الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد
لا بد من جهاد النفس في لزوم الحق والثبات على التوبة؛ لأن النفس تحتاج إلى جهاد، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} (العنكبوت: 6) ويقول عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69)، ومعنى قوله سبحانه وتعالى {جَاهَدُوا فِينَا} (العنكبوت: 69) أي جاهدوا أنفسهم وجاهدوا الكفار وجاهدوا المنافقين وجاهدوا العصاة وجاهدوا الشيطان، فالآية عامة تشمل أنواع الجهاد، ومن ذلك جهاد النفس؛ لأنه سبحانه حذف المفعول ولم ينص عليه في الآية، حتى تعم جميع أنواع الجهاد، فالنفس تحتاج إلى تربية وعناية وصبر وجهاد.
فالمؤمن الحازم هو الذي يجاهد نفسه لله حتى تستقيم على الطريق وتقف عند الحدود، وبذلك يهديه الله سبيله القويم وصراطه المستقيم، ويكون المؤمن بذلك من المحسنين، الذين قال فيهم سبحانه: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69) وقال فيهم عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النحل128) .
* جاء في الحديث الصحيح في رواية مسلم:«إن الله خلق آدم على صورته » ، هل معنى ذلك أن جميع ما لآدم من صفات تكون لله؟
الضمير في الحديث يعود إلى الله، قال أهل العلم كأحمد رحمه الله وإسحاق بن راهويه وأئمة السلف: يجب أن نمره كما جاء على الوجه الذي يليق بالله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، ولا يلزم من ذلك أن تكون صورته سبحانه مثل صورة الآدمي، كما أنه لا يلزم من إثبات الوجه لله سبحانه واليد والأصابع والقدم والرجل والغضب وغير ذلك من صفاته أن تكون مثل صفات بني آدم، فهو سبحانه موصوف بما أخبر به عن نفسه أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق به من دون أن يشابه خلقه في شيء في ذلك كما قال عزَّ وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى:11) .
* حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية
من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط، وذلك أمر خطير جدا، له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة، وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه، مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال، والأدلة الصريحة الصحيحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله - أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدي إلى مالا تحمد عقباه.
منها قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب:33) ، وقال: صلى الله عليه وسلم «إياكم والدخولَ على النساء - يعني الأجنبيات - قال رجال من الأنصار أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت "(قلت : ورد الحديث في صحيح البخاري) ، ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم، سدا لذريعة الفساد وإغلاقا لباب الإثم، وحسما لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكائد الشيطان، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء "(قلت: وردالحديث في صحيح البخاري) ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "(قلت: ورد الحديث في صحيح مسلم) .
وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب القرار في البيت والابتعاد عن الاختلاط المؤدي إلى الفساد، وتقويض الأسر وخراب المجتمعات فما الذي يلجئنا إلى مخالفتها والوقوع فيما يغضب الله ويحل بالأمة بأسه وعقابه.
* حكم مصافحة النساء من وراء حائل
لاتجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شابا أم شيخا كبيرا لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لا أصافحُ النساءَ! » (قلت:صححه الألباني في صحيح النسائي)، وقالت عائشة رضي الله عنها: «ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام » (قلت: الحديث ورد في صحيح البخاري)، ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة، ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة .
* التحذير من مكائد الأعداء
بعض جهات الإعلام أخذت تشوه الإسلام وتعرف به على غير حقيقته، ومثال ذلك ما قام به التلفزيون السويسري حينما عرض فيلما عن الإسلام والمسلمين في مصر يشتمل على مشاهد ليست من الإسلام، إذ عرض ما يجري عند الأضرحة وفي حفلات المزار ومولد البدوي وغيرها من الأمور المبتدعة.
وهذا جزء من الحرب الدائرة المستمرة بين المسلمين والكافرين، وقد أخبر الله عن ذلك في كتابه الكريم حيث قال: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة:217) وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة:120) ، وعندما يعمل التلفزيون السويسري النصراني هذا العمل إنما يريد به الصد عن دين الله، ومنع الناس من الدخول فيه أو الاستماع إلى من يدعوهم إليه، ولكنهم بإذن الله خاسرون، قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف: 8) .
وليس العجب من جرأة أعداء الإسلام على النيل منه وتزوير الحقائق وتضليل الناس، فتلك طبيعة الأعداء في حربهم للمسلمين ومحاولتهم لمنع دخول الناس في الإسلام، ولكن العجب من المسلمين وولاتهم الذين يستقبلونهم في بلدانهم ويهيئون لهم من الوسائل ما يعينهم على تحقيق مآربهم وتنفيذ مخططاتهم، ولعل ما حصل من بعض المسئولين في القاهرة كشيخ الأزهر والمفتي وغيرهما إنما ظنا منهم أن أولئك سيعرفون بالإسلام حقيقة، وسيقتصرون على نشر اللقاءات التي تمت معهم دون غيرها، ومع ذلك فإنني أنصح ولاة أمور المسلمين عامة وأهل الحل والعقد فيهم خاصة من الرؤساء والأمراء والعلماء وغيرهم أن يكونوا على حذر في معاملتهم مع أعداء الإسلام الذين يتسللون إلى صفوف المسلمين باسم الصحافة أو الاستشراق أو غيرهما، وأن يكونوا متيقظين لكل مؤامراتهم ومكائدهم، وأن لا يسهلوا لهم القيام بمهماتهم في بلاد المسلمين أو يتعاونوا معهم لإنجاحها، فكثيرا ما يرى النصارى وغيرهم يحملون آلات التصوير ويقصدون المناظر القديمة والمشوهة في بلاد المسلمين فيصورونها ويعلقون عليها مايشاءون وينشرونها في بلدانهم زاعمين أن هذا حال المسلمين وأن الإسلام يجعل أهله على تلك الصورة.
ولهذا ينبغي أن لا تستجاب طلبات أولئك إلا بعد دراستها دراسة وافية، ومعرفة أبعادها ونتائجها والتأكد من خلوها مما يلحق الضرر بالإسلام والمسلمين. وأسأل الله سبحانه أن يوفق المسلمين ورؤساءهم وأهل الحل والعقد فيهم؛ ليكونوا دعاة إلى الله وحماة لدينه على بصيرة، وأن يعلي كلمته وأن يخذل أعداءه ويبطل كيدهم، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.