الدرس 265: الفتوى

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 15 ربيع الثاني 1437هـ | عدد الزيارات: 1812 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كل من تعلم مسألة من مسائل الشريعة الإسلامية بدليلها ووثق من نفسه فيها فعليه إبلاغها وبيانها عند الحاجة لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم (نَضَّرَ الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع) رواه أحمد والترمذي وابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه وفي رواية (نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ورب حامل فقه ليس بفقيه) رواه الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية) وإذا سئلت فعليك بمراجعة الكتب والاجتهاد ثم الإجابة بما غلب على ظنك أنه الصواب، أما إذا شككت في الجواب ولم يتبين لك الصواب فقل لا أدري

لا يجوز للمسلم أن يفتي بغير علم لقوله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ} [الإسراء 36] وقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون

المذهب الحنفي منسوب لأبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، والمذهب المالكي منسوب لمالك بن أنس الأصبحي المدني ، والمذهب الشافعي منسوب لمحمد بن إدريس الشافعي القرشي ، والمذهب الحنبلي منسوب إلى أحمد بن محمد بن حنبل وكل هؤلاء كانوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا من أفضل أهل زمانهم رضي الله عنهم وقد اجتهدوا في أخذ الأحكام من القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وما أجمعت عليه الصحابة رضوان الله عليهم، وبينوا للناس الحق ونقلت إلينا أقوالهم، وانتشرت بين المسلمين في جميع بلادهم، وتبعهم كثير ممن جاء بعدهم من العلماء لثقتهم بهم وائتمانهم إياهم على دينهم وموافقتهم لهم في الأصول التي اعتمدوها ونشروا أقوالهم بين الناس

والمجتهدون من الفقهاء كثير وخاصة في القرون الثلاثة التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخير، وقد اشتهر من بينهم على مر السنين أربعة أبو حنيفة النعمان بن ثابت في العراق وأبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي في المدينة المنورة وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي القرشي عالم قريش وفخرها في بغداد ثم في مصر ، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني إمام أهل الحديث وقدوتهم وفقيه أهل العراق في زمانه

وأسباب شهرتهم كثيرة منها انتشار مذهبهم في البلد الذي نشأوا أو ارتحلوا إليه على مقتضى السنن الكونية كأبي حنيفة وأحمد رحمهما الله في العراق ومالك في المدينة والشافعي في مكة ومصر . ومنها نشاط تلاميذهم ومن أخذ بمذهبهم وبنى على أصولهم واجتهادهم في الدعوة إلى مذهبهم في بلادهم أو البلاد التي رحلوا إليها كمحمد بن الحسن وأبي يوسف مثلا في العراق وابن القاسم وأشهب في مصر وسحنون في المغرب ، والربيع بن سليمان في مصر وتلاميذ الإمام أحمد في الشام والعراق وغيرهما

ومنها تبني الحكام للمذهب ولعلمائه وتوليتهم إياهم المناصب كالقضاء والإفتاء وفتحهم المدارس لهم وإغداق الخير عليهم من أوقاف وغيرها

ولم يدع أحد منهم إلى مذهبه ولم يتعصب له ولم يلزم غيره العمل به أو بمذهب معين إنما كانوا يدعون إلى العمل بالكتاب والسنة ويشرحون نصوص الدين ويبينون قواعده ويفرعون عليها ويفتون فيما يسألون عنه دون أن يلزموا أحدا من تلاميذهم أو غيرهم بآرائهم بل يعيبون على من فعل ذلك ويأمرون أن يضرب برأيهم عرض الحائط إذا خالف الحديث الصحيح ويقول قائلهم (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ولا يجب على أحد اتباع مذهب بعينه من هذه المذاهب بل عليه أن يجتهد في معرفة الحق إن أمكنه أو يستعين في ذلك بالله ثم بالثروة العلمية التي خلفها السابقون من علماء المسلمين لمن بعدهم ويسروا لهم بها طريق فهم النصوص وتطبيقها ومن لم يمكنه استنباط الأحكام من النصوص ونحوها لأمر ما عاقه عن ذلك سأل أهل العلم الموثوق بهم عما يحتاجه من أحكام الشريعة لقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل 43] وعليه أن يتحرى في سؤاله من يثق به من المشهورين بالعلم والفضل والتقوى والصلاح

أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت التيمي مولى بني تيم الله ابن ثعلبة ، ولد عام 80 هـ ومات عام 150 هـ ومالك هو ابن أنس بن مالك بن أبي عامر الحميري الأصبحي ، ولد عام 93 هـ ومات عام 179 هـ والشافعي هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي ولد عام 150 هـ ومات عام 204 هـ وابن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي ، ولد عام 164 هـ ومات عام 214 هـ رحمهم الله تعالى

الأصل في الماء الطهارة فإذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة فهو نجس سواء كان قليلا أو كثيرا، وإذا لم تغيره النجاسة فهو طهور لكن إذا كان قليلا جدا فينبغي عدم التطهر به احتياطا وخروجا من الخلاف وعملا بحديث أبي هريرة مرفوعا (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه) رواه مسلم

وإقدام الجنب على الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يجري لا يجوز لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقيل كيف يفعل يا أبا هريرة قال يتناوله تناولا) رواه مسلم

ثانياً: إذا بلغ الماء الدائم قلتين فأكثر ولم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالاغتسال فيه من الجنابة أجزأ الوضوء والغسل منه وصلح لتطهير الأخباث والأحداث، وإن تغير بنجاسة لم يصح استعماله في طهارة أحداث ولا أخباث إجماعا، وإن تغير بمجرد تتابع الاغتسال من الجنابة لا بنجاسة ففي طهوريته خلاف والأحوط ترك استعماله في الطهارة خروجا من الخلاف، وإن كان أقل من قلتين واغتسل فيه جنب فإن تغير بنجاسة جنب كانت على بدنه لم يصح التطهر به من الأحداث ولا الأخباث وإن لم يتغير بنجاسة ففي صحة التطهر به من الأحداث والأخباث خلاف، والأحوط ترك استعماله في الطهارات عند تيسر غيره

ثالثاً: ما جرى عليه عمل بعض الناس من الاغتسال من الجنابة في برك البوادي والمساجد لا يجوز

رابعاً: ستر الإنسان عورته في خلوته من آداب الإسلام وهو مقتضى الحياء وسترها بحضرة غير زوجته وأمته واجب وكشفها حرام ونظر غير زوجته وأمته إليها حرام إلا لضرورة لما رواه مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد) وعلى من رأى أحدا يكشف عورته أن يرشده وينكر عليه فإن أطاع وإلا عزره ولي الأمر بما يردعه

وجود الدود في الماء لا يضره لأن ذلك لا يمكن التحرز منه فيعفى عنه للمشقة والماء الأحمر المتبقي في الخزانات لا حرج من الوضوء منه إذا كان تغيره من غير نجاسة

يجوز الوضوء بماء البحر لقوله صلى الله عليه وسلم (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) رواه أحمد وأبو داود والنسائي ومالك في الموطأ

وفي سؤال عرض على هيئة كبار العلماء عن مياه المراحيض المنقاة بالمكائن فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم ولا لون ولا ريح ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث وتحصل الطهارة بها منها كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع عن ذلك محافظة على النفس وتفاديا للضرر لا لنجاستها

والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيلا احتياطا للصحة واتقاء للضرر وتنزها عما تستقذره النفوس وتنفر منه الطباع

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/4/15 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي