الدرس 322: التشبه باللباس

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 26 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1478 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قال صلى الله عليه وسلم (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)

والمراد: تشبه الرجال بالنساء في الكلام، وفي الملابس ونحوهما، وتشبه النساء بالرجال فيما ذكر أيضا، وأما حلق الرجل لحيته ففي تحريمه حديث خاص، ومع ذلك يدخل حلقها في التشبه بالنساء

وتشبه الرجال بالنساء حرام، وكذلك تشبه النساء بالرجال، والواجب على من رأى شيئا من ذلك تغييره حسب الاستطاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)

وأما عن لبس ملابس النساء في الخفاء فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء) رواه البخاري

وعليه فإن لبس الرجل ملابس النساء داخل في هذا النهي، فيحرم هذا الفعل، ولو كان في الخفاء

ويحرم على المرأة أن تلبس ثياب الرجال مطلقا، سواء في الصلاة أو غيرها، لحديث أبي هريرة الذي أخرجه الإمام أحمد (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل)

ولا يجوز للمسلم أن يلبس ملابس الكفار الخاصة بهم، والتي تعتبر شعارا لهم يتميزون به عن غيرهم، فإن في ذلك التشبه بهم فيما يخصهم، والتشبه بهم لا يجوز، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك

يجوز حمل القرآن إلى بلاد الكفار للبلاغ، وإقامة الحجة عليهم، وللتحفظ والتفهم لأحكامه عند الحاجة إذا كان للمسلمين قوة أو سلطان أو ما يقوم مقامهما من العهود والمواثيق ونحو ذلك مما يكفل حفظه ويرجى معه التمكن من الانتفاع به في البلاغ والحفظ والدراسة ولحصول المصلحة مع انتفاء المفسدة التي خشيها النبي صلى الله عليه وسلم

الأصل في أنواع اللباس الإباحة، لأنه من أمور العادات، وقد قال الله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) سورة الأعراف: 32

ويستثنى من ذلك ما دل الدليل الشرعي على منعه، كملابس الكفار المختصة بهم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم

وفي الجامعات الأمريكية تقليد عندما يتخرج الطلاب يلبسون بدلة تسمى بدلة التخرج، فلا يجوز للطالب أن يلبس هذا اللباس إذا كان من لباسهم الخاص وهو عبارة عن ملاءة تشبه العباءة العربية وغطاء للرأس على شكل معين يقال أن هذا الزي كان زياً لرهبانهم في السابق، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) ويتأكد المنع إذا ثبت أنه من شعار رهبانهم

وقد ورد النهي عن ستر الجدران بالستار، لما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن خالد الجهني، عن أبي طلحة الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل، قال: فأتيت عائشة فقلت: إن هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك، فقالت: لا، ولكن سأحدثكم ما رأيته فعل: رأيته خرج في غزاته فأخذت نمطا فسترته على الباب، فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه، فجذبه حتى هتكه أو قطعه، وقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، قالت: فقطعت منه وسادتين وحشوتهما ليفا، فلم يعب ذلك علي

وليس أثاث المنزل المتوسط بحرام، بل الخير كل الخير في التوسط في الأمور، قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) سورة الفرقان: 67

يجوز إجراء العمليات الجراحية التجميلية إذا لم يخش من إجراء العملية ضرر

لا يجوز تشقير الحاجبين، لما في ذلك من تغيير خلق الله، ولمشابهته للنمص المحرم شرعا، حيث إنه في معناه، ويزداد الأمر حرمة إذا كان ذلك الفعل تقليدا وتشبها بالكفار، أو كان في استعماله ضرر على الجسم أو الشعر، لقول الله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) سورة البقرة الآية 195، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)

يجوز للرجل أن يتخضب بالحناء في رجليه ويديه، إذا كان ذلك من قبيل التداوي، أما إن كان فعل ذلك من قبيل التجمل والتشبه بالنساء فلا يجوز لحديث (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)

من حق المسلم على المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه، فقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هن يا رسول الله، قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) رواه أحمد

كما أن من الحق عليه أن يرد السلام على من بدأه به، لقول الله عز وجل (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) سورة النساء الآية 86

وأما غير المسلم من المشركين وأهل الكتاب فلا يجوز بداءتهم، لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)

وثبت في صحيح البخاري أنه قيل لأنس بن مالك رضي الله عنه: هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) أخرجه الإمام أحمد

وجاءت أحاديث يقوي بعضها بعضا في كون المصافحة سببا في محو الذنوب كما يتحات ورق الشجر، كحديث (إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر) أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة رضي الله عنه

ولا يخفى أنه يجب على المسلم مراعاة إخوانه المسلمين، ورعاية مشاعرهم، ويلزمه أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، كما جاء ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما لا يخفى أن من حِكم السلام إشعار المسلم أخاه المسلم عليه بطيبة نفسه نحوه، ومحبته إياه، كأخ من إخوانه المسلمين، وذلك بدعائه له بالسلامة المطلقة، وبرحمة الله وبركاته عليه، ولا شك أن السلام على المسلم بعبارة (السلام على من اتبع الهدى) فيه من التعريض واللمز ما لا يتفق مع الأصول العامة في وجوب ترابط المسلمين وتعاطفهم وتوادهم وتراحمهم، وأنهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وأنهم كالبنيان يشد بعضه بعضا، وأن الأصل فيهم الخير، وعليه فلا ينبغي للمسلم أن يحيي إخوانه المسلمين بهذه العبارة (السلام على من اتبع الهدى) وإنما هذه التحية يبعثها الداعية ومن في حكمه إلى غير المسلمين، كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم

والخير لمن يُسلم على غيره من المسلمين أن يقول (السلام عليكم) أو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ولا يقول (سلام على من اتبع الهدى) إلا إذا كان المسلم عليه غير مسلم، أو كان في المجلس خليط من المسلمين والكفار، لأن قولها للمسلم قد يؤثر على نفسه ويثير فيها الظنون السيئة

ولا بأس بقول صباح الخير ومساء الخير، بعد البدء بالسلام، وبعد الرد الشرعي إذا كان القائل بذلك مسلِما عليه

ولا يزيد في البدء بالسلام على جملة (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) لعدم ثبوت ما يدل على ذلك فيما نعلم

وروى أبو داود والترمذي وحسنه عن عمران قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (السلام عليكم) فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر، ثم جاء آخر وقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثون

والبدء بالسلام سنة، لما فيه من تكريم المسلمين بعضهم بعضا، وتذكيرهم بخالقهم (السلام) وتأليف القلوب، وإشاعة المحبة، والدعاء لهم بالسلامة

ورد تحية السلام واجب بالمثل، والزيادة عليها مندوبة لقوله تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) النساء: 86

أما من يقتصر بالتحية عند اللقاء على (صباح الخير) دون أن يقول (السلام عليكم) فقد أساء

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1438/12/26 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي