الدرس 145: الربا 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 29 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1545 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله (والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعاً كبُرٍّ ونحوه) الجنس: هو الشيء الذي يشمل أشياء مختلفة بأنواعها

والنوع ما يشمل أشياءً مختلفة بأشخاصها، هذا هو الفرق، فمثلاً البر جنس، لأنه يشمل أشياء مختلفة بأنواعها، والبر فيه ما يسمى بالحنطة، وبالجريباء، وباللقيمي، هذه ثلاثة أنواع

والنوع شيء يشمل أشياء مختلفة بأشخاصها، كالحنطة مثلاً تشمل أشياء مختلفة بأشخاصها، تشمل الحنطة التي عندي والتي عندك، وما أشبه ذلك

والإنسان جنس يشمل أشياء مختلفة بأنواعها، وهو ذكر وأنثى

والحيوان جنس، لكنه أعم من الإنسان، لأنه يشمل الإنسان وغير الإنسان، فيشمل الإنسان والإبل والبقر والغنم، وغير ذلك فهو أعم

والجسم جنس أعم مما سبق، فيشمل الجماد والحيوان والإنسان

والمراد هنا الجنس الأخص لا الأعم، ولهذا لو بعنا بقرة ببعير فقد اتفقا في الجنس الأعم وهو الحيوانية، لكن يجوز التفاضل ويجوز التفرق قبل القبض، لأنهما ليسا من الربويات التي يدخل فيها الربا وقد حددها النبي صلى الله عليه وسلم بستة وهي: البر والشعير والتمر والملح والذهب والفضة، الأربعة الأولى مكيلة، أي: تكال، والأخيرتين: موزونة، أي: توزن

لكن المراد هنا الجنس الأخص، أي: أخص الأجناس، وإذا أردنا أن نبتعد عن أهل الكلام واصطلاحاتهم، نقول: البر، والتمر، والشعير، والملح، والذهب، والفضة، لا نحتاج أن نقول: الجنس الأعم والجنس الأخص، لأنه قد يشكل على الإنسان هذا الشيء

وعلى هذا فإذا قلنا: لا يباع الربوي بجنسه، فمعناه لا يباع البر بالبر، لكن يجوز بيع البر بالشعير، لأنه جنس مستقل، فإذا أردت أن تبيع براً ببر، فالواجب شيئان

الأول: التقابض قبل التفرق

الثاني: التساوي بالمعيار الشرعي، وهو الكيل أو الوزن

وإذا أردت أن تبيع براً بشعير، فالواجب شيء واحد، وهو التقابض قبل التفرق لاختلاف الجنس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) أي سلم المبلغ واستلم البضاعة في مجلس العقد، لأنك بعت براً بشعير مثلاُ، لاختلاف الجنس، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأصناف الربوية وحددها بستة أصناف وأوضح ضوابط البيع فيها فقال (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) رواه مسلم

ومعنى الحديث: إذا كان من جنس واحد في قوله (مثلاُ بمثل) أي: بر ببر وهكذا، وقوله (سواء بسواء) أي: صاع بصاع وهكذا، وقوله (يداً بيد) أي: التقابض في مجلس العقد

أما إذا اختلف الجنس مثل ذهب بفضة فشرط واحد وهو التقابض في مجلس العقد

قوله (وفروع الأجناس كالأدقة والأخباز والأدهان واللحم أجناس باختلاف أصوله)

فروع الأجناس أجناس، وهي أجناس تابعة لأصولها، كما قال المؤلف، وجمهور العلماء يجيزون القياس على الأجناس الستة المذكور في الحديث ويقولون: كل شيء يدخر ويكال أو يوزن أو مطعوم، فحكمه حكم الستة البر والشعير والتمر والملح والذهب والفضة، مثل المكرونة والأرز والهيل والقهوة والسكر والشاي والمطعوم مثل اللحم واللبن والدهن والزيت

وعلى هذا فإذا بيع بر حباً ببر دقيقاً فإنه لا يجوز لتعذر التساوي، لأن الحب إذا طحن انتشر ولا يمكن تقديره بالكيل ولا بالوزن، لأن البر لا يباع بالبر إلا كيلا

وإذا بيع برٌ حباً بشعير دقيقاً يجوز بدون كيل ولا وزن، لأن بيع البر بالشعير لا بأس فيه بالتفاضل، والدقيق جنس باعتبار الأصل

وكذلك أيضاً الأخباز، فإذا أردت أن تبيع خبزاً من البر بجريش، والجريش عبارة عن حب مطحون، ليس طحناً دقيقاً فهذا لا يجوز لتعذر التساوي، لأن الجريش قد ترطب بالماء ولا يمكن كيله، وحتى إذا أمكن كيله فالخبز لا يمكن كيله

وخبز شعير بجريش من البر فهذا يجوز، لعدم اشتراط التساوي، هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله أن فروع الأجناس تعتبر أجناساً بحسب أصولها

وقوله (الأدقة والأخباز) الأدقة جمع دقيق، والأخباز جمع خبز

وقوله (والأدهان) هذا بناءً على أن الربا يجري في الدهن لأنه يباع بالكيل في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهو مكيل، وكل مائع فهو مكيل كالدهن والزيت وغيره

وقوله (واللحم) اللحم أيضاً أجناس، فلحم الإبل جنس، ولحم الضأن جنس آخر، ولحم البقر جنس آخر، ولحم المعز جنس آخر، ولحم الأرانب جنس آخر، ولحم الظباء جنس آخر، واللحم موزون فلا يجوز أن أبيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم الغنم أيضا، ولأن الجنس واحد فلا يجوز فيه التفاضل

وكيلو من لحم البقر بكيلوين من لحم الخروف، يجوز لاختلاف الجنس، بناء على أن اللحم يجري فيه الربا، لأنه مما يوزن، والعلة على المذهب الكيل والوزن، فإذا بعت عليك خروفاً بخروفين، فهذا جائز، لأنه ليس بمكيل ولا موزون، ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلم يستقرض على إبل الصدقة، فيأخذ البعير بالبعيرين، والبعيرين بالثلاثة. أخرجه البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وصححه وحسنه الألباني في الإرواء

وعلى هذا فلا ربا في الحيوان ما دام حياً، أما إذا ذبح فإنه يكون لحماً فيجري فيه الربا، فإذا بيع بجنسه فإنه لا بد من التساوي وإلا فلا يصح، وهذا على قول المؤلف، وهو رأي الجمهور قياساً على الأربعة المذكورة في الحديث البر والشعير والتمر والملح، تلك الربويات، والعلة واحدة وهي الكيل والوزن

قوله (وكذا اللبن) اللبن أجناس باختلاف أصوله، فلبن الإبل جنس، ولبن البقر جنس آخر، فلو بعت صاعاً من لبن الإبل بصاعين من لبن البقر فهذا جائز، لأن الجنس مختلف، ولو بعت صاعاً من لبن بقرة بكر وصاعين من لبن بقرة عجوز فهذا لا يجوز، لأن الجنس واحد

قوله (واللحم والشحم والكبد أجناس) انتقل المؤلف من الجنس باعتبار استقلال البهيمة إلى الجنس باعتبار وحدة البهيمة، فالبهيمة فيها لحم منوع، ففيها لحم وشحم وكبد وقلب وإلية وطحال ورئة وكراع وعين ورأس، فهذه كل واحد منها جنس، وعلى هذا فيجوز أن يبيع عليك رطلاً من الكبد برطلين من الرئة، ولو من الضأن، لاختلاف الجنس، ويجوز أن أبيع رطلاً من الرئة برطلين من الشاة نفسها، لاختلاف الجنس

إذاً نفس البهيمة بأجزائها أجناس، وكل جزء يعتبر جنساً مستقلاً، وعلى هذا فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً، مع وجوب التقابض قبل التفرق، لاتفاقهما في المعيار الشرعي، وهو الوزن أو الكيل، واللحم كله موزون، فلما اتفقا في المعيار الشرعي كان لا بد من أن يتقابضا قبل التفرق، أما التساوي فليس بشرط، لاختلاف الجنس

قوله (ولا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه ويصح بغير جنسه) مثال ذلك: عندي كومة من لحم الضأن فأردت أن أبيعها بشاة فلا يجوز، لأنه من جنسه، أما إذا كان عندي كومة لحم من الضأن فيجوز أن أبيعها ببقرة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

29-12-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر