الدرس 146: الربا 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 7 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1396 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قال مؤلف كتاب زاد المستقنع الشيخ موسى الحجاوي رحمه الله (لا يجوز بيع حب بدقيقه) مثاله: إنسان عنده صاع من البر باعه بصاع من دقيق البر فإنه لا يجوز، على قول المؤلف، لعدم التساوي، لأن الحب بالطحن تنتشر أجزاؤه

فإذا قال: أنا أزيد على الدقيق بمقدار ما يساوي وزن الحب، فلا يجوز لأن المعتبر في الحب والدقيق هو الكيل، فلا يصح على قول المؤلف

والصحيح أنه يجوز إذا تساويا في الوزن، لأن تساويهما في الوزن يدل على تساويهما في الكيل حباً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البر بالبر مثلاً بمثل) أخرجه مسلم، والمثلية هنا محققة، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً أجاز بيع العرايا بخرصها تمراً. أخرجه البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه

والعرايا بيع رطب بتمر، والرطب أثقل من التمر وينتفخ أيضاً، والتمر يضمر ويخف لكن يحول الرطب إلى تمر ويباع بخرصه

ومثل هذا التمر المرصوص يتعذر كيله فإنه يعتبر بالوزن، وإن كان لا ينتقل عن كونه مكيلاً

ولو باع شعيراً حباً ببر دقيقاً جاز لاختلاف الجنس، فيجوز أن يبيع صاعاً من البر بصاعين من الشعير، وذكرنا هذا في الدرس السابق مفصلاً

وإذا باع عليه صاعاً من الحب بصاع من الدقيق واعتبر الزيادة في مقابلة الطحن، فهذا لا يجوز لأن الزيادة بالصنعة كالزيادة بالصفة، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم التفاضل مع اختلاف الصفة والدليل أنه جيء إليه بتمر جنيب جيد فقال (أكل تمر خيبر هكذا، فقال: لا يا رسول الله ولكن نأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال: لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا) أخرجه البخاري ومسلم

قوله (ولا سويقه) الفرق بين الدقيق والسويق، أن الدقيق يطحن الحب بدون أن يحمص على النار، والسويق يحمص، أي: يشوى على النار ثم يطحن طحن غير دقيق بحيث يتكسر فيختلف، فإذا امتنع أن يباع الحب بالدقيق غير المحمص فمنع بيعه بالدقيق المحمص من باب أولى، لأن فيه شيئين

الأول: تفرق الأجزاء بالطحن

الثاني: اختلافهما بالتحميص، فهو أشد من بيع الحب بالدقيق

قوله (ولا نيئه بمطبوخه) مثل حنطة بهريسة

والجريش هو عبارة عن الحب يطحن طحناً ليس دقيقاً بحيث يتكسر، ويكون أجزاء، ثم بعد ذلك يطبخ على لبن

المهم أن النَّيء بالمطبوخ لا يجوز، لتعذر التساوي، فلو بعنا حب شعير بهريسة الحنطة، فيجوز لاختلاف الجنس

مثال آخر: مبادلة كيلو من اللحم النَّيء بكيلو من اللحم المطبوخ فلا يجوز، لأن الطبخ يؤثر في الوزن، إذ يدخل فيه أشياء كالماء، وإذا كان من غير الجنس جاز

قوله (وأصله بعصيره) الأصل لا يباع بالعصير، كما لو كان إنسان عنده زيتون وزيت، والزيت من الزيتون فباع زيتوناً رطلاً منه برطل من زيت فلا يصح، ومثله أن يبيع تمراً بدبس، والدبس هو الماء الذي يخرج من التمر فإنه لا يجوز، وذلك لتعذر التساوي

قوله (وخالصه بمشوبه) الخالص هو الذي لم يخالطه غيره، والمشوب هو الذي خُلط معه غيره، فهذا لا يجوز، لتعذر التساوي

مثاله: رجل عنده صاع من البر الخالص، وآخر عنده صاع من البر المخلوط بشعير، فلا يجوز أن يباع هذا بهذا لتعذر التساوي، إلا أنه يستثنى من ذلك الخلط اليسير أو ما كان لإصلاح المخلوط كالملح في الطعام، فالخلط اليسير لا يضر، وكذلك ما يكون لإصلاحه كما لو بعنا خبزاً من البر بخبز من البر أحدهما قد جعل فيه سكر، ولكن بعناهما متساويين فلا بأس، أو أحدهما فيه ملح فلا بأس، فصار يستثنى الشيء اليسير، مثل إضافة السكر، والشيء الذي خلط للإصلاح مثل الملح

وقوله (ورطبه بيابسه) رطبه، الضمير يعود على الربوي، أي: ولا يباع رطب الربوي بيابسه، مثل أن يبيع رطباً بتمر، فالتمر يابس والرطب رطب، فلا يجوز حتى وإن تساويا وزناً، فلا يجوز بيع رطب التمر بيابسه، لأن الرطب أثقل من التمر، والذي أثقله من غير جنسه وهو الماء، فيكون محرماً، ولهذا لما سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن بيع التمر بالرطب فقال: أينقص إذا جف؟ قالوا: نعم، فنهى عن ذلك. رواه ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، لكن يستثنى من ذلك العرايا

والعرايا هي أن يكون عند إنسان تمر من العام الماضي وجاء الرطب هذا العام، وأراد أن يتفكه بالرطب، لكنه ليس عنده دراهم، فهنا رخص الشرع بجواز شراء الرطب بالتمر، وسميت عرايا لعروها عن الثمن، فيأتي هذا الرجل الفقير الذي عنده تمر من العام الماضي إلى صاحب البستان، ويقول: بعني تمر هذه النخلة الذي هو الآن رطب بالتمر فهذا جائز، لدعاء الحاجة إليه، لكن بشروط خمسة وهي

الأول: ألاّ يجد ما يشتري به سوى هذا التمر

الثاني: أن تكون من خمسة أوسق فأقل، والوسق ستون صاعاً، وخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع

الثالث: أن يكون مآل هذا الرطب بقدر التمر، أي: أن يأتي الخراص الماهر العارف، ويقول: هذا الرطب إذا جف يكون مساوياً للتمر الذي اشتري به بدون زيادة أو نقص

الرابع: أن يكون محتاجاً للرطب، بمعنى أنه يريده للأكل والتفكه لا يريد أن يبقيه إلى أن يتمر عندها يبطل البيع

الخامس: أن يكون الرطب على رؤوس النخل، وإلا فلا، فالعرايا جازت وهي حرام من أجل الحاجة دون الضرورة، والقاعدة أن المحرم لا يجوز إلا للضرورة، لقول الله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام: 199

والقاعدة المعروفة عند العلماء هي (أن ما حرم تحريم الوسائل جاز للحاجة) لأن المحرمات نوعان

الأول: محرمات تحريم غاية لذاتها

الثاني: محرمات تحريم وسيلة

وربا الفضل تحريمه تحريم وسيلة

فربا الوسيلة موجود في التفاضل إذا بيع الشيء الربوي بجنسه

مثال ذلك: الحرير حرام على الذكور، ويجوز أن يلبسه الإنسان إذا كان فيه حكة من التهاب في جسده، ليخفف هذه الحكة، ومع أن هذا ليس ضرورة، لكن جاز، لأن أصل تحريم الحرير على الذكور أنه غير لائق بهم، وأنه وسيلة إلى أن يكون الإنسان الذكر الذي فضله الله بالرجولة بمنزلة الأنثى التي تنشأ في الحلية، ولهذا حرم الذهب والحرير على الذكور

فالخلاصة لا يجوز بيع رطب التمر بيابسه إلا العرايا وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر بالشروط السابقة فهذه حاجة المشتري، أي أن المشتري محتاج إلى رطب لكن لو كان البائع محتاجاً إلى التمر وليس عنده مال إلا ما في رؤوس النخل من الرطب فيصح القياس ويجوز ذلك لأن المقصود دفع الحاجة ولا فرق بين كونه هو البائع أو المشتري

وتجوز العرايا في غير النخل قياساً، كإنسان عنده زبيب وأراد أن يشتري به عنباً يتفكه به والزبيب طعام، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في زكاة الفطر قال (وكان طعامنا يومئذ التمر والشعير والزبيب والأقط) أخرجه البخاري، فهو طعام، فإذا احتاج الإنسان إلى عنب، وليس عنده إلا زبيب فلا بأس بالشروط التي ذكرنا في العَرِية، وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لأن العلة التي من أجلها رخص في عرايا النخل موجودة في عرايا العنب، وهكذا ما كان مثله مما يحتاج الناس للتفكه به وليس عندهم مال

قوله (ويجوز بيع دقيقه بدقيقه إذا استوفيا في النعومة) مثل أن يكون الطاحون الذي طحن الحب طاحوناً واحداً، ووزنه وزن واحد، فأبيع عليك دقيقاً من الحنطة بدقيق من اللقيمي، وهو نوع من حب البر ليس بجنسه، فيجوز بشرط أن يستويا في النعومة

قوله (ومطبوخه بمطبوخه) كسمن بقر بسمن بقر طبخاً، فيجوز بيع هذا بهذا، لأنه لا اختلاف بينهما

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

07-01-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي