الدرس الثاني والثلاثون : باب صلاة التطوع ــ دعاء القنوت

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 3 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 2004 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

اللهم اهدنا فيمن هديت أصله يا الله لكن حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وبقيت الله فصارت اللهم وإنما حذفت الياء لكثرة الاستعمال

وقوله "اهدني فيمن هديت" الذي يقول اللهم اهدني فيمن هديت هو المنفرد أما الإمام فيقول اللهم اهدنا وقدر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم قوماً فخص نفسه بالدعاء فقد خانهم أخرجه أحمد

وقوله اللهم اهدني فيمن هديت" أي في جملة من هديت وهذا فيه نوع من التوسل بفعل الله سبحانه وهو هدايته من هدى فكأنك تتوسل إلى الله الذي هدى غيرك أن يهديك في جملتهم كأنك تقول كما هديت غيري فاهدني

والهداية هنا يراد بها هداية الإرشاد وهداية التوفيق فهداية الإرشاد التي ضدها الضلال وهداية التوفيق التي ضدها الغي

فأنت إذا قلت اللهم اهدني تسأل الله الهدايتين هداية الإرشاد وذلك بالعلم

وهداية التوفيق وذلك بالعمل لأنه ليس كل من علم عمل وليس كل من عمل عملاً عن علم وتمام فالتوفيق أن تعلم وتعمل

وقوله "وعافني فيمن عافيت" أي تسأل الله العافية فيمن عافيت أي في جملة من عافيت فكأنك تقول كما عافيت غيري فعافني

والمعافاة المراد بها المعافاة في الدين والدنيا فتشمل الأمرين أن يعافيك من أسقام الدين وهي أمراض القلوب التي مدارها على الشهوات والشبهات ويعافيك من أمراض الأبدان وهي اعتلال صحة البدن والإنسان محتاج إلى هذا وهذا وحاجته إلى المعافاة من مرض القلب أعظم من حاجته إلى المعافاة من مرض البدن ولهذا يجب علينا أن نلاحظ دائماً قلوبنا وننظر هل هي مريضة أو صحيحة وهل صدئت أو هي نظيفة فإذا كنت تنظف قلبك دائماً في معاملتك مع الله وفي معاملتك مع الخلق حصلت خيراً كثيراً وإلا فإنك سوف تغفل وتفقد الصلة بالله وحينئد يصعب عليك التراجع فحافظ على أن تفتش قلبك دائماً فقد يكون فيه مرض شبهة أو مرض شهوة وكل شيء ولله الحمد له دواء فالقرآن دواء للشبهات والشهوات فالترغيب في الجنة والتحذير من النار دواء الشهوات وأيضاً إذا خفت أن تميل إلى الشهوات في الدنيا التي فيها المتعة فتذكر متعة الآخرة ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يعجبه من الدنيا قال "اللَّهُمَّ إنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ" أخرجه البخاري ومسلم من أجل أن يكبح جماح النفس حتى لا تغتر بما شاهدت من متع الدنيا فيقبل على الله ثم يوطن النفس لا عيش الدنيا ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

والله إن العيش عيش الآخرة فإنه عيش دائم ونعيم لا تنغيص فيه بخلاف عيش الدنيا فإنه ناقص منغص زائل

أما عافية الأبدان فطبها نوعان

النوع الأول : طب جاءت به الشريعة فهو أكمل الطب وأوثقه لأنه من عند الله الذي خلق الأبدان وعلم أدواءها والطب الذي جاءت به الشريعة ضربان

الأول : طب مادي كقول الله تعالى في النحل "يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ" وكقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء "إنهاء شفاء من كل داء إلا السام" أخرجه البخاري ومسلم

وكقوله صلى الله عليه وسلم في الكمأة "الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ" أخرجه البخاري ومسلم

الضرب الثاني : طب معنوي روحي وذلك بالقراءة على المرضى وهذا قد يكون أقوى وأسرع تأثيراً . أنظر إلى رقية النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى أن المريض يشفى في الحال

فإنَّ رَسولَ اللّهِ ﷺ قالَ يَومَ خَيْبَرَ "لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ قالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ: أيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟ فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ: أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ فقِيلَ: هو يا رَسولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قالَ: فأرْسَلُوا إلَيْهِ فَأُتِيَ به فَبَصَقَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَيْنَيْهِ ودَعَا له فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ" أخرجه البخاري ومسلم

وكذلك أيضاً في قصة السرية الذين استضافوا قوماً فلم يضيفوهم فتنحوا ناحية فقدر الله عز وجل أن تلدغ عقرب زعيم هؤلاء القوم الذين أبوا أن يضيفوا الصحابة فلما لدغ قالوا من يرقي ؟ قال بعضهم لبعض انظروا الجماعة الذين نزلوا عليكم ضيوفاً ولم تضيفوهم لعل فيهم قارئاً فذهبوا إليهم فقالوا نعم فينا من يقرأ لكن لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما نقرأ عليكم إلا بجعل فجعلوا لهم قطيعاً من الغنم فذهب أحدهم يتفل ويقرأ على هذا اللديغ سورة الفاتحة فقط يكررها فقام اللديغ الذي لدغته عقرب كأنما نشط من عقال فلما غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه فقال للقارئ "وما يدريك أنها رقية" أخرجه البخاري ومسلم

وهذا طب نبوي لكنه معنوي بالقراءة وما أكثر الذين نشاهدهم ونسمع بهم يؤثرون تأثيراً بالغاً في المرضى أشد من تأثير الطب المادي الذي يدرك بالتجارب

النوع الثاني : طب مادي يعرف بالتجارب وهو ما يكون على أيدي الأطباء سواء درسوا في المدارس الراقية وعرفوا أو أخذوه بالتجارب لأنه يوجد أناس من عامة الناس يجرون تجارب على بعض الأعشاب ويحصل منها فائدة ويكونون بذلك أطباء بدون دراسة لأن هذا يدرك بالتجارب

قوله "وتولني فيمن توليت" أي كن لي ولياً بالولاية الخاصة لأن الولاية العامة شاملة لكل أحد مؤمن وكافر بر وفاجر

فكل أحد فالله تعالى مولاه قال تعالى "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" الأنعام (61-62)

أما الولاية الخاصة فهي المذكورة في قوله تعالى "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا" البقرة(257) وفي قوله تعالى "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" يونس (62)

وقوله "وبارك لي فيما أعطيت" أي أنزل البركة لي فيما أعطيتني من المال والعلم والجاه والولد وكل ما أعطيتني "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" النحل(53) بارك لي في جميع ما أنعمت به علي وإذا أنزل الله البركة لشخص فيما أعطاه صار القليل منه كثيراً وإذا نزعت البركة صار الكثير قليلاً وكم من إنسان يجعل الله على يديه الخير في أيام قليلة ما لا يجعل على يدي غيره في أيام كثيرة

وكم من إنسان يكون المال عنده قليلاً لكنه متنعم في بيته قد بارك الله له في ماله ولا تكون البركة عند شخص آخر أكثر منه مالاً وأحياناً تحس بأن الله بارك لك في هذا الشيء بحيث يبقى عندك مدة طويلة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

14434/4/3 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر