عيد الأضحى 7

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 27 جمادى الأولى 1439هـ | عدد الزيارات: 1867 القسم: خطب العيدين

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، خلق الخلق وأبدع الكائنات، الله أكبر شرع الدين وأحكم التشريعات، الله أكبر كلما ارتفعت بطلب رحمته الأصوات، الله أكبر كلما سكب الحجيج العَبَرَات ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله المحمود على كل حال، الموصوف بصفات الجلال والكمال ، المعروف بمزيد الإنعام والإفضال، أحمده سبحانه وهو المحمود في كل آن وعلى كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صادق المقال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل.

أما بعد :

فيا أيها المسلمون ؛ إن دين الله الإسلام بني على أسس وقواعد ثابتة، دين من عند ربنا يرسم الأحكام والنظام، تتلاقى فيه أحكام الشريعة مع نزاهة المشاعر، وتتوازن فيه الأوامر مع الزواجر، دين كامل شامل يخاطب العقل والقلب، هو الهدى المغني عن التجارب، وهو الصراط الحق الواقي من الكبوة، أحكام الإسلام لا يختلف فيها صحيح النقل مع صريح العقل، ولا يتناقض فيها الوحي مع سليم الفكر، صفاء المعتقد والإيمان بالله هو أساس الفضائل ولجام الرذائل، يحتم على أهله الدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، مصدره كتاب هداية جامع للسلوك الإنساني الصحيح، جمع كل شيء وما فرط فيه من شيء، والسعادة الحقة لا تكون إلا في صدق الإيمان والارتباط الصادق المخلص بالواحد الديان، ومن قل نصيبه من الإيمان اختلت استقامته واعوجت سيرته فتراه لا يحمل رسالة ولا يقيم دعوة، ينحرف عند أدنى محنة ويضل عند أدنى شبهة ويزل لأول بارقة شهوة، دينه ما تهوى نفسه، وعقيدته ما يوافق هواه، قد لا ينقصه علم أو رجاحة عقل ولكن يفوته التوفيق والصواب.

أيها المسلمون :

للصلاة في دين الله المنزلةٌ العالية والرتبة السامية، فهي عمود الإسلام وركن الملة ورأس الأمانة، بها صلاح الأعمال والأقوال، أداؤها نور في الوجه والقلب وصلاح للبدن والروح، تطهر القلوب وتكفر السيئات، تجلب الرزق والبركة (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعـاقبة للتقوى) طه: 132

ومن المحافظة عليها أمر الأهل والأقربين بها والأخذ على يد المفرط منهم، وإن من أعظم المصائب وأقبح المعايب ترك الصلاة، من تركها عظمت عقوبته وطالت حسرته وندامته، وليس بعد ضياعها والتفريط فيها إسلام .

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .

في طيب المكسب وصلاح المال سلامة الدين وصون العرض، فلا تأكل إلا حلالا، ولا تنفق مالك إلا في حلال، قال بعض السلف: " لو قمت في العبادة قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل إلى جوفك "، أكل الحرام يعمي البصيرة وينزع البركة ويجلب الفرقة والشحناء ويحجب الدعاء، ولتكن النفوس بالحلال سخية، والأيدي بالخير ندية، يقول عليٌّ ، رضي الله عنه ، في نهج البلاغة "من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام لله فيها بما يجب عليه عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم لله بما يجب عليه عرضها للزوال والفناء "، ومن وفق لبذل معروف أو أداء إحسان فليكن ذلك بوجه طلق وبشاشة مظهر.

وإن من خيار بيوت المسلمين بيتاً فيه يتيمٌ يُحسن إليه، وخفضُ الجناح لليتامى والبائسين دليلُ الشهامة وكمالِ المروءة ، ويَحفظ بإذن الله من المحن والبلايا.

أمةَ الإسلام ؛ الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر سياجٌ متينٌ تقوم به الأمة لتحفظ دينها ويدوم خيرُها، فتَحفظ الصالح من أمورها وشئونها وتقضي على السيئ والفاسد من أحوالها وأوضاعها ولا تُستوفى أركان الخيرية لهذه الأمة إلا به (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران 110، بدونه تضمحل الديانة وتعم الضلالة وتفسد الديار ويهلك العباد

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

الغيبة مظهر من مظاهر الخلل في المجتمع ودليل على ضعف الديانة، يقول الحسن البصري رحمه الله: "واللهِ للغيبة أسرع في دين الرجل من الأكَلة في الجسد" (أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والنميمة (ص: 21) وفي الصمت (ص:129) المبتلى بها ذو قلب متقلب وفؤاد مغتم انطوى على بغض الخلق قلبه، مؤتفك مريض، يحسد في السراء، ويشمت في الضراء، على الهم مقيم، وللحقد ملازم يقول عبد الله بن المبارك المروزي رحمه الله: "فِر من المغتاب فرارك من الأسد" ذو الغيبة صفيق الوجه لا يحجزه عن الاغتياب إيمان، ولا تحفظه مروءة، إن لكل الناس عورات ومعايب وزلات ومفالت، فلا تتوهم أيها المغتاب أنك علمت ما لا يعلم غيرك أو أنك أدركت ما عجز عنه غيرك، فظُن الخير بإخوانك، واعمل عمل رجل يرى أنه مجاز بالإحسان مأخوذ بالإجرام، والموفق من شغله عيبه عن عيوب الناس، ومن عزت عليه نفسه صانها وحماها، ومن هانت عليه أطلق لها عنانها وأرخى زمامها فألقاها في الرذائل ولم يحفظها من المزالق

أيها المسلمون

رحم الإنسان هم أولى الناس بالرعاية، وأحقهم بالعناية، وأجدرهم بالإكرام والحماية، صلتهم مثرات في المال، ومنسأة في الأثر، وبركة في الأرزاق، وتوفيق في الحياة وعمارة للديار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري ، ومسلم .

صلتهم أمارة على كرم النفس وسعة الأفق وطيب المنبت وحسن الوفاء، ومعاداة الأقارب شر وبلاء، الرابح فيها خاسر، والمنتصر مهزوم

واجعل عيد هذا اليوم منطلق لوأد القطيعة وطي صحيفة الشقاق والنزاع لوأدها مجالات واسعة يسيرة، فمن بشاشة عند اللقاء ولين في المعاملة إلى طيب في القول وطلاقة في الوجه، زيارات وصلات، تفقد واستفسار، مهاتفة ومراسلة، والرأي الذي يجمع القلوب على المودة، كف مبذول، وبِر جميل، وإذا أحسنت القول فأحسن الفعل

" من عمل صـالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" النحل: 97

بارك الله لنا في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لنا ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .

أما بعد:

أيها المسلمون ؛ إن من أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام الأضاحي، يقول عز وجل (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين) الحج:37، ويبدأ وقت ذبحها من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر، ويجزئ من الإبل ما تم له خمس سنين، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن المعز ما تم له سنة، ومن الضأن ما تم له ستة أشهر، وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة والبقرة عن سبعة من المضحين، وأفضل كل جنس أسمنه وأغلاه ثمنا، والسنة أن يذبحها المضحي بنفسه، ولا يجوز أن يعطي الجزار أجرته منها إلا ما كان هدية، والرسول صلى الله عليه وسلم حدد ما لا تجزئ من الأضاحي، فعن البراء بن عازب قال ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها والكسيرة التي لا تنقي) رواه مسلم

وكلوا من الأضاحي واهدوا وتصدقوا وانبذوا عن أنفسكم الشح والبخل، والأضحية سنة مؤكدة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عن أمته

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

زينوا عيدكم بالتكبير وعموم الذكر، وأدخلوا السرور على أنفسكم وأهليكم، واجعلوا فرحتكم بالعيد مصحوبة بتقوى الله وخشيته، ولا تنفقوا أموالكم أيام العيد فيما حرم الله.

وإذا غدا المصلى لصلاة العيد من طريق سن له أن يرجع من طريق آخر، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد .

معاشر النساء ؛

إنَّ من شكر الله تعالى في حقكن أن تلتزمن بأدب الإسلام (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجـاهلية الاولى وأقمن الصلوة وءاتين الزكـوة وأطعن الله ورسوله) الأحزاب:32، 33 ، وأطعْنَ أزواجكنَّ بالمعروف واحفظن أعراضكن والتزمن بالحجاب الشرعي بحشمة وعفة، وتصدقن ولو من حليكن

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل (إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب:56، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، الصهاينة الغادرين يا قوي يا عزيز يا رب العالمين، اللهم طهر المسجد الأقصى من دنسهم

اللهم أدم على بلاد الحرمين الشريفين أمنها ورخاءها وعزها واستقرارها، ووفق قادتها لما فيه عز الإسلام والمسلمين وخدمة الحجاج والزوار والمعتمرين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الحدود، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظهم وانصرهم يا رب العالمين، اللهم سدد رميهم، وقوِ عزائمهم واكبت عدوهم يارب العالمين، اللهم تقبل من قتل منهم في الشهداء، واشفِ من أصيب منهم يا سميع الدعاء واحفظهم يا رب العالمين

اللهم عليك بالمتسللين المعتدين الباغين الظالمين الحاقدين الحاسدين يا قوي يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم وأدم الأمن والاستقرار على جميع بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا وقائدنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، وهيأ له البطانة الناصحة الصادقة التي تدله على الخير وتعينه عليه يا رب العالمين، اللهم احفظه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، ومتعهما بالصحة والعافية يا قوي يا عزيز يا رب العالمين

اللهم تقبل من الحجاج حجهم ، اللهم اجعل حجهم مبرورا ، وذنبهم مغفورا، اللهم حقق لهم من الآمال أعلاها، ومن الخيرات أقصاها يا أرحم الراحمين، اللهم أعدْهم إلى أوطانهم سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا وفك أسرانا وارحم موتانا وانصرنا على من عادانا يا أرحم الراحمين.
عباد الله: (إِن اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلكُمْ تَذَكرُونَ) النحل: 90

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، " ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون " العنكبوت 45

1439-05-26 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة