الدرس 79 باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 10 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1736 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،

قال المصنف :" باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله"

قوله رحمه الله " باب ما جاء" أي من الوعيد

(الغلو): هو الزيادة عن الحد المشروع ، و(الغلو في قبور الصالحين)هو الزيادة في تعظيمها ؛ لأن ذلك يؤدي إلى الشرك ، فالمشروع في قبور الصالحين والمسلمين عموما احترامها وعدم إهانتها ، وصيانتها عن الأذى ، وزيارتها للسلام على الأموات والدعاء لهم والاعتبار بأحوالهم ، أما الغلو : فهو قصدها للتبرك أو الدعاء عندها أو الصلاة عندها رجاء الإجابة فهذا غير مشروع ، لأنه وسيلة إلى الشرك .

قوله :" يصيرها " أي يجعلها في المستقبل وعلى امتداد الزمان .

قوله :" أوثانا تعبد من دون الله " جمع وثن ، والوثن ما عبد من دون الله من قبر أو شجر أو حجر ، أما الصنم فهو ما عبد من دون الله وهو على صورة إنسان أو حيوان.

وفي صحيح مسلم قال عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ لأبي الهياج الأسدي: " أَلَا أَبْعَثُكَ علَى ما بَعَثَنِي عليه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؟ أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ.[وفي رواية]: وَقالَ: وَلَا صُورَةً إلَّا طَمَسْتَهَا. ".
والقبر المشرف هو الذي يتميز عن سائر القبور فلا بد أن يسوى ليساويها لئلا يظن أن لصاحب هذا القبر خصوصية ولو بعد زمن إذ هو وسيلة إلى الغلو فيه

قال المصنف رحمه الله :" روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اللهم لا تَجْعَلْ قبري وثنًا يُعْبَدُ، اشتد غضبُ اللهِ على قومٍ اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ " .

هذا الحديث يرويه الإمام مالك في " الموطأ " (رقم/593- طبعة مؤسسة زايد آل نهيان، ورقم/414- طبعة دار إحياء التراث تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) في أوائل باب " جامع الصلاة "، عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) ، وصححه الألباني في كتاب تخريج مشكاة المصابيح عن عطاء، وعطاء بن يسار ليس من الصحابة ، بل من التابعين ، فحديثه مرسل .

قوله :" روى مالك " هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي ، أبو عبد الله المدني إمام دار الهجرة ، وأحد الأئمة الأربعة المجتهدين الذين هم : أبو حنيفة ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، أصحاب المذاهب الأربعة الباقية ، وأحد المتقنين للحديث ، مات سنة (179هـ).

قوله :" في الموطأ " الموطأ كتاب مشهور، قال البخاري عنه: أصحُّ الأسانيد مالك عن نافع عن بن عمر، وفيه مع الأحاديث آثار عن الصحابة ، وفيه أيضا كلام وبحث للإمام مالك نفسه.

وقد شرحه كثير من أهل العلم ، منها "المنتقى" لأبي الوليد الباجي، و "شرح موطأ مالك" للزرقاني ، و "أوجز المسالك إلى موطأ مالك " للكندهلوي، و " تنوير الحوالك " للسيوطي ، غير أن أوسع شروح الموطأ وأحسنها في الرواية والدراية " التمهيد " للإمام ابن عبد البر النمري ،رحمه الله ، إذ فيه علم كثير. ، وسمِّي الموطأ من التوطئة ، وهي التسهيل والتقريب ؛ لأنه رحمه الله ، سهَّله للناس ووطَّأه لهم بترتيبه وتبويبه .


قوله صلى الله عليه وسلم" اللهم لا تَجْعَلْ قبري وثنًا يُعْبَدُ، اشتد غضبُ اللهِ على قومٍ اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ "

أصل (اللهمَّ) يا الله ، فحذفت (يا) النداء ؛ لأجل البداءة باسم الله، وعوّض عنها الميم الدالة على الجمع

(لا) : للدعاء لأنها طلب من الله، و(تجعل) تصير

(وثنًا): الوثن هو الذي يعبد من دون الله.
وإنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ؛ لأن من كان قبلنا جعلوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد وعبدوا صالحيهم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد لأن دعوته كلها بالتوحيد ومحاربة الشرك.
(اشتد غضبُ اللهِ) أي: عظم، وغضب الله صفة حقيقية ثابتة لله عز وجل.

قوله صلى الله عليه وسلم " اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " أي جعلوها مساجد إمَّا بالبناء عليها أو بالصَّلاة عندها، فالصلاة عند القبور من اتخاذها مساجد والبناء عليها من اتخاذها مساجد أيضاً

وقد استجاب الله دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم بأن لا يجعل قبره وثناً يعبد يقول ابن القيم:" إن الله استجاب له فلم يذكر أن قبره صلى الله عليه وسلم جعل وثناً بل إنه حمي بثلاثة جدران فلا أحد يصل إليه حتى يجعله وثناً يعبد من دون الله" .

وصل اللهمَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-3-9هـ



التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر