عيد الأضحى 1

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 9 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 2391 القسم: خطب العيدين

الحمدُ لله ، والله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، و الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر عدد ما أحرم الحجاج من الميقات ، وعدد ما رفعوا بالتلبية لله الأصوات ، الله أكبر عدد ما دخل الحجاج مكة ونزلوا بتلك الرحبات ، الله أكبر عدد ما طافوا بالبيت العتيق وعظموا الحرمات ، الله أكبر عدد ما خرجوا إلى منى ووقفوا بعرفات ، وعدد ما باتوا بمزدلفة وعادوا إلى منى للمبيت ورمي الجمرات، الله أكبر عدد ما أراقوا من الدماء وحلقوا من الرءوس تعظيماً لفاطر الأرض والسموات ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: إن الدين الذي شرع لنا العيد لم يجعل منه مناسبة يتحلل فيها المؤمن من قيود العبادة . فالمؤمن عبدٌ لله في جميع ظروفه وسائر أحواله والدين لا يريد للعبد أن يفقد الصلة بربه لحظة من ليل أو نهار وإنما تجري الأمور في تصور الدين على أن الحياة يضع المؤمن فيها - بعد كل مرحلة من مراحلها رحالَه - كما يلتقط أنفاسَه ويهدِّئ أعصابه المشدودة ثم هو يسـتأنف بعد راحته القصيرة رحلة أخرى من مراحل الجهاد الروحي والحياة الخاشعة النقية من أجل هذا حفل العيد في نظر الدين بالكثير من الوصايا والشعائر والمناسك التي تجعل له رسالة اجتماعية إلى جانب أنه مناسبة إسعاد وبهجة لأبناء الأمة الإسلامية على اختلاف الأعمار والمستويات وقد ربط الدين العيد بقيمة من القيم الاجتماعية هي التضحية والتضحية في أبسط معانيها تنازل الفرد عما يملك مما لا يحتاج إليه لمن لا يملك شيئاً وهو في حاجة إليه ولكنها في ثوبها الإسلامي المنشود تعني أن يذبح القادر أضحية يوزع منها قدراً على الفقراء ويهدي قدراً لذوي الأرحام والأصدقاء ويوسع على عياله يطعمهم ويدخر إذا شاء فالعلاقات الاجتماعية في يوم العيد كما يريد لها الدين علاقات ود وعطاء وحب وصفاء علاقات سخاء نفسي ومادي يتمثل في توزيع قدر محدد من الأضحية على الأحباب من الفقراء والأقرباء وعلاقات رضا نفسي ومادي لدى أولئك الآخذين وتلك حالة من التواصل الاجتماعي المحمود تضفي على العيد معنى اجتماعياً وتمنحه طاقة من الحيوية مصدرها التضحية الكريمة في يوم شاء الله له أن يكون كريماً فالأضاحي شعيرة من شعائر الله بالنسبة إلى الحجيج في مكة وغير الحجيج في سائر البلاد يتقرب إلى جانب ما يصيبهم بفضلها من خير حين تتقارب قلوب الفقراء والأغنياء وحين تنتفي من المجتمع صورة العوز والفاقة فيشبع من لم يكن يشبع كما تختفي تبعاً لذلك صورة الحقد الاجتماعي الذي يتجلي في أبشع صوره عندما يحس المحتاج أن القادر لم يبال به ولم يلتفت إلى حاجته فشبع وتركه بائساً وتلك هي اللحمة التي عبر عنها الله سبحانه بقوله " لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ " الحج 37 ، فاللحوم والدماء تنالكم أنتم وتتعاطونها فيما بينكم أما ما ينتج عن هذه التضحية فإن أعظم ما فيه صلة العبد بربه والتقوى التي تشع من تصرفه على نحو يرضي الله سبحانه فجدير بمن أقبل على الله ونفذ أمره في التضحية بماله أن يضحي بأهوائه أو بنزعاته الشخصية التي حتمت عليه من قبل أن يخاصم فلاناً أو أن يبغض فلاناً فالمال أهون ما يضحي به الإنسان غير أن التضحية بالأهواء وبالنوازع هي أعسر شيء يتكلفه المسلم في العيد ولكنه ليس عسيراً على من يسره الله عليه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .

هذا ، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة على الهادي الأمين ، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .

عباد الله: إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر وهو عيد الأضحى والنحر هو يوم الحج الأكبر لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسك الحج يرمون الجمرة الكبرى ويذبحون الهدايا ويحلقون رءوسهم ويطوفون بالبيت ويسعون بين الصفا والمروة وهو عيد الأضحى والنحر لأن الناس يضحون فيه وينحرون هداياهم ، وما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله من إراقة دمٍ وهذه الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام وإنها لسنة مؤكدة وإن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها لما فيها من تطبيق السنة والأجر العظيم ومحبة الله لها فضحوا أيها المسلمون عن أنفسكم وعن أهليكم متقربين بذلك إلى ربكم متبعين لنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فقد ضحى عنه وعن أهل بيته ومن كان منكم لا يجد الأضحية فقد ضحى عنه النبي صلى الله عليه وسلم جزاه الله عن أمته خيرا وإذا كان منكم أحد يريد أن يتبرع بالأضحية عن والديه فلا يحرم نفسه وذريته وأهله منها وفضل الله واسع وتجزئ الشاة عن واحد والبدنة والبقرة عن سبعة وللإنسان أن يشرك في ثواب أضحيته من شاء سواء كانت شاة أم سبع بدنة أم سبع بقرة وأفضل الأضاحي البدنة ثم البقرة ثم الشاة والكبش أفضل أجناس الغنم ويسن استسمان الأضحية واستحسانها لقوله تعالى " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " الحج 32 ، ولا تجزيء الأضحية إلا من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنُها ومعزُها ولا تجزيء الأضحيةُ إلا بما بلغ السنَّ المعتبرَ شرعاً وهي ستةُ أشهرٍ في الضأن وسنةٌ في المعز وسنتان في البقر وخمسُ سنواتٍ في الإبل.

ولا تجزيء الأضحية إلا بما كان سليماً من العيوب التي تمنع من الإجزاء فلا يضحي بالعوراء البين عورها وهي التي نتأت عينها أو غارة ولا بالعرجاء البين ضلعها وهي التي لا تستطيع المشي مع السليمة ولا بالمريضة البين مرضها وهي التي ظهرت آثار المرض عليها بحيث يعرف من رآها أنها مريضة من جرب أو جروح أو غيرها ولا بالهزيلة التي لا مخ فيها ، هذا ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : " أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُئِلَ: ماذا يُتَّقى مِن الضَّحايا؟ فقال: أربعٌ: العَرجاءُ البَيِّنُ ظَلَعُها، والعَوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والمَريضةُ البَيِّنُ مَرضُها، والعَجفاءُ التي لا تُنقي " صححه شعيب الأرناؤوط .

ويلحق ما كان مثلَها أو أشدَّ فلا يضحي بالعمياء ولا بمقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين ولا بما أصابها أمر تموت به كالمجروحة جرحاً خطيراً أو المنخنقة أو المتردية من جبل ولا بمقطوعة الإلية من الضأن ، وتجزئ الأضحية بمقطوعة الأذن أو مشقوقتها أو مكسورة القرن أو مقطوعة الذنب من الإبل والبقر والمعز ، وتجزئ الأضحية بما نشف ضرعها من كبر أو غيره إذا لم تكن مريضة مرضاً بيناً ، ويجزئ الخصي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوئين والوجأ رض الخصيتين ، وكلما كانت الأضحية أكملَ في ذاتها وصفاتها وأحسنَ منظراً فهي أفضلُ وإذا تعينت أضحيةٌ تعلق بذلك أحكام أحدها : لا يجوز نقل المِلْك فيها ببيع ولا هبةٍ إلا أن يبدلها بخير منها.

ثانياً: لا يجوز أن يتصرف فيها تصرفاً مطلقاً فلا يركبها بدون حاجة ولا يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها.

ثالثاً: إذا حدث بها عيب يمنع الإجزاء ذبحها وأجزأته بشرط ألا يكون هو سبب إحداث العيب.

رابعاً: إذا عين أضحية فولدت فولدها تابع لها حكمه حكمها سواء كان حملاً حين التعيين أو حدث بعده يذبح ولدها معها لأنه صار أضحية على وجه التبع لأمه.

خامساً: إذا أوجب أضحية ثم مات لم يجز بيعها.

والذبح يبدأ بعد صلاة العيد والأفضل أن ينتظر حتى يفرغ الإمام من الخطبتين وينتهي الذبح بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر وأفضلها يوم العيد والذبح في النهار أفضل ويجوز في الليل

ومن لا يحسن الذبح فالأفضل أن يحضر ذبحها ويقول إذا أضجعها للذبح بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك اللهم هذه عن فلان أو فلانه وإذا ذبحها ونوى من هي له ولم ينطق باسمه أجزأت النية لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " رواه البخاري ومسلم ، ولكن النطق باسم من هي له أفضل اتباعاً للسنة.

ولا بد من ذكر اسم الله عند الذبح مع إنهار الدم وذلك بقطع الحلقوم وهو مجرى النفس والمريء وهو مجرى الطعام وقطع الودجين وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم يثعب منهما الدم. والأفضل نحر الإبل من أسفل الرقبة وذبح البقر والغنم من أعلى الرقبة أي مما يلي الرأس. واذبحوا برفق وحدوا السكين ولا تحدوها وهي تنظر ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها وأمروا السكين بقوة وسرعة وأضجعوها على جنبها الأيسر أو الأيمن على حسب ما يتيسر لكم ويكون أريح لها ولا تلووا يدها على عنقها من خلفها عند الذبح فإن ذلك تعذيب لها وإيلام بلا فائدة واحذروا من سلخها أو كسر رقبتها قبل أن تموت وكلوا من الأضاحي وأهدوا وتصدقوا ولا تعطوا الجزار أجرته منها بل أعطوه أجرته من عندكم وأعطوه من الأضحية إن شئتم هدية إن كان غنياً أو صدقة إن كان فقيراً.

عباد الله: أوصيكم بتقوى الله وطاعة ولاة أمر المسلمين واحذروا من الفرقة ومعصية ولاة الأمر قال تعالى "يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" النساء 59 ، وقال صلى الله عليه وسلم " من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية " رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجبٌ على الإنسان وإن لم يعاهدهم عليه ".

عباد الله : اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخيرَ الهدي هديُّ محمدٍ ، صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتُها وإيَّاكُم والإنحرافَ خلفَ التيارات المنحرفة التي تصدكم عن دينكم وتعوقكم في السير إلى ربكم خلف نبيكم فإن كل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة.

اللهم حبب إلينا الإيمانَ وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيانَ واجعلنا من الراشدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين ودمرْ أعداءَ الدين وانصر عبادَك الموحدين وأعلِ بفضلك كلمتي الحقِّ والدينِ وانصرْ المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعادِ من عاداهم ووالِ من والاهم واجمع شملَ المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم واكفف عنهم شرارَهم اللهم فكَّ أسر المأسورين واغفر ذنبَ المذنبين واقبل توبة التائبين ، اللهم وفق وليّ أمرنا لما تحب وترضى واحفظ جنودنا على ثغورنا ، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياءِ منهم والميتين ،واجعل قبورَهم روضةً من رياض الجنة وجازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وإحسانا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

8 - 10 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية