الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
لقد أباح الشارع التعامل بالبيع والشراء ، إلا أنه قد نهى عن أنواع من البيوع لما يترتب عليها من المفاسد والأضرار ، فمنها ما يلي :
أولا : بيع الرجل على بيع أخيه :
والمراد به أن يتبايع شخصان ، فيأتي شخص آخر فيعرض على المشتري سلعة مثل السلعة التي اشتراها بثمن أقل ، أو سلعة أجود منها بالسعر نفسه ، لكي يفسخ البيع السابق ويشتري منه .
ومثال ذلك : أن يشتري محمد من عبد الله خروفا بخمس مئة ريال ، فيأتي سعيد فيقول لمحمد : عندي مثله بأربع مئة ريال ، أو عندي أطيب منه بخمس مئة ريال .
حكمه : محرم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يبع بعضكم على بيع أخيه " رواه البخاري ومسلم .
ثانيا : شراء الرجل على شراء أخيه :
وهو أن يشتري رجل سلعة ، فيأتي رجل آخر للبائع فيقول له ، أشتريها منك بسعر أعلى ، ومثال ذلك : أن يشتري محمد من عبد الله كتابا بسبعين ريالا ، فيأتي صالح لعبد الله فيقول : أنا أشتريه منك بمئة ريال .
حمكه : حرام ، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المؤمن أخو المؤمن ، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر " رواه مسلم .
عقود مشابهة :
ومثل ما تقدم في الحكم بقية العقود كالإجارة ، والتقدم لعمل أو وظيفة إذا حصل للسابق قبول فهو أحق من غيره ، أما إذا لم يحصل قبول وكان المجال مفتوحا لكل راغب ثم يتم الاختيار ، فلا بأس بالتقدم .
ثالثا : البيع والشراء في المسجد :
البيع والشراء في المسجد حرام ، ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن الشراء والبيع في المسجد " رواه أبو داود .
وفي النهي عن ذلك صيانة للمساجد وإجلال لها ، وكان عطاء بن يسار رحمه الله تعالى إذا رأى من يبيع في المسجد قال : عليك بسوق الدنيا ، وإنما هذه سوق الآخرة .
رابعا : النجْش :
النجش لغة : الإثارة وهو مأخوذ من قولك نجشت الصيد إذا أثرته ، فكأن الناجش يثير كثرة الثمن بنجشه ، أو يثير الرغبة في السلعة .
وشرعا : الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها .
حكمه : حرام ، سواء أكان باتفاق بين الناجش وصاحب السلعة ، أو بينه وبين الدلَّال ، أم كان ذلك بغير اتفاق بينهم بل يزيد فيها من قِبل نفسه ، مع عدم رغبته في الشراء .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش " رواه البخاري ومسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا تناجشوا " رواه البخاري ومسلم .
وإذا حدث النجش فإن البيع صحيح ، وللمشتري الخيار بين رد السلعة أو إمساكه إذا غبن غبنا خارجا عن العادة .
اتفاق الدلَّالين على ترك المزايدة :
وعكس صورة النجش اتفاق الدلَّالين أو غيرهم على ترك المزايدة في السلعة إذا بلغت حدا معينا هو أقل من قيمتها الحقيقية ، وذلك لإيهام البائع أنها لا تساوي أكثر من هذا فيشتروها بثمن أقل من قيمتها الحقيقية .
وهذا حرام لما فيه من المخادعة والتغرير بالبائع .
خامسا : بيع الحلال إذا عُلم أن المشتري يستعين به على الحرام :
يحرم بيع الشيء الحلال إذا عُلم أن المشتري يستعين به على الحرام ، ولذلك أمثلة كثيرة منها : أن يبيع عِنباً لمن يعلم أنه يصنع منه خمرا ، أو سلاحا لمن يعلم أنه يقتل به معصوما ، أو جهازا كالفيديو لمن يعلم أنه يستعمله في الحرام ، وهكذا .
الدليل على التحريم :
قول الله تعالى " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " المائدة 2 .
سادسا : البيع بعد نداء الجمعة الثاني :
يحرم على كل من تلزمه صلاة الجمعة أن يبيع بعد النداء الثاني ، وذلك لأنه مأمور بالسعي لسماع الخطبة وأداء الصلاة .
قال تعالى " يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " الجمعة 9 .
ويحرم أيضا البيع والشراء إذا كان يفوِّت على فاعله أداء الصلاة المفروضة مع الجماعة أو بعضها ، وقد وصف الله تعالى عباده بقوله " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة " النور 37 .
ومما تمتعت به بلادنا ولله الحمد الالتزام بإغلاق المحلات التجارية ونحوها بعد النداء إلى الصلاة تنفيذا للنداء الرباني ، وطاعة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وبالله التوفيق
29 - 6 - 1441هـ