الدرس 43: الحديث 33 أسس القضاء في الإسلام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 7 رجب 1437هـ | عدد الزيارات: 2683 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

" عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدعوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَال قَومٍ وَدِمَاءهُمْ، َلَكِنِ البَينَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمينُ عَلَى مَن أَنكَر" حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا وبعضه في الصحيحين

الذي في الصحيحين من هذا الحديث قال ابن أبي مليكة كتب ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه) وفي رواية (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم قال صاحب الأربعين روى هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما مرفوعاً من رواية ابن عباس وهكذا رواه أصحاب كتب السنن وغيرهم

راوي الحديث:

حبر الأمة ، وفقيه العصر ، وإمام التفسير أبو العباس عبد الله ، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهِر القرشي الهاشمي المكي رضي الله عنه، ولد ببني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنوات، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم دائم الدعاء لابن عباس فدعا أن يملأ الله جوفه عِلماً وأن يجعله صالحاً. وكان يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه وهو يقول (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) توفي رسول الله محمد و ابن عباس لا يتجاوز خمس عشرة سنة، جعله علي بن أبي طالب واليا على البصرة، وولاه عثمان إمامة الحج سنة خمس وثلاثين من الهجرة لما حُصِرَ فى بيته، زوجته هي شميلة بنت أبي حناءه بن أبي أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن عامر بن بكر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران

توفي حَبر هذه الأمة عبد الله بن عباس سنة 68 هـ بالطائف، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وقد نزل في قبره وتولى دفنه علي بن عبد الله بن العباس ومحمد بن الحنفية، والعباس بن محمد بن عبد الله بن العباس وصفوان، وكريب

أهمية الحديث

هذا الحديث أًصل عظيم في القضاء وقاعدة عظيمة ينتفع بها القاضي والمصلح بين اثنين، قال النووي رحمه الله تعالى: وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، وقال ابن دقيق العيد وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام وأعظم مرجع عند التنازع والخصام

الشرح

قوله صلى الله عليه وسلم (لَو يُعطَى) المعطي هو من له حق الإعطاء كالقاضي والمصلح بين الناس

وقوله صلى الله عليه وسلم (بِدَعوَاهُم) أي بادعائهم الشيء، سواء كان إثباتاً أو نفياً

مثال الإثبات: أن يقول: أنا أطلب فلاناً ألف ريال

ومثال النفي: أن ينكر ما يجب عليه لفلان، مثل أن يكون في ذمته ألف ريال لفلان، ثم يدعي أنه قضاها، أو ينكر أن يكون له عليه شيء

قوله صلى الله عليه وسلم (لادعى) هذا جواب لَو

قوله صلى الله عليه وسلم (لادعَى رِجَال) المراد بهم الذين لا يخافون الله تعالى، وأما من خاف الله تعالى فلن يدعي ما ليس له من مال أو دم، قوله صلى الله عليه وسلم (أَموَال قَوم) أي بأن يقول هذا لي، أو أن يقول في ذمة هذا الرجل لي كذا وكذا، فيدعي ديناً أو عينا

قوله صلى الله عليه وسلم (وَدِمَاءهُم) بأن يقول: هذا قتل أبي أو أخي أو هذا جرحني، فإن هذا نوع من الدماء

قوله صلى الله عليه وسلم (فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم) لأن كل إنسان لا يخاف الله عزّ وجل لا يهمه أن يدعي الأموال والدماء

قوله صلى الله عليه وسلم (وَلَكِنِ البَينَةُ) البينة: ما يبين به الحق، وتكون في إثبات الدعوى عَلَى: المُدَعي

قوله صلى الله عليه وسلم (وَاليَمين) أي دفع الدعوى (عَلَى مَنْ أَنكَر) فهنا مدعٍ ومدعىً عليه، والمدعي عليه البينة، والمدعى عليه عليه اليمين ليدفع الدعوى

قوله صلى الله عليه وسلم (وَاليَمين عَلَى مَنْ أَنكَر) أي من أنكر دعوى المدعي

فوائد الحديث:

أولاً: الدعوى تكون في الدماء والأموال، لقوله صلى الله عليه وسلم (أَموَال قَوم وَدِمَاءهُم) وذكر الدم والمال على سبيل المثال، وإلا قد يدعي حقوقاً أخرى مثل أن يدعي الرجل أن زوجته لا تقوم بحقه أو بالعكس

ثانياً: الشريعة جاءت لحماية أموال الناس ودمائهم عن التلاعب

ثالثاً: البينة على المدعي، والبينة أنواع منها الشهادة، قال الله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ) البقرة الآية: 282، ومن البينة ظاهر الحال فإنها بينة، مثال ذلك: رجل ليس عليه عِمامة يلحق رجلاً عليه عِمامة وبيده عِمامة ويقول: يا فلان أعطني عمامتي، فالرجل الذي ليس عليه عِمامة معه ظاهر الحال، لأن الملحوق عليه عِمامة وبيده عِمامة ولم تَجرِ العادة بأن الإنسان يحمل عِمامة وعلى رأسه عِمامة، ومع هذا لا مانع من أن نحلفه بأنها عمامته

ومن العمل بالقرائن قصة سليمان عليه السلام، فإن سليمان عليه السلام مرت به امرأتان معهما ولد، وكانت المرأتان قد خرجتا إلى البر فأكل الذئب ولد الكبرى، وحكم داود عليه السلام بالولد للكبرى اجتهاداً منه، لأن الكبيرة قد تكون انتهت ولادتها والصغيرة في مستقبل العمر، فخرجتا من عند داود عليه السلام، فسألهما سليمان عليه السلام فأخبرتاه بالخبر، فدعا بالسكين وقال سأشق الولد نصفين فوافقت الكبيرة وأما الصغيرة فقالت الولد ولدها يا نبي الله، فقضى به للصغيرة. أخرجه البخاري ومسلم، لأن هنا بينة وهي القرينة التي تدل على أن الولد للصغيرة لأنها أدركتها الشفقة وقالت كونه مع الكبيرة ويبقى في الحياة أحب إلي من فقده الحياة، والكبيرة لا يهمها هذا، لأن ولدها قد أكله الذئب

كذلك قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز لما قال الحاكم (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ*فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) يوسف: 26- 28

ومن ذلك أيضاً: امرأة ادعت على زوجها أن له سنة كاملة لم ينفق عليها، والرجل يُشاهد وهو يأتي للبيت بالخبز والطعام وكل ما يحتاجه البيت، وليس في البيت إلا هو وامرأته، وقال: إنه ينفق فالظاهر مع الزوج، فلا نقبل قولها وإن كان الأصل عدم الإنفاق لكن هنا ظاهر قوي وهو مشاهدة الرجل يدخل على بيته بالأكل والشرب وغيرهما من متطلبات البيت

في القسامة: القسامة أن يدعي قوم قُتل لهم قَتيل بأن القبيلة الفلانية قتلته، وبين القبيلتين عداوة، فادعت القبيلة التي لها القتيل أن هذه القبيلة قتلت صاحبهم وعينت القاتل أنه فلان، فهنا مدع ومدعىً عليه، المدعي أولياء المقتول، والمدعى عليه القبيلة الثانية، والسنة جاءت بأن المُدَّعين يحلفون خمسين يميناً على هذا الرجل أنه قتل صاحبهم. أخرجه البخاري ومسلم، فإذا حلفوا فهو كالشهود تماماً، فيأخذونه برمته ويقتلونه، وهذه وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقضى بها هكذا، على أنه إذا حلف خمسون رجلاً من أولياء المقتول فإنهم يستحقون قتل المدعى عليه لأن مع المدعين قرينة تدل على أن أولئك قتلوا صاحبهم وهي العداوة، فهذا القتيل رؤي عند القبيلة الأخرى المدعى عليها مقتولاً والعداوة ظاهرة وقرينة الحال أقوى من الشهود وكررت الأيمان لعظم شأن الدماء ويحلفون بناء على غلبة الظن.

والقسامة تخالف القياس من ثلاثة أوجه

الأول: أن الأيمان صارت في جانب المُدَّعين، والأصل أن اليمين في جانب المنكر

الثاني: أنها كررت إلى خمسين يميناً

الثالث: أن أولياء المقتول يحلفون على شخص قد لا يكونون شاهدوا قتله

رابعاً: لو أنكر المنكر وقال لا أَحلف فإنه يقضي عليه بالنكول

خامساً: الثابت في شرع الله عز وجل أنواع أربعة للشهادات

الأول: الشهادة على الزنا وهذه يشترط فيها أربعة رجال ولا يُقبل فيها قول النساء، قال الله تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ) النساء: 15، وقال سيحانه وتعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ....) النور 4

الثاني: الشهادة على القتل والجرائم التي لها عقوبات محددة ما عدا الزنا كالسرقة وشرب الخمر وتسمى في الفقه الحدود، ويشترط فيها رجلان، ولا يُقبل فيها قول النساء أيضاً قال تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الطلاق 2

الثالث: الشهادة لإثبات الحقوق المالية كالبيع والقرض والإجارة، ونحو ذلك ويقبل فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، قال تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) البقرة 282

الرابع: الشهادة على ما لا يطلع عليه الرجال غالباً من شؤون النساء: كالولادة والبكارة والرضاع ونحوها، وهذا النوع تقبل فيه شهادة النساء وإن انفردن عن الرجال، وربما قُبِلت فيه شهادة المرأة الواحدة، روى البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه" أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج بها فقال لها عقبة ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني فركب إلى رسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف وقد قيل ففارقها عقبة، ونكحت زوجاً غيره،) أي كيف تبقيها عندك كزوجة وقد قيل إنها أختك من الرضاع ولم يقل بذلك إلا تلك المرأة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/7/7 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر