الدرس 276: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 13 رجب 1437هـ | عدد الزيارات: 1571 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال) هذا لفظ مسلم، ووافقه البخاري على الاستعاذة ولم يذكر التشهد، وفي رواية أبي داود (إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله من أربع) وذكرها، وزاد النسائي (ثم ليدع لنفسه بما بدا له) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الدعاء بعد التشهد اللهم على الخير ألف قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمها علينا) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني واجبة على الصحيح من قولي العلماء لورود الأمر بها عنه صلى الله عليه وسلم ومن تركها ناسيا سجد سجود السهو إن كان إماما أو منفردا ومن تركها عامدا بطلت صلاته

صلاة الفاتح هي: اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق... إلخ، وهذه غير ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هي بدعة

الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد لم يرد فيها فيما نعلم كلمة سيدنا أي (اللهم صل على سيدنا محمد .. إلخ) وهكذا صفة الأذان والإقامة فلا يقال فيها سيدنا، لعدم ورود ذلك في الأحاديث الصحيحة التي علم فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيفية الصلاة عليه وكيفية الأذان والإقامة، ولأن العبادات توقيفية فلا يزاد فيها ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، أما الإتيان بها في غير ذلك فلا بأس، لقوله صلى الله عليه وسلم (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) أخرجه مسلم

السلام فرض، لقوله صلى الله عليه وسلم (وتحليلها التسليم) رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي : هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن، ولحديث عائشة رضي الله عنها الطويل وفيه (وكان يختم الصلاة بالتسليم) رواه مسلم في صحيحه

والمصلي يسلم من الصلاة عن يمينه وشماله، هذا هو المحفوظ من فعله عليه الصلاة والسلام، رواه الخمسة وصححه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه ويساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله حتى يُرى بياض خده) رواه مسلم

يشرع للإمام والمأمومين عند التسليم من الصلاة إمالة العنق يمينا فشمالا حتى يرى المأمومون صفحة وجه الإمام لكنه ليس بفرض بل سنة

المراد بالانصراف من الصلاة بالسلام لا الخروج من المسجد، فلا يجوز للمأموم أن يسلم قبل سلام إمامه ولا معه، بل يسلم بعده، أما الخروج من المسجد فللمأموم أن يخرج منه قبل خروج الإمام

يجوز للإمام إذا سلم من الصلاة أن ينصرف عن يمينه أو شماله فقد ثبت من حديث ابن مسعود أنه قال (لا يجعل أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره) وهذا لفظ البخاري

ولا يسن مسح الوجه بعد السلام، ولا نعلم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً ولا عملاً، ولم يعرف عن أصحابه فيما نعلم رضي الله عنهم، والخير كل الخير في الاتباع والشر في الابتداع

سترة المصلي

الصلاة إلى سترة سنة في الحضر والسفر، في الفريضة والنافلة، وفي المسجد وغيره؛ لعموم حديث (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها) أخرجه البخاري مسلم، ولما روى البخاري ومسلم من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رُكزت له العنزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب ولا يمنع) وروى مسلم من حديث طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك ويسن له دنوه من سترته لما في الحديث المذكور، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يبتدرون سواري المسجد ليصلوا إليها النافلة، وذلك في الحضر في المسجد، لكن لم يعرف عنهم أنهم كانوا ينصبون أمامهم ألواحا من الخشب لتكون سترة في الصلاة بالمسجد، بل كانوا يصلون إلى جدار المسجد وسواريه، فينبغي عدم التكلف في ذلك، فالشريعة سمحة، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولأن الأمر بالسترة للاستحباب لا للوجوب، لما ثبت من (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس بمنى إلى غير جدار) أخرجه البخاري ومسلم، ولم يذكر في الحديث اتخاذه سترة، ولما روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضاء وليس بين يديه شيء)، فالسترة سنة لما روى أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ولا يضره ما مر بين يديه) وعن سهل بن سعد قال (كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر شاة) متفق عليه، وفي حديث بلال (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فصلى وبينه وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع) رواه أحمد والنسائي

وأما وضع حجر أو حديد أمام كل مصل في المسجد فلا أصل له، ولا ينبغي أن يفعل لأنه لو كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو عهد أصحابه رضي الله عنهم لنقل إلينا، فلما لم ينقل دل ذلك على عدم وجوده، ولأن سترة الإمام سترة للمأمومين

بل يكفيه في ذلك صلاته إلى جدار المسجد أو إلى عمود من أعمدته أو إلى منبر أو نحو ذلك، بحيث يكون بينه وبين ما ذكر من المنبر أو الجدار أوالعمود ونحوها ثلاثة أذرع تقريبا؛ ليشعر من يريد المرور بين يديه بأنه يصلي حتى يجتنب المرور في حماه.

مرور المرأة والكلب الأسود والحمار بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته يبطل صلاته لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل) خرجه مسلم، أما قول أنه ينقص أجره وصلاته صحيحة فتأويل لا دليل عليه يعتبر

يحرم المرور بين يدي المصلي، سواء اتخذ سترة أم لا، لعموم حديث (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه) أخرجه مسلم، واستثنى جماعة من الفقهاء من ذلك الصلاة بالمسجد الحرام، فرخصوا للناس في المرور بين يدي المصلي؛ لما روى كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيال الحجر والناس يمرون بين يديه) وفي رواية عن المطلب أنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف واحد) وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد غير أنه يعتضد بما ورد في ذلك من الآثار، وبعموم أدلة رفع الحرج لأن في منع المرور بين يدي المصلي بالمسجد الحرام حرجا ومشقة غالباً

قلت: ورد في الأثر أن الناس يمرون بين يدي ابن الزبير وهو يصلي بالحرم وكان يقول هذا مما تعم به البلوى

المرور بين الصفوف لا يقطع الصلاة، وينبغي تركه إلا من حاجة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك أحد) رواه مسلم، ولما فيه من التشويش على المصلين.

من أراد أن يمر بين يديه ولم يكن اتخذ سترة دفعه بالأسهل إذا مر في حدود ثلاثة أذرع، قلت وهي موضع سجوده، إذا كان إماما أو منفردا، أما المأموم فلا يضره من مر بين يديه.

حاول منع الأطفال من المرور بينك وبين سترتك، وإن غلبوك ومروا فلا شيء عليك؛ لأن الصلاة لا يقطعها إلا المرأة البالغة، والحمار، والكلب الأسود، إذا مروا بين المصلي وسترته، أو قريبا منه؛ إذا لم يكن له سترة في أقل من ثلاثة أذرع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان) متفق عليه

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/7/13 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة