الدرس 143: خيار لاختلاف المتبايعين 5

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 14 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1445 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قوله (ويحصل قبض ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع بذلك) ظاهر كلام المؤلف أنه إذا حصل الكيل أوالوزن أوالعد أوالذرع جاز التصرف فيه وإن لم ينقله عن مكانه، لأنه حصل القبض، وهذا على رأي المذهب، والصحيح أن السلع لا تباع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فلا يكفي الكيل حتى يقبضه، ولا يتم القبض إلا بأمرين

الأول: حيازته

الثاني: استيفاؤه بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع

قوله (وفي صُبرة) الصُبرة هي الكومة من الطعام

قوله (وما ينقل بنقله) مثل: الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك، يحصل قبضها بنقلها، وهذا هو العرف

قوله (وما يتناول بتناوله) أي: ما يتناول بالأيدي فإنه يحصل القبض بتناوله، مثل: الدراهم والجواهر والساعات والأقلام والكتب، فهذه نقلها باليد يناولها صاحبها

قوله (وغيره بتخليته) أي: يحصل قبض غير هذه الأشياء بالتخلية، ومعنى التخلية أن يخلي بين المبيع والمشتري فيسلمه المفتاح مثلاً في البيت

ويرجع في ذلك إلى العرف ما دام لا يحتاج إلى حق استيفاء، وزن أو عد أو ذرع

قوله (والإقالة فسخ) الإقالة: هي أن يرضى أحد المتبايعين بفسخ العقد إذا طالبه صاحبه بدون سبب، أي: لا يلزمه بالعقد ويفسخه

وحكمها التكليفي أنها سنة، وحكمها الوضعي أنها فسخ

ومعلوم في أصول الفقه أن الأحكام نوعان: تكليفية ووضعية

فحكمها التكليفي أنها سنة، ولكن هي سنة في حق المقيل، ومباحة في حق المستقيل، أي: لا بأس أن تطلب من صاحبك أن يقيلك، سواء كنت البائع أو المشتري، أما في حق المقيل فهي سنة لما فيها من الإحسان إلى الغير، وقد قال الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة: 195

وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم (من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة) رواه ابن حبان عن أبي هريرة وصححه على شرط الشيخين كما صححه ابن دقيق العيد وابن حزم الظاهري

ولأن فيها إدخال سرور على المُقال وتفريجاً لكربته، لا سيما إذا كان الشيء كثيراً وكبيراً، فتكون داخلة في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم (من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم (رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى) أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه

فتكون سبباً في الدخول في دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرحمة، فعليه إذا جاءك أخوك نادماً وقال: أنا اشتريت منك هذا الشيء وليس بيننا خيار، والعقد لازم، لكني ندمت فأرجو منك أن تفسخ العقد، فيسن لك أن تفسخ رجاء هذا الثواب أن الله تعالى يقيل عثرتك يوم القيامة

والإنسان إذا أقال أخاه فإن الله تبارك وتعالى يبارك له في المبيع وتزداد قيمته

فقوله (فسخ) هذا حكمها الوضعي، أي: أنها فسخ لا بيع

فالأمور ثلاثة: إبطال وفسخ وعقد

فإبطال أي أن العقد الأول بطل

وفسخ أي أن العقد الأول ثابت ويكون الفسخ من حين الإقالة

وما حصل من نماء بين الإقالة والعقد يكون للمشتري، وما حصل من عيب يكون على المشتري

فالإقالة فسخ، لأنها قبل الإقالة على ملك المشتري، وبعد الإقالة ليست إبطالاً للعقد الأول ولا عقداً جديداً

فلو جاء رجل واشترى مني سيارة، ثم جاء يطلب الإقالة وهي الفسخ، فإن فسخت البيع فهو إقالة

وإن قلت: أنا لن أفسخ البيع ولكن أشتريها منك شراءً جديداً، أنت اشتريتها مني بخمسين ألفا ونقدت الثمن، وأنا أشتريها منك بأربعين ألفا، فهذا بيع

قوله (تجوز قبل قبض المبيع) أي: لو كان المبيع مكيلاً أو موزوناً، فلو باع شخص على آخر كيساً من البر، كل صاع بدرهم، فإنه لا يجوز أن يبيعه على أحد حتى يقبضه بالكيل، هذا على قول المؤلف

والصحيح أنه لا بد أن يستوفيه بالقبض والحيازة

يكيله ثم يحوزه بهذا يكون قد استوفاه

قوله (بمثل الثمن) أي: أنها لا تجوز إلا بمثل الثمن، فلا تجوز بزيادة ولا نقص ولا اختلاف نوع أو اختلاف جنس

مثال ذلك: اشترى سيارة بألف دينار ثم ندم المشتري، وقال للبائع: أقلني، أي: أفسخ العقد، فقال البائع: أقيلك بشرط أن تعطيني بدل الدنانير دراهم، فالإقالة هنا لا تصح، لأنه أقاله بغير مثل الثمن، أي بنوع آخر، أي: إنها انتقلت من الفسخ إلى المعاوضة والمصارفة

مثال آخر: اشترى سيارة بخمسين ألفاً ثم عاد إلى البائع وقال: أقلني، فقال: أقيلك بشرط أن تعطيني خمسة آلاف ريال فهذا لا يجوز، لأنها زادت على الثمن الآن، فسوف تصير القيمة خمسة وخمسين ألفاً فلا تصح

قال الإمام أحمد رحمه الله: لأنها تشبه العينة، حيث ربح البائع على المشتري

وكذلك أيضاً لو أن البائع طلب من المشتري الإقالة فقال: أقيلك على أن تعطيني كذا زيادة على الثمن فإنه لا يجوز، لأنها تشبه العينة حيث زيد على الثمن

ولكن القول الراجح أنها تجوز بأقل وأكثر إذا كان من جنس الثمن، لأن محذور الربا في هذا بعيد فليست كمسألة العينة، لأن مسألة العينة محذور الربا فيها قريب، أما هذه فبعيد

وقد قال ابن رجب رحمه الله في القواعد: إن للإمام أحمد رواية تدل على جواز ذلك، حيث استدل ببيع العربون الوارد عن عمر رضي الله عنه في حديث أخرجه البخاري معلقاً

وقال: الإقالة بعوض مثله، وعليه فيكون هناك رواية أومأ إليها الإمام أحمد بجواز الزيادة على الثمن والنقص منه، وهو من مصلحة الجميع، هذا هو القول الراجح وهو الذي عليه عمل الناس، وذلك لأن البائع إذا أقال المشتري، فإن الناس سوف يتكلمون ويقولون: لولا أن السلعة فيها عيب ما ردها المشتري، فيأخذ البائع عوضاً زائداً على الثمن من أجل جبر هذا النقص

قوله (ولا خيار فيها) أي: ليس في الإقالة خيار، و (خيار) نكرة في سياق النفي فتشمل خيار العيب، وخيار الشرط وغير ذلك، لأنها ليست بيعاً، وإنما هي رجوع في العقد

قوله (ولا شفعة) أي: ليس فيها شفعة، والشفعة معناها انتزاع حصة الشريك ممن انتقلت إليه بعوض مالي

مثال ذلك

رجلان بينهما أرض، فباع أحدهما نصيبه منها، فلشريكه أن يشفع، أي: أن يضم هذا السهم إلى نصيبه فيأخذه من المشتري قهراً، فمثلاً، زيد وعمرو شريكان في أرض، فباع عمرو نصيبه على بكر، فزيد هو الذي له حق الشفعة، لكن زيداً قال: إن بكراً حبيب إلي ولا أريد أن آخذها بالشفعة، فأسقط حقه من الشفعة، ثم إن بكراً جاء إلى عمرو وقال له: إني نادم وأحب أن تقيلني، فأقاله، أي: أقال عمرو بكر، وليس لزيد أن يأخذها من عمرو بالشفعة، لأن الإقالة فسخ، لكن لو أن بكراً باعها على عمرو بيعاً جديداً، فلزيد أن يأخذ بالشفعة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

14-12-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر