الدرس 197 أحداث السنة الثامنة من الهجرة 67

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 5 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1040 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

استقبال رسول الله عبد الله بن جعفر

روى الإمام مسلم عن عبد الله بن جعفر قال "كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ تُلُقِّيَ بصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ، قالَ: وإنَّه قَدِمَ مِن سَفَرٍ فَسُبِقَ بي إلَيْهِ، فَحَمَلَنِي بيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ، فأرْدَفَهُ خَلْفَهُ، قالَ: فَأُدْخِلْنَا المَدِينَةَ، ثَلَاثَةً علَى دَابَّةٍ. ".

فضل زيد وجعفر وعبد الله ، رضي الله عنهم

أما زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العُزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الكلبي القضاعي ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن أمه ذهبت تزور أهلها ، فأغارت عليهم خيل بلقين فأخذوه ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، فوهبته رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ، فوجده أبوه ، فاختار المقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعتقه وتبناه ، فكان يقال له زيد بن محمد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حبا شديدا ، وكان أول من أسلم من الموالي ، ونزل فيه آيات من القرآن ، منها قوله تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) الأحزاب: 4، وقوله تعالى (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) الأحزاب: 5، وقوله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) الأحزاب: 40، وقوله (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) الآية الأحزاب: 37، أجمعوا أن هذه الآيات أنزلت فيه، ومعنى أنعم الله عليه أي بالإسلام، وأنعمت عليه أي بالعتق.

ولم يسم أحدا من الصحابة في القرآن غيره ، وهداه إلى الإسلام ، وأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوجه مولاته أم أيمن ، واسمها بركة ، فولدت له أسامة بن زيد ، فكان يقال له الحِب بن الحِب ، ثم زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش، وآخى بينه وبين عمه حمزة بن عبد المطلب ، وقدمه في الإمرة على ابن عمه جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة ، كما ذكرناه في الدرس الماضي

روى االبخاري عن ابن عمر ، رضي الله عنه ، " أَمَّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُسامَةَ علَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا في إمارَتِهِ، فقالَ: إنْ تَطْعَنُوا في إمارَتِهِ فقَدْ طَعَنْتُمْ في إمارَةِ أبِيهِ مِن قَبْلِهِ، وايْمُ اللَّهِ لقَدْ كانَ خَلِيقًا لِلْإِمارَةِ، وإنْ كانَ مِن أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وإنَّ هذا لَمِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ.".

وقد قال حسان بن ثابت يرثي زيد بن حارثة وابن رواحة

عين جودي بدمعك المنزور *** واذكري في الرخاء أهل القبور

وأما جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أكبر من أخيه علي بعشر سنين ، وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين ، وكان طالب أسن من عقيل بعشر سنين ، أسلم جعفر قديما ، وهاجر إلى الحبشة ، وكانت له هنالك مواقف مشهورة ، ومقامات محمودة ، وأجوبة سديدة ، وأحوال رشيدة، قال له صلى الله عليه وسلم يوم خرجوا من عمرة القضية :" أشبَهْتَ خَلقي وخُلُقي " صحيح الترمذي للألباني فيقال إنه حَجَلَ عند ذلك فرحا، ولما بعثه إلى مؤتة جعله في الإمرة نائياً لزيد بن حارثة ، ولما قتل وجدوا فيه بضعا وتسعين ما بين ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، ورمية بسهم ، وهو في ذلك كله مقبل غير مدبر ، وكانت قد قطعت يده اليمنى ثم اليسرى وهو ممسك اللواء ، فلما فقدهما احتضنه حتى قتل وهو كذلك، وقد أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد ، فهو ممن يُقطع له بالجنة وجاء في الأحاديث تسميته بذي الجناحين

وروى البخاري ، عن ابن عمر أنه كان إذا سلم على ابنه عبد الله بن جعفر يقول السلام عليك يا ابن ذي الجناحين، قالوا لأن الله تعالى عوضه عن يديه بجناحين في الجنة وفي صحيح الجامع عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : "دَخلتُ الجنةَ البارِحةَ فنظرتُ فيها، فإذا جَعفرٌ يَطيرُ مع الملائكةِ، و إذا حَمزةُ مُتَّكِىءٌ على سرِيرٍ". وكان رضي الله عنه أسنَّ من عليٍّ بعشر سنين يقتضي أن عمره يوم قتل تسع وثلاثون سنة، لأن عليا أسلم وهو ابن ثمان سنين على المشهور ، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وهاجر وعمره إحدى وعشرين سنة ، ويوم مؤتة كان في سنة ثمان من الهجرة، وقد كان يقال لجعفر بعد قتله الطيار، وكان كريما جوادا، وكان لكرمه يقال له في حياته أبو المساكين لإحسانه إليهم.

وقال حسان بن ثابت يرثي جعفرا:

ولقد بكيت وعز مهلك جعفر *** حب النبي على البرية كلها

وأما ابن رواحة ، فهو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج أبو محمد الأنصاري الخزرجي ، وهو خال النعمان بن بشير ، أخته عَمرة بنت رواحة ، أسلم قديما وشهد العقبة ، وكان أحد النقباء لَيلتئذ لبني الحارث بن الخزرج ، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر ، وكان يبعثه صلى الله عليه وسلم على خرصها، وشهد عمرة القضاء ، ودخل يومئذ وهو ممسك بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: خَلوا بني الكفار عن سبيله.

وكان أحد الأمراء الشهداء يوم مؤتة كما تقدم ، وقد شجع المسلمين للقاء الروم حين تشاوروا في ذلك ، وشجع نفسه أيضا حتى نزل بعد ما قُتل صاحباه، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة، فهو ممن يُقطع له بدخول الجنة.

أخرج البيهقي بسند صحيح من طريق ثابت عن أبي ليلى كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فدخل عبد الله بن رواحة فسمعه يقول:" أجلسوه" فجلس مكانه خارجا من المسجد فلما فرغ قال له "زادك الله حرصا على طواعية الله وطواعية رسوله"

وفي " صحيح البخاري " عن أبي الدرداء قال :" خَرَجْنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ في يَومٍ حَارٍّ حتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ علَى رَأْسِهِ مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وما فِينَا صَائِمٌ إلَّا ما كانَ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وابْنِ رَوَاحَةَ."

وقد كان من شعراء الصحابة المشهورين ، يحكي التابعي الهيثم بن سنان :" أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عنه وهو يَقُصُّ في قَصَصِهِ، وهو يَذْكُرُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أَخًا لَكُمْ لا يقولُ الرَّفَثَ -يَعْنِي بذلكَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ رَوَاحَةَ-:

وفِينَا رَسولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَـــــابَهُ ** إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ

أَرانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا ** به مُوقِناتٌ أنَّ مـــا قـــالَ واقِـــــــعُ

يَبِيتُ يُجافِي جَنْبَهُ عن فِرَاشِهِ ** إذا اسْتَثْقَلَتْ بالمُشْرِكِينَ المَضــاجِــعُ " أخرجه البخاري.

وفي الحديثِ: مَنقبةٌ وفضْلٌ لعبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ رَضيَ اللهُ عنه.فهو لا يقول الرفث، وفيه: أنَّ الحَسَنَ مِن الشِّعرِ مَحمودٌ ومَقبولٌ شَرْعًا.

وبالله التوفيق

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

05-02-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 1 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي