الدرس 172: باب الحوالة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 26 رجب 1439هـ | عدد الزيارات: 1295 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد ؛

قوله :لا رضا المحال عليه :المحال عليه لا يعتبر رضاه فلو أحال رجل بدينه على آخر وقال المحال عليه لا أقبل لأن المحتال رجل سيئ الطلب ويتعب المطلوب أنا أُريد الأول لأنه أسهل وأيسر فلا يملك ذلك .

قال العلماء لأن صاحب الحق يملك استيفاءه بنفسه وبوكيله والمحتال كأنه وكيل فكما أن لصاحب الحق أن يوكل رجلاً خصماً لدوداً في استيفاء حقه فله أن يحيله أيضاً أ.هـ .

وإذا امتنع المُحيل عن الحوالة لكونه فقيراً فلا يملك صاحب الدين أن يجبره على إحالته على دينه في ذمة غني وهذا على كلام المؤلف لأنه يشترط رضاه على كل حال .

ولهذا لو قال الدائن أنت الآن ليس عندك شيء لكن لك في ذمة فلان الغني الباذل كذا وكذا فأحلني عليه فقال لا أحيلك فإنه لا يلزمه لكن لو رأى القاضي أن إحالته لابد منها فله ذلك .

ونظير هذا لو أن المدين غيّب ماله وقال ليس عندي شيء وكان عنده مال لكنه غيّبه وكتمه فإنه يُلزم بأن يظهر هذا المال ويوفي منه ولا يعتبر رضاه ،بل يجبر على الإحالة لئلا يضيع حق صاحب الدين .

قوله :ولا المحتال على مليء :المحتال إن كان على مليء لم يعتبر رضاه وإن كان غير مليء أعتبر رضاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم وإذا أُحيل أحدكم بدينه على مليء فليحتل)أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة .

والمليء هو القادر على الوفاء بقوله وماله وبدنه وهذا قول العلماء والمراد بقوله :فألا يكون كاذباً يعد ويُخلف وهذا هو المماطل فإذا أحاله على شخص غني لكنه يماطل يعد ويكذب فإنه يعتبر رضا المحتال .

وقول العلماء :وماله :بأن يكون عنده مال يستطيع الوفاء منه ،فإن كان فقيراً أعتبر رضا المحتال .

وقولهم :وبدنه :وهو أن يمكن إحضاره عند المحاكمة إلى مجلس الحكم فإن لم يمكن محاكمته شرعاً أو عادة فإنه لا يلزمه أن يتحول ولابد من رضاه .

والذي لا يمكن إحضاره لمجلس الحكم شرعاً الأب فالعلماء رحمهم الله يقولون لا يمكن مطالبة الأب بالدين إلا ما كان من النفقة فقط ،أما مطالبته بالقرض وغيره فلا ومثال من لا يمكن إحضاره لمجلس الحكم عادة السلطان .

مثاله :إنسان يطلب منك خمسة آلاف ريال وأنت تطلب من الأمير خمسة آلاف فقلت أحلتك على الأمير فهنا لا يلزمه القبول ولابد من رضاه لأن الأمير تتعذر مطالبته والصواب أنه لابد من رضا المحتال سواء كان على مليء أم على غير مليء وهو قول الجمهور .

قوله :وإن كان مفلساً :أي المحال عليه .

قوله :ولم يكن :أي المحتال .

قوله :رضي :بالحوالة عليه .

قوله :رجع به :بما أحيل به .

مثال ذلك :أحلت فلاناً على زيد ثم تبين أنه مفلس فإنه يرجع بذلك لأن صاحبه كان مفلساً لكن إن رضي المحتال وتبين أن المحال عليه مفلس فإنه لا يرجع وهذه المسألة لها ثلاث حالات :-

الحالة الأول :ألا يكون المحتال رضي فإن قال المحيل للمحتال أحلتك على فلان وهو مفلس ليس عنده دراهم فقال لا أقبل فيرجع بلا خلاف إلى الذي أحاله ليأخذ حقه .

الحالة الثانية :أن يعلم أنه مفلس ويرضى بذلك فلا يرجع لأنه رضي بالإحالة .

الحالة الثالثة :أن يرضى وهو لا يعلم بحاله ثم يتبين أنه مفلس فلا يرجع إلى الذي أحاله على قول المؤلف وهذا صحيح لأنه فرط ولم يشترط الملاءة حين أحاله.

قوله :ومن أحيل بثمن بيع أو أحيل به عليه فإن البيع باطلاً فلا حوالة وإذا فسخ البيع لم تبطل :أي أن المشتري أحال البائع على مدين له فقبل الحوالة لكن تبين أن البيع باطل فالحوالة باطلة ،لأن المبني على باطل يكون باطلاً .

مثال ذلك :- اشترى عمرو كتاباً بعشرين ريالاً من زيد فأحال عمرو زيد على عبدالله لأنه كان مديناً له فتبين بطلان البيع لكون الكتاب وقفاً والموقوف لا يباع فتبطل الحوالة فيعيد عمرو المبيع وهو الكتاب إلى زيد وهو البائع ويأخذ كتابه لكن إذا فسخ البيع فإن الحوالة لا تبطل .

مثلاً لما اشترى عمرو الكتاب من زيد وجد فيه عيباً فرده لعيبه فهذا فسخ للعقد ؛فالحوالة لا تبطل ولزيد أن يطالب عبدالله بالثمن لأنه أحيل عليه به فله أن يطالبه ولكنه إذا قبض الكتاب يرده إلى المشتري وهو عمرو لأنه فسخ العقد .

إذاً إن كانت الحوالة مبنية على باطل فهي باطلة وإن كانت مبنية على صحيح ولكن فسخ فالحوالة صحيحة لا تبطل .

وإن طالب زيد وهو البائع المحال عليه وهو عبدالله بالثمن فقال عبدالله مادام البيع قد فسخ فلا حق لك أنا أعطي ديني الذي علي لصاحبي فإنه لا يملك ذلك لأن المفروض أن الذي يسلم الثمن بعد الفسخ هو البائع.

وقوله:أو أحيل به عليه :هذه هي الصورة الثانية أي أحيل بثمن المبيع على شخص أي أن البائع أحال شخصاً بأخذ الثمن من المشتري يعني عكس الصورة الأولى.

فلمسألة صورتان تارة يحيل المشتري على مدين له ،وتارة يحيل البائع مدينه على المشتري .

قوله :ولهما أن يحيلاً :يعني للمشتري في الأولى وللبائع في الثانية .

ففي المثال الأول عمرو اشترى من زيد كتاباً بخمسين وأحال زيد على عبدالله بالخمسين فثبتت الخمسين التي في ذمة عبدالله لزيد فلزيد لما فسخ البيع أن يحيل المشتري عمرو على عبدالله لأن عمرو لا يملك مطالبة عبدالله لأن الحق انتقل إلى البائع الذي هو زيد فللبائع أن يحيل عمرو على عبدالله.

فزيد الآن صار مديناً للمشتري عمرو فأحاله على مدينه عبدالله وعبدالله كان مديناً لعمرو المشتري ثم صار مديناً للبائع زيد فأحال البائع بدينه عليه وفي المسألة الثانية المثال الثاني بالعكس البائع أحال مدينه على المشتري .

مثال ذلك :اشترى عمرو من زيد كتاباً بخمسين ريالاً فثبتت في ذمة عمرو لزيد خمسين كان عبدالله يطلب زيد خمسين فقال له زيد أحلتك على عمرو المشتري فإذا فسخ البيع فإن عبدالله سوف يستلم من المشتري عمرو وهنا سوف يحيل المشتري عمرو عبدالله على البائع زيد .

وبالله التوفيق .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

25-7-1439 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة