الدرس308 الامتحانات

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 2 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1767 القسم: الفوائد الكتابية

بعد تحية الإسلام

أسعد أن أتحدث إليكم وأقول: إن الحياة الدنيا دارُ ممرٍ وعبورٍ دارُ عملٍ وكدح للعباد فلا تغرنَّكم الحياةُ الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، فنحن في هذه الأيام نعيش استنفاراً عاماً في مجتمعنا لاستقبال ضيف ثقيل سيحل بنا هذا الضيف يعرفه الجميع الصغير والكبير والذكر والأنثى هو الامتحان الدنيوي فلقد احتل من القلوب سويداءها ونال من الثناء والاهتمام والاستعداد فوق ما يستحق فقد سيطر على عقول الكثير من أفراد المجتمع وقد اتفق رأي الجميع على أهميته وعلى أن اليوم من أيامه بل الساعة من ساعاته لا يمكن أن تعوض وترد إذا ضيعت لذلك فلا بد من ترك الكسل والخمول جانباً والانقطاع عن اللهو والعبث والملذات والشهوات التي لا تضر ولا تنفع لقد استخدم الجميع عقولهم ولقد اجمعت تلك العقول وآمنت إيماناً عميقاً بأهمية هذه الأيام وأن خسارتها خسارة لا تعوض بالأثمان وكل من خالف هذا الرأي يتهم من الجميع بنقصان العقل أو فقدانه ومن أجل ذلك أصبح الطالب أميراً في البيت وبين أفراد أسرته فله الحق أن يطلب ما يشاء وعلى الجميع واجب تلبية طلبه والعمل على راحته وإبعاد كل ما يزعجه أو يمكن أن يصده عن مذاكرة دروسه وزيادة في توفير الوقت وتهيئته له فقد اسقطت عنه عند بعض الناس الواجبات الأخرى حتى واجباته نحو ربه كالصلاة فقد اسقطها البعض فإذا درس حتى آخر الليل ثم نام فلا يجوز أن يزعج ويقام لصلاة الفجر فهو مسكين قد يسهر معظم الليل الله أكبر هذا الامتحان الذي لا يعلم الإنسان هل يطول به العمر حتى يؤديه أم الأجل أقرب إليه من أيام الامتحان فربما لا ينتهي من الامتحان إلا وهو قد غادر هذه الدنيا الدنية وأصبح من أهل الآخرة وربما يطول به العمر فيؤدي الامتحان وينجح ثم يفاجئه الأجل قبل أن ينال شيئاً من ثمار نجاحه وما أكثر الأمثلة على هذا في أحبابنا وإخواننا وجيراننا إذاً هذا الامتحان الذي لا يعلم الإنسان أيكمله أم لا أيستفيد من جهوده أم لا هذا الامتحان تترك من أجله الملذات والشهوات والراحة بل الجميع يغيرون أسلوب حياتهم فيتخلون عما ألفوه من راحة ومتعة ويظهر على المجتمع صفة الجد والمثابرة وتحمل المشاق والتخلي عن المتع والملذات دون إكتراث ولكن الامتحان الحقيقي الذي لا بد من أن يدخله الجميع ولا يمكن أن يتخلف عنه فرد الامتحان الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين الامتحان الذي لا بد أن يتحقق والعمل من أجله لا يمكن أن يضيع على صاحبه امتحان يوم القيامة الذي جعلت الدنيا كلها استعداد له فالدنيا كلها في الحقيقة أيام امتحان بل قاعة امتحان كبرى فيجب أن يشمر فيها المسلم وأن يجد ويجتهد فيما يقربه إلى الله وهو على يقين بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً دون أن يكون هذا باعثاً له على الاغترار بعمله وتكاثره هذا الامتحان الكبير العظيم قد نسيه كثير من المسلمين أو تناسوه هذا الامتحان النجاح فيه هو النجاح الحقيقي والرسوب فيه هو الرسوب الحقيقي فيجب الاستعداد ويجب أن يكون هذا الامتحان الدنيوي عبرة وعظة للاستعداد للامتحان الحقيقي عسى أن نكون من الفائزين في ذلك اليوم العصيب.

أحبتي في الله: تذكروا ما أنتم إليه صائرون من الموت وما بعده يوم تحشرون تذكروا حالكم عند حلول الآجال ومفارقة الأوطان والأهل والعيال تذكروا حينما تشاهدون الآخرة أمامكم وأنتم مقبلون إليها مدبرين عن الدنيا وينقسم الناس إلى قسمين فمنهم من توفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم "تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا لا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم " ومنهم من توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" تذكروا إذا حملتم على الرقاب إلى القبور فانفردتم بها عن الأهل والأولاد والأموال والقصور جليسكم الأعمال فإما خير تسرون به وإما شر تجدون به الحسرة والندامة ،" وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ "(الأنعام 94)، فتنافسوا أيها المسلمون في أعمال الآخرة لتدركوا بذلك الدنيا والآخرة وإياكم أن تؤثروا الدنيا عليها فتخسروا الجميع فإن الدنيا مزرعة الآخرة " فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" ( النازعات 34ـ41).

اللهم وفقنا في امتحانات الدنيا والآخرة ومررها بسلام.

1435-5-2هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 6 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي