الدرس136 :باب قول الله تعالى:فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 25 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1554 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قال المصنف "قال ابن مسعودٍ : لأن أحلفَ باللهِ كاذبًا أحبّ إليّ من أن أحلفَ بغيرهِ صادقًا".

ذكر المصنف هذا الأثر عن ابن مسعود ولم يعزه وقد ذكره ابن جرير غيرَ مسند أيضا، ورواه الطبراني في المعجم الكبير وابن أبي شيبة في مصنفه وعبد الرزاق في مصنفه أيضا بإسناد موقوف هكذا، وقال المنذري: ورواته رواة الصحيح ، وصححه الألباني في إرواء الغليل عن وبرة بن عبد الرحمن.

قوله: "قال ابن مسعود" هو :أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهُذلي حليف بني زهرة (المتوفى سنة 32 هـ) صحابي وفقيه ومقريء ومحدث، وأحد رواة الحديث النبوي، وهو أحد السابقين إلى الإسلام، وواحد ممن هاجروا الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وممن أدركوا القبلتين، وهو أول من جهر بقراءة القرآن في مكة. وقد تولى قضاء الكوفة وبيت مالها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصدر من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

قول ابن مسعود رضي الله عنه "لأنْ أحلفَ باللهِ كاذبًا أحبّ إليّ من أن أحلفَ بغيرهِ صادقًا"، رجح ابن مسعود الحلف بالله كاذبا على الحلف بغيره صادقا؛ لأن الحلف بالله توحيد والحلف بغيره شرك ، وإن قدر الصدق في الحلف بغير الله فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك ، ذكره شيخ الإسلام.

وفيه دليل على أن الحلف بغير الله صادقا أعظمُ من اليمين الغموس، وفيه دليل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وفيه شاهد للقاعدة المشهورة وهي: (ارتكابُ أقلِّ الشرَّيْنِ ضررا إذا كان لابدَّ من أحدهما)

قوله "وعن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقولوا: ما شاء اللهُ وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء اللهُ، ثم شاء فلانٌ." رواه أبو داود بسند صحيح .

الحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود ، وقوله "وعن حذيفة رضي الله عنه"هو حذيفة بن اليمان العبسي الغطفاني القيسي، صحابي جليل ولد في مكة وعاش في المدينة المنورة ومات سنة36 هجرية في المدائن.

قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تقولوا": "لا": ناهية، ولهذا جُزم الفعل بعدها بحذف النون.

"ما شاء الله وشاء فلان"الواو تقتضي المساواة والتشريك فلا تجوز . "ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاءَ فلانٌ": لما نهى عن اللفظ المحرم بيّن اللفظ المباح؛ لأن (ثُمَّ) للترتيب والتراخي، فتفيد أن المعطوف أقل مرتبة من المعطوف عليه.

ويستفاد من هذا الحديث فائدتان:

الأولى: النهي عن عطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق بالواو ، وجواز عطفها ب(ثم)؛ لأن الواو تقتضي التشريك ،و(ثم) تقتضي الترتيب والتراخي؛ فتجعل مشيئة المخلوق بعد مشيئة الخالق ومترتبة عليها.

الثانية : فيه دليل على إثبات المشيئة للمخلوق ؛ رداً على الجبرية الذين يقولون إن المخلوق ليس له مشيئة، وإنما هو مجبر ومسيَّر ، وهذا مذهب باطل، فالمخلوق له مشيئة لكنها بعد مشيئة الله ، قال الله تعالى:"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ "(التكوير29)

قول المصنف " وجاء عن إبراهيم النخعي: أنه يكره: أعوذ بالله، وبك، ويجوز أن يقول: بالله، ثم بك، ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا: لولا الله، وفلان."

(إبراهيم النخعي):هو الإمام الحافظ فقيه العراق أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن (النخع) النخعيّ اليمانيّ ثم الكوفي أحد الأعلام وهو ابن ملكية أخت الأسود بن يزيد ،روى عن خاله ومسروق وعلقمة بن قيس وعبيدة السلماني وأبي زرعة البجلي وخيثمة بن عبد الرحمن والربيع بن خثيم وأبي الشعثاء المحاربي وسالم بن منجاب وسويد بن غفلة والقاضي شريح وشريح ابن أرطاة وأبي معمر عبد الله بن سخبرة وعبيد بن نضيلة وعمارة بن عمير وأبي عبيدة بن عبد الله وأبي عبد الرحمن السلمي وخاله عبد الرحمن بن يزيد وهمام بن الحارث وخلق سواهم من كبار التابعين.


قول المصنف:" وجاء عن إبراهيم النخعي أنه يكره أعوذ بالله وبك".

الاستعاذة نوع من أنواع العبادة لا يجوز صرفها إلا لله ، فلا يجوز أن تقول : أعوذ بالله وبك؛ لأنك إذا قلت هذا شركت بين الخالق والمخلوق والتجأت إليهما جميعا، وهذا شرك ، والصحيح أن تقول : أعوذ بالله ثم بك ؛ لأن (ثم) تجعل الالتجاء إلى المخلوق بعد الالتجاء إلى الخالق، فالمخلوق يلتجأ إليه فيما يقدر عليه وهو حي .

قول المصنف : فيه مسائل :
الأولى: تفسير آية البقرة في الأنداد ، وهي قوله تعالى :" فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ "(البقرة22)

الثانية : أن الصحابة يفسرون الآية النازلة في الشرك الأكبر أنها تعم الأصغر: لأن قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. نازلة في الأكبر؛ لأن المخاطب بها هم المشركون، وابن عباس فسرها بما يقتضي الشرك الأصغر; لأن الند يشمل النظير المساوي، على سبيل الإطلاق، أو في بعض الأمور
الثالثة أن الحلف بغير الله شرك: لحديث ابن عمر رضي الله عنهما.

الرابعة : أنه إذا حلف بغير الله صادقا؛ فهو أكبر من اليمين الغموس: واليمين الغموس أن يحلف بالله كاذبا ليقتطع بها مال امرئ مسلم.
الخامسة: الفرق بين الواو وثُمَّ في اللفظ؛ لأن الواو تقتضي المساواة فتكون شركا، وثم تقتضي الترتيب والتراخي فلا تكون شركا.

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/5/23 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر