام أمة واحدة والمؤمنون بهذا الدين إخوة دون نظر إلى لسان أو لون أو أرض ،قال تعالى "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" (النساء:1).والقرآن الكريم يفرض على أبنائه الإحسان إلى الجار قريبا كان أو بعيدا فمن حق الجار على جاره أن يكون له في الشدائد عونا، وفي الرخاء أخاً يَأْسى لما يؤذيه، ويفرح لما يسره ويرضيه ينفس كرباته ويقضي حاجاته ويسانده إذا استعان به يأخذ بيده إذا أظلمت في وجهه الحياة ويرشده إذا ظل أو أخطأ الطريق ويهنئه إذا أصابه خير، ويبصره إذا ظلم، ويدفع عنه الأذى، وقد بالغ الإسلام في تحذير أولئك الذين لا يرعون حق الجار حين أعلن أن المسلم الذي لا يهتم بشأن جاره ولا يألم لألمه ولا يحس بإحساسه، قد جافى خلق أهل الإيمان فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم" صححه الألباني في الأدب المفرد.

والإحسان إلى الجار برهان قوي على الإيمان بالله ودليل عملي على صدقه والجار المؤمن يحب لجاره ما يحب لنفسه ويكره له ما لا يحب لشخصه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلمهنّ من يعمل بهنّ؟، قال أبو هريرة فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسًا، قال:اتّق المحارم تكُن أعبدَ النّاس، وارضَ بما قسَم الله لك تكُن أغنى النّاس، وأَحسن إلى جارك تكُن مؤمنًا، وأحِبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مُسلمًا، ولا تُكثر الضّحك فإنّ كثرةَ الضّحك تُمِيتُ القلب. رواه أحمد، والتّرمذي، وحسّنه الألباني.

وإذا كان المفروض في الجار أن يكون باراً بجيرانه فما أشد ما توعد به النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الذين يسيئون إلى جيرانهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه"متفق عليه. نعم فالمؤمنون في أخلاقهم كرماء وفي معاملتهم سمحاء، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره"صححه شعيب الأرناؤوط . والمسلم الذي ينتسب إلى الإسلام ويؤدي واجباته ما لم يثمر في سلوكه الخلق الكريم والمعاملة الطيبة للمسلمين فلا خير فيه ولا أثر لعبادته روى أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غيرَ أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار قيل يا رسول الله فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها قال: هي في الجنة"رواه أحمد وصححه الألباني. ويقول عليه السلام "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"متفق عليه. وليس الجار فقط بالقريب الذي يلاصقك في المنزل أو يكون إلى جانبك في العمل أو السفر فقط، ولقد بلغ من أخلاق المسلمين الأول في معاملتهم لجيرانهم أنهم كانوا يرون في الجار العوض عن كل ما يفقدون والساعد الذي يواجهون به الشدة ومن ثم لم يكونوا يؤثرون بالجوار الصالح مالاً ولا عرضاً من الدنيا .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وبعد:

إن الجوار الصالح له مكانته عند العقلاء فهم لا يعدلون به شيئاً ففيه أنس وحشتهم وراحة بالهم واستقرار حياتهم وبه الأمن على كل مرتخص وغالٍ عندهم إنه غناهم حين يفتقرون وغياثهم في الخطوب وعدتهم للنوازل والكروب

هذه هي الأخلاق الإسلامية التي ربى عليها الإسلام أبناءه فكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فيحمل غنيهم فقيرهم ويعين قويهم ضعيفهم لا شحناء ولا بغضاء ولا ضغائن ولا أحقاد ربط الود بين مشاعرهم وجمع الإيمان أفئدتهم فهم أسرة واحدة وإن تفرقت الأنساب واختلفت الأجناس إنهم الواقع المتجسد للحديث الشريف الذي يرويه النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.رواه مسلم. فما أجمل أن يتخلق المسلمون بهذا الخلق ويأخذوا أنفسهم بهذا المبدأ ويستنوا بسنة أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم فيكونوا مع جيرانهم الأخيار الأطهار الذين يرجى نفعهم ويؤمن شرهم ويطمئنون في الشدائد إليهم

إن المسلمين بين يدي تعاليم السماء وأدب هذا الدين الرفيع الذي أخذ به أبناءه في معاملة الجار عليهم أن يتذكروا أن سعادتهم رهن بمقدار استمساكهم بهذه التعاليم وأن سكينتهم وأمنهم في الاعتصام بها والاستمساك بحبلها وأن واجبهم أن يأخذوا أنفسهم بهذه التعاليم خصوصاً ما كان منها متعلقاً بالجار فالفرد بجانبه آخر والأمة تجاورها أمة أخرى

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" (الأحزاب:56). وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم فقهنا في ديننا وعلمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا اللهم اجعلنا خير الجيران لجيرانهم ممن يقومون بواجب جيرانهم اللهم اعنا على القيام بحقوقهم واجعلنا مع جيراننا مترابطين متحابين اللهم لا تجعل لنا جار سوء لا يقوم بحق جاره ، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى ، ووفق جميع ولاة أمر المسلمين لمرضاتك والعمل بكتابك وبسنة نبيك، "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" (البقرة 201)

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم" وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون." (العنكبوت:45).

1434-12-19 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي