الدرس الثاني والثلاثون: الحديث 22 طريق الجنة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 15 ربيع الثاني 1437هـ | عدد الزيارات: 2108 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

" عَنْ أَبيْ عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَرَأَيتَ إِذا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئاً أَدخُلُ الجَنَّة قَالَ: نَعَمْ" واه مسلم

راوي الحديث

قال الإمام الذهبي في ترجمة جابر بن عبد الله:

"هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ، الإمام الكبير ، المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الله ، وأبو عبد الرحمن ، الأنصاري الخزرجي السلمي المدني الفقيه من أهل بيعة الرضوان توفي سنة 77 هـ"

وأخرج الحديث الإمام مسلم وهو الإمام الكبير الحافظ المجود الحجة الصادق ، أبو الحسين ، مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ ، القشيري النيسابوري ، صاحب الصحيح ولد سنة 204 هـ وتوفي في شهر رجب عام 261 بنيسابور عن 57 سنة وقبره يزار

أهمية الحديث

قال الجرداني في شرحه على الأربعين: هذا حديث عظيم الموقع ، وعليه مدار الإسلام لجمعه له ، وذلك لأن الأفعال إما قلبية أو بدنية ، وكل منهما إما مأذون فيه وهو الحلال ، أو ممنوع منه وهو الحرام ، فإذا أحل الشخص الحلال وحرم الحرام فقد أتى بجميع وظائف الدين ، ودخل الجنة آمناً

الشرح

يقول جابر رضي الله عنه إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل هو نعمان بن مالك بن ثعلبة بن قوقل الخزاعي شهد بدراً وقتل في أحد

وقوله (أَرَأَيتَ) بمعنى أخبرني

قوله (إِذا صَليتُ المَكتوبَات) وهن خمس صلوات في اليوم والليلة كما قال عزّ وجل: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً

وقوله (وَصمتُ رَمَضَان) والصيام في اللغة الإمساك عن أي شيء، وفي الشرع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تعبداً لله عزّ وجل.

وقولنا: تعبداً لله خرج به ما لو أمسك عن المفطرات حمية لنفسه، أو تطبباً، فإن ذلك ليس بصيام شرعي، ولهذا لابد من تقييد التعاريف الشرعية بالتعبد

وقوله (وَأَحلَلتُ الحَلالَ) أي فعلت الحلال معتقداً حله

وقوله (وحَرَّمتُ الحَرَامَ) أي اجتنبت الحرام معتقداً تحريمه.

قوله (أدخُل الجَنة) يعني أأدخل الجنة، والجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عزّ وجل للمتقين، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، والجنة فيها فاكهة ونخيل ورمان وفيها لحم وماء وفيها لبن وعسل، فالاسم مطابق لأسماء ما في الدنيا ولكن الحقيقة مخالفة لها غاية المخالفة لقول الله تعالى:" فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ"

وقوله تعالى في الحديث القدسي (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِيْنَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر) أخرجه البخاري ومسلم

قوله قال (نَعَم) حرف جواب لإثبات المسؤول عنه، والمعنى: نعم تدخل الجنة

فقه الحديث

أولاً: حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال

ثانياً: بيان غايات الصحابة رضي الله عنهم، وأن غاية الشيء عندهم دخول الجنة، لا كثرة الأموال، ولا كثرة البنين، ولا الترفه في الدنيا، ولهذا لما قضى أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: اسْأل ماذا تريد قال أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أِو غَيْرَ ذَلِكَ ؟ قال: هو ذاك، قال: فَأَعِنِّيْ عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ. أخرجه مسلم، أي بكثرة الصلاة

ثالثاً: أن الإنسان إذا اقتصر على الصلاة المكتوبة فلا لوم عليه، ولا يحرم من دخول الجنة، لقوله (أَرَأَيتَ إِذا صَليتُ المَكتوبَات) وقول الإمام أحمد فيمن ترك الوتر أنه رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة لا يعني ذلك أنه لا يدخل الجنة

رابعاً: أن الصلوات وكذلك الصوم من أسباب دخول الجنة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه. أخرجه البخاري ومسلم

خامساً: امتناع الإنسان عن الحلال لغير سبب شرعي مثل المرض مذموم وليس بمحمود

سادساً: الحرام ما حرمه الله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم

سابعاً: تحليل الحلال وتحريم الحرام عام في جميع المحللات وجميع المحرمات، ولهذا قال: أَدخُل الجَنة ؟ قَالَ: نَعَم
مع أنه لم يذكر الزكاة والحج لأنهما داخلان في قوله: (حرمت الحرام) وترك الحج والزكاة حرام لا يكفر تاركهما إلا منكر لوجوبهما وكونه أيضاً ترك ذكر الزكاة والحج في حين ذكر الصيام ربما لعجزه عن الزكاة لفقره والحج لم يفرض بعد حيث فرض في السنة التاسعة أو العاشرة والرسول صلى الله عليه وسلم قال له نعم لعله علم من حال الرجل أنه ليس ذا مال، وعلم أنه إذا كان ذا مال فسوف يؤدي الزكاة، لأنه قال (وَحَرَّمتُ الحَرَام) ومنع الزكاة من الحرام

ثامناً: رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ينقذهم من الضلال الذي يسوق إلى النار، ويسلك بهم طريق الهداية الموصلة إلى الجنة فما حده الله وفرضه هو ضمن طاقة الإنسان وهذا واضحاً في هديه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث

تاسعاً: الشوق إلى الجنة والبحث عن طريقها هو ما جاء في الحديث الذي حدثنا به جابر عن نعمان بن مالك الذي جاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق الجنة

عاشراً: التزام الفرائض وترك المحرمات أساس النجاة لقد سأل نعمان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هل إذا استمر في أداء الصلاة المفروضة ثم أدرك شهر رمضان المفروض عليه صيامه ثم وقف عند حدود الله تعالى فيما أحل أو حرم ، فلم يحل حراماً ولم يحرم حلالاً ، بل اعتقد حل ما أحله الله وحرمة ما حرمه ، فاجتنب الحرام مطلقاً ، وفعل من الحلال الواجب عليه ولم يزد على ذلك هل يدخل الجنة فأجابه صلى الله عليه وسلم بنعم

الحادي عشر: إن هذا الدين يسر وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وغيره من المواقف أمثاله يدل على يسر الإسلام

الثاني عشر: صدق المسلم وصراحته إذ أن نعمان رضي الله عنه كان مثال المؤمن الصريح بقلبه وقالبه ، فهو لا يريد أن يتظاهر بالتقوى والصلاح مما ليس في نفسه أن يفعله ، أو لا يقوم به فعلاً ، بل هو إنسان يريد النجاة والفلاح

الثالث عشر: أهمية الصلاة والصيام إذ تصدير هذا السائل سؤاله بأداء الصلوات المفروضة ، يدل دلالة واضحة على ما استقر في نفوس الصحابة رضي الله عنهم من تعظيم أمرها والاهتمام بها

الرابع عشر: أفاد الحديث أن على المسلم أن يسأل أهل العلم عن شرائع الإسلام ، وما يجب عليه وما يحلُّ له وما يحرم ، إن كان يجهل ذلك ، ليسيرَ على هدى في حياته وتطمئنَ نفسُه لسلامة عمله

وعلى المعلم أن يتوسع بالمتعلم ويبشره بالخير ويأخذه باليسير والترغيب

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

15-04-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر