الدرس 147: باب قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا. سورة الأعراف الآية190

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 4 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 2310 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
قول المصنف :"باب قول الله تعالى:"فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا."الأعراف 190

أراد المؤلف بيان تحريم التعبيد لغير الله ، وأنه لا يجوز أن يعبد أحد لغير الله ، فلا يقال : عبد النبي أو الكعبة أو الحسين ، وما أشبه ذلك ، بل يكون التعبيد لله وحده كعبد الرحمن وعبد الله ؛ لأن الله ذمَّ من فعل ذلك بقوله تعالى "فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً"

قوله " قال ابن حزم : اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو وعبد الكعبة وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب "

قوله "قال ابن حزم"

هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ حَزْمِ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ، الظاهري ، وُلِد بقرطبة سَنَةَ (384هـ)،له مؤلفات مثل (المحلى) و(الفِصَل في الملل والنحل) و(الأنساب) و(جوامع السيرة) فهو إمام في علم الحديث ، إلا أنه يؤخذ عليه اعتناقه لمذهب الظاهرية ، والظاهرية معناها الأخذ في ظواهر النصوص دون النظر في معانيها وأسرارها ، وعدم القول بالقياس وهذا نقص في هذا المذهب.

قول ابن حزم"اتفقوا" يعني اجمعوا، وليس المراد الاتفاق عند المتأخرين الذي هو قول جماعة من أهل العلم.

قوله :"على تحريم كل اسم معبد لغير الله" كعبد الحسين ؛ لأن التعبيد يجب أن يكون لله كما قال تعالى "إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا" (مريم 93)

قول ابن حزم"حاشا عبد المطلب" (حاشا) كلمة استثناء أي إلَّا عبد المطلب ،و (عبد المطلب) هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، فعبد المطلب استثناه ابن حزم من التحريم ، ولكن ليس الأمر كما قال فلا يجوز أن يسمى أحد الآن عبد المطلب ، إنما يقال عبد المطلب ، حكاية لما مضى، قال ابن القيم في تحفة المودود (ص79):"أما قوله :(أنا ابن عبد المطلب) فهذا ليس من باب إنشاء التسمية بذلك ، وإنما هو باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى دون غيره ، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم ، ولا وجه لتخصيص أبي محمد بن حزم ذلك بعبد المطلب خاصة ، فقد كان الصحابة يُسمُّونَ بني عبد شمس وبني عبد الدار: بأسمائهم ، ولا ينكر عليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء ، فيجوز فيه ما لا يجوز في الإنشاء" انتهى

قوله:"وعن ابن عباس قال: لما تغشاها آدم حملت فآتاهما إبليس فقال : إني صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة لتطيعانني أو لأجعلنَّ له قرني إيِّل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلنَّ ، يخوّفهما ، سمِّياه عبد الحارث فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياها عبد الحارث ، فذلك قوله :"" جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ "(الأعراف 190) رواه ابن أبي حاتم

قال في (النهج السديد)لأبي سليمان جاسم الفهيد (ص 236): "ضعيف رواه أحمد والترمذي وابن جرير والطبراني في الكبير وابن بشران في الأمالي من طريق عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعًا، وسنده ضعيف، (عمر) ضعفوه في روايته عن قتادة، و(الحسن) مدلس وقد عنعنه، وفي سماعه من سمرة خلاف، وقال الذهبي في الميزان: (حديث منكر". ا.هـ. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة.

والحديث لا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً وجميع تلك الطرق لا تثبت عند التحقيق ، وذلك من عدة وجوه منها :
الوجه الأول: مداره على خصيف بن عبد الرحمن ، وهو سيء الحفظ ،وكان يخلط كما قال أبو حاتم ،وقال أحمد في المسند:شديد الاضطراب، وقال أبوداود:مضطرب الحديث. وقال الدارقطني: يعتبر به يهم .
الوجه الثاني:طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. من المعروف عند أهل الحديث أن داود يحدث بالمناكير عن عكرمة .قال ابن المديني :ما روى عن عكرمة فمنكر الحديث وقال أبوداود:أحاديثه عن عكرمة مناكير.

وبعد أن تبين لنا أن هذا الأثر لم يثبت عن ابن عباس من وجهٍ يصح فقد عدلت عن شرحه.

قوله :"وله بسند صحيح عن قتادة قالوا : شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته ، وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله:(لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَٰلِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ)الأعراف 189، قال : اشفقا ألا يكون إنسانا ، وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما".

الذي نراه أن الآيتين واردتان في توبيخ المشركين على شركهم ونقضهم لعهودهم مع الله- تعالى- لأن الأحاديث والآثار التي وردت في أنهما وردتا في شأن آدم وحواء لتسميتهما ابنهما بعبد الحارث اتباعا لوسوسة الشيطان لهما- ليست صحيحة، كما أثبت ذلك علماء الحديث.

قوله :"فيه مسائل:"

"الأولى: تحريم كل اسم معبَّد لغير الله"،مثل عبد عمرو، وعبد الحسين الخ.

"الثانية: تفسير الآية"، وهي قوله تعالى:"فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ " (الأعراف 190)

"الثالثة: أن هذا الشرك في مجرد تسمية لم تقصد حقيقتها"، هذا التفسير مبنيٌّ على أن المراد بقوله تعالى"جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا " المقصود بقوله(جَعَلا) آدم وحواء، مستدلين على ذلك بالحديث السابق تضعيفه.

"الرابعة: أن هبة الله للرجل البنتَ السويةَ من النعم " ، أن حصول الأولاد الأسوياء في خلقتهم، الصالحين في دينهم من أكبر النعم .

"الخامسة: ذكر السلف الفرق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة "، أن تعبيد الأسماء لغير الله يعتبر من الشرك الأصغر، وهو شرك الطاعة إذا لم يقصد به العبودية ، فإن قصد به العبودية والتأله صار من الشرك الأكبر، كما عليه عباد القبور الذين يسمون أولادهم عبد الحسين، أو عبد الرسول ، أو غير ذلك .

والله المستعان.

وصل اللهمَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/6/4هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر