الدرس 240 قصة سبأ

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 1 جمادى الأولى 1437هـ | عدد الزيارات: 1731 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

قال الله تعالى:" لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19). (سبأ : 15 - 19)

قال علماء النسب منهم محمد بن إسحاق : اسم سبأ ; عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، قالوا : وكان أول من سبى في العرب فسمي سبأ لذلك وكان يقال له : الرائش ; لأنه كان يعطي الناس الأموال من متاعه

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن العباس: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو ؟ أرجل أم امرأة أم أرض ؟ قال : بل هو رجل ولد عشرة ; فسكن اليمن منهم ستة ، وبالشام منهم أربعة فأما اليمانيون ; فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير ، وأما الشامية ; فلخم وجذام وعاملة وغسان

والمقصود أن سبأ يجمع هذه القبائل كلها ، وقد كان فيهم التبابعة بأرض اليمن واحدهم تبع وكان لملوكهم تيجان يلبسونها وقت الحكم ، كما كانت الأكاسرة ملوك الفرس يفعلون ذلك ، وكانت العرب تسمي كل من ملك اليمن مع الشحر وحضرموت تبعا ، كما يسمون من ملك الشام مع الجزيرة قيصر ، ومن ملك الفرس كسرى ، ومن ملك مصر فرعون ، ومن ملك الحبشة النجاشي ، ومن ملك الهند بطليموس ، وقد كان من جملة ملوك حمير بأرض اليمن بلقيس ، وقد ذكر الله قصتها مع سليمان عليه السلام ، وقد كانوا في غبطة عظيمة وأرزاق دارة وثمار وزروع كثيرة ، وكانوا مع ذلك على الاستقامة والسداد وطريق الرشاد فلما بدلوا نعمة الله كفرا ; أحلوا قومهم دار البوار

والمقصود أنهم لما عدلوا عن الهدى إلى الضلال ، وسجدوا للشمس من دون الله وكان ذلك في زمان بلقيس وقبلها أيضا ، واستمر ذلك فيهم حتى أرسل الله عليهم سيل العرم ، كما قال تعالى فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور

ذكر غير واحد من علماء السلف والخلف من المفسرين وغيرهم أن سد مأرب كان صنعته ; أن المياه تجري من بين جبلين فعمدوا في قديم الزمان فسدوا ما بينهما ببناء محكم جدا حتى ارتفع الماء فحكم على أعالي الجبلين ، وغرسوا فيهما البساتين والأشجار المثمرة الأنيقة ، وزرعوا الزروع الكثيرة ويقال كان أول من بناه سبأ بن يعرب ، وسلط إليه سبعين واديا يفد إليه ، وجعل له ثلاثين فرضة يخرج منها الماء ، ومات ولم يكمل بناؤه فكملته حمير بعده وكان اتساعه فرسخا في فرسخ والفرسخ خمسة كيلو مترات كما نص على ذلك الشيخ ابن باز رحمه الله، وكانوا في غبطة عظيمة وعيش رغيد وأيام طيبة حتى ذكر قتادة وغيره أن المرأة كانت تمر بالمكتل على رأسها فيمتلئ من الثمار ما يتساقط فيه من نضجه وكثرته ، وذكروا أنه لم يكن في بلادهم شيء من البراغيث ولا الدواب المؤذية لصحة هوائهم وطيب فنائهم قال تعالى:" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم 7)

فلما عبدوا غير الله ، وبطروا نعمته بعد تقارب ما بين قراهم ، وطيب ما بينها من البساتين ، وأمن الطرقات سألوا أن يباعد بين أسفارهم ، وأن يكون سفرهم في مشاق وتعب ، وطلبوا أن يُبَدلوا بالخير شرا ، كما سأل بنو إسرائيل بدل المن والسلوى البُقول ; والقِثاء والفوم والعدس والبصل فسُلبوا تلك النعمة العظيمة والحسنة العميمة بتخريب البلاد والشتات على وجوه العباد ، كما قال تعالى فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرِم قال غير واحد : أرسل الله على أصل السد الفأر وهو الجُرَذ ، ويقال : الخُلَد فلما فطنوا لذلك أرصدوا عندها السنانير فلم تغن شيئا إذ قد حم القدر ، ولم ينفع الحذر كلا لا وزر فلما تحكم في أصله الفساد سقط وانهار فسلك الماء القرار فقطُعت تلك الجداول والأنهار ، وانقطعت تلك الثمار ، وبادت تلك الزروع والأشجار ، وبدلوا بعدها برديء الأشجار والأثمار كما قال العزيز الجبار وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : هو الأراك وثمره البَرير ، وأثل وهو الطرفاء ، وشيء من سدر قليل وذلك لأنه لما كان يثمر النبق كان قليلا مع أنه ذو شوك كثير ، وثمره بالنسبة إليه كما يقال في المثل : لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى; ولهذا قال تعالى ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور أي : إنما نعاقب هذه العقوبة الشديدة من كفر بنا وكذب رسلنا ، وخالف أمرنا ، وانتهك محارمنا ، وقال تعالى فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق وذلك أنهم لما هلكت أموالهم ، وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها ، وينتقلوا عنها فتفرقوا في غور البلاد ونجدها ; شذر مذر فنزلت طوائف منهم الحجاز ، وهم خزاعة نزلوا ظاهر مكة، ومنهم المدينة النبوية اليوم فكانوا أول من سكنها ، ثم نزلت عندهم ثلاث قبائل من اليهود; بنو قينقاع ، وبنو قريظة ، وبنو النضير فحالفوا الأوس والخزرج وأقاموا عندهم، ونزلت طائفة أخرى منهم الشام ، وهم الذين تنصروا فيما بعد ، وهم غسان وعاملة وبهراء ولخم وجذام وتنوخ وتغلب وغيرهم

وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب السيرة أن أول من خرج من اليمن قبل سيل العرم عمرو بن عامر اللخمي ، ولخم هو ابن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ ، قال ابن إسحاق: وكان سبب خروجه من اليمن أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك فاعتزم على النقلة عن اليمن فكاد قومه فأمر أصغر ولده إذا أغلظ عليه ولطمه ، أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به فقال عمرو : لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي ، وعرض أمواله فقال أشراف من أشراف اليمن : اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله وانتقل في ولده وولد ولده وقالت الأزد : لا نتخلف عن عمرو بن عامر فباعوا أموالهم وخرجوا معه فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان فحاربتهم عك فكانت حربهم سجالا ففي ذلك قال عباس بن مرداس

وعك بن عدنان الذين تلعبوا * بغسانَ حتى طردوا كل مَطرد

قال : فارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلاد فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام ، ونزل الأوس والخزرج يثرب ، ونزلت خزاعة مرا ، ونزلت أزد السراة السراة ، ونزلت أزد عُمان عُمان، ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1437/4/30 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي