الدرس 323: صفة السلام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 4 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1223 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المشروع في إلقاء التحية بين المسلمين أن يقول المسلم (السلام عليكم) فإن زاد (ورحمة الله وبركاته) فهو أفضل وأتم وأعظم أجراً

وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإفشاء السلام بين المسلمين لما في ذلك من المصالح العظيمة وذلك بقول (السلام عليكم) ويرد عليه بمثل قوله وإن زاد فهو أكمل قال تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) سورة النساء: 86

ويكون السلام بالمصافحة أيضا مع التحية المذكورة وهو أفضل، ويكون السلام المذكور أيضا مع المعانقة بالنسبة للقادم من السفر، وأما الانحناء فلا يجوز، لأنه ركوع، والركوع عبادة لا تجوز إلا لله عز وجل

وإذا كانوا مسلمين يرد عليهم السلام بلغتهم، ويبدؤهم بالسلام بلغتهم إذا كانوا لا يعرفون العربية، أما إذا كانوا يعرفون العربية فالخير لك ولهم بدء السلام بالعربية ورده بالعربية

ولا حرج في الإشارة باليد عند السلام وهو في السيارة، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه سلم على نسوة وأشار بيده إليهن، من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، عند أحمد، لكن لا يجوز جعل الإشارة بدل السلام

وأخرج البخاري في صحيحه عن قتادة قال قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال: نعم

وأخرج أبو داود في سننه مسنداً عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما.

أما مصافحة الرجل باليد للمرأة التي ليس هو لها محرم لا تجوز، أما المصافحة باليدين جميعا فلا نعلم فيه شيئا، ولكنه لا ينبغي، فالأولى أن يكون بواحدة

فالسلام لابد أن يكون باللفظ، ولا يكون بالإشارة، لأن هذا سلام اليهود، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، إلا إذا كان المسلم عليه بعيداً أو أصم لا يسمع، فإنه يشير بيده مع التلفظ بالسلام

إذا صافحت أخيك قبل الصلاة ثم تفارقتما وبعد الصلاة التقيتما فلا حرج عليك من مصافحته والسلام عليه مرة ثانية، لأن السلام مشروع عند اللقاء وعند المفارقة بين المسلمين

في بعض المساجد بعد الانتهاء من الصلاة يتصافحون ويردون كلمة (الله يتقبل) فهذه الصفة لا نعلم لها أصلاً، لا من القرآن ولا من السنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)

المشروع للزوج أن يحسن عشرة زوجته، وأن يأتي إليها ما يحب أن تأتي به له، ولا حرج في مصافحتها ومعانقتها وتقبيلها عندما تعود من السفر، بل في ذلك أجر إذا أصلح النية

وعن تقبيل الرجل لأخيه الأفضل الاكتفاء بالمصافحة في اللقاءات العادية، إلا إذا قدم من السفر فلا بأس بالمعانقة، لقول أنس رضي الله عنه (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) خرجه الطبراني بإسناد حسن، أما تقبيل الخدود فلا نعلم في السنة ما يدل عليه

ويجوز القيام من أجل السلام على الشخص القادم إلى المجلس أو المار به، لقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار (قوموا إلى سيدكم) لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه للحكم في بني قريظة. أخرجه البخاري ومسلم، ولأن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قام إلى كعب بن مالك من حلقة النبي صلى الله عليه وسلم لما أقبل كعب يريد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليه وعلى صاحبيه، فصافحه وهنأه بالتوبة. أخرجه البخاري ومسلم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم لابنته فاطمة إذا دخلت عليه ويأخذ بيدها ويقبلها ويجلسها مكانه، وكانت إذا دخل عليها صلى الله عليه وسلم تقوم إليه وتأخذ بيده وتقبله. رواه البخاري في الأدب المفرد

أما القيام من أجل التعظيم أو الاحترام فقط لا من أجل السلام فلا يجوز، لحديث (من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار) رواه أبو داود بإسناد صحيح

وقد أجمع أهل العلم على أن الانحناء لا يجوز لأحد من المخلوقين، لأنه لا يكون إلا لله تعالى، تعظيما له سبحانه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه لغير الله، فقد سأله رجل كما في حديث أنس رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله: الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. رواه الترمذي، وسواء انحنى له قائماً أو جالساً فهو حرام

وينبغي أن يفشى السلامُ بين المسلمين لتقوى عرى المحبة والمودة، ولا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، فإن فعل فهو آثم ومرتكب لمعصية يجب عليه أن يستغفر ويتوب إلى الله تعالى، وترك رد السلام على المسلم من غير مانع شرعي هجر له

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استفتاح الرسائل بالسلام، ومن ذلك رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، وهي مخرجة في الصحيحين وغيرهما، وفيها قوله (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام)

والجنابة لا تمنع من السلام لأن المسلم لا ينجس

ومن سُلِّمَ عليه وهو في الصلاة، يرده بالإشارة أو بعد السلام، لما روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا. فقال: إن في الصلاة لشغلاً) رواه مسلم

وروى أبو داود من حديث ابن عمر عن صهيب قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة قال: ولا أعلمه إلا قال إشارة بأصبعه. رواه الترمذي وقال حديث حسن

ولا بأس أن يسلم الإنسان على البعيد أو هو في سيارته ويشير بيده له ليشعره بذلك، مع تلفظه بالسلام المشروع المذكور سابقا كما أنه لا مانع من أن يقول المسلم لأخيه: حياك الله، أو أهلا، أو كيف حالك ونحوها من العبارات التي تدخل السرور على أخيه المسلم، لكن تكون تلك العبارات بعد إلقاء السلام المشروع

أما الاقتصار على هذه العبارات وترك السلام أو السلام بمنبه السيارة (البوري) فذلك خلاف السنة ولا أصل له، فيجب ترك ذلك

وينبغي لك إذا مررت على قوم جالسين وأنت في طريقك إلى المسجد أن تنصحهم، وترشدهم وتخوفهم حتى يؤدوا الصلاة جماعة، فإذا امتنعوا فارفع أمرهم إلى والي الحسبة في طرفكم، وبذلك تبرأ ذمتك، وأما السلام عليهم فإنك تسلم عليهم ابتداء، وتستمر على ذلك حتى يتبين لك إصرارهم على ترك صلاة الجماعة، فبعد ذلك ينبغي هجرهم وترك السلام عليهم

أما غير المسلم، فقد نص الحديث كما في صحيح مسلم (لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) وفي رواية لمسلم (إذا لقيتم اليهود) وفي أخرى (إذا لقيتم أهل الكتاب) وفي أخرى (إذا لقيتموهم) ولم يسلم أحداً من المشركين

ومعنى الحديث: أنه لا يجوز ابتداء الكافر بالسلام، لأن النهي يقتضي التحريم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابتدائهم بالسلام، لقوله (لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام)

أما إذا سلموا فإنه يرد عليهم (وعليكم) بدليل ما رواه مسلم في صحيحه: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم

وقد بين النووي رحمه الله: أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه) فقال: قال أصحابنا: لا يترك للذمي صدر الطريق، بل يضطر إلى أضيقه إذا كان المسلمون يطرقون، فإن خلت الطريق من الزحمة فلا حرج، قالوا: وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه. انتهى

ولا معارضة بين هذا الحديث وبين ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من المعاملة الحسنة للكفار من زيارة مرضاهم وقبول هداياهم وإعطاء عبد الله بن أبي بن سلول قميصه ليكفن فيه، فإن المعاملة الحسنة يقصد بها تأليفهم ودعوتهم إلى الإسلام وترغيبهم فيه

وإذا دخل على مجموعة فيهم أخلاط من المسلمين والمشركين فإنه يجوز السلام عليهم ناوياً المسلمين منهم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

04-01-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي