الدرس 106 باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 13 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 1666 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف :" ولهما من حديث ابن عباس معناه، وفيه: " قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا فأنزل الله هذه الآيات: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ".

هذا جزء من حديث في صحيح مسلم ، والحديث بتمامه بهذا اللفظ " مُطِرَ النَّاسُ علَى عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شاكِرٌ ومِنْهُمْ كافِرٌ، قالوا: هذِه رَحْمَةُ اللهِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: لقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذا وكَذا قالَ: فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: "فَلا أُقْسِمُ بمَواقِعِ النُّجُومِ" ، حتَّى بَلَغَ: "وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنَّكُمْ تُكَذِّبُو" (الواقعة: 75 - 82).

معنى الحديث: أنه لما نزل المطر نسبه بعضُهم إلى رحمة الله وبعضهم قال: لقد صدق نوء كذا وكذا فكأنه جعل النوء هو الذي أنزل المطر أو نزل بسببه ، ومنه ما يذكر في بعض كتب التوقيت: وقلَّ أن يخلف نوؤُه ، أو: هذا نوؤه صادق، وهذا لا يجوز، وهو الذي أنكره الله عز وجل على عباده، وهذا شرك أصغر حتى ولو قال بإذن الله فإنه لا يجوز ؛ لأن كل الأسباب من الله، والنوء لم يجعله الله سبباً.
قوله: " فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ " (الواقعة 75)
(لا) : للتنبيه، والجملة بعدها مثبتة لأن ( لا ) بمعنى انتبه ، أقسم بمواقع النجوم ،

وقوله:" فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ "، الله سبحانه يتحدث عن نفسه بضمير المفرد لأنه يدل على الانفراد والتوحيد فهو سبحانه واحد لا شريك له، ويتحدث عن نفسه بضمير الجمع لأنه يدل على العظمة كقوله تعالى:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " (الحجر 9) ، وقوله:" إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ " ( يس 12) ، ولا يتحدث عن نفسه بالمثنى ؛ لأن المثنى محصور باثنين و(الباء): حرف قسم في قوله" فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ "، والمواقع جمع موقع ، وهي النجوم المعروفة، فيكون المراد بمواقعها؛ مطالعها ومغاربها ، وأقسم الله بها لما فيها من الدلالة على كمال القدرة، في هذا الانتظام البديع، وما فيها من مناسبة المقسم به، والمقسم عليه، وهو القرآن المحفوظ بواسطة الشهب فإن السماء عند نزول الوحي ملئت حرسا شديدا وشهبا.


قوله:" وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ " ، "قسم": خبر (إنَّ)، وهذا القسم أكد الله عظمته بـ(إنَّ) واللام؛ تنويهاً بالمقسم عليه، وتعظيمه .
وقوله: "لو تعلمون": مؤكد ثالث، كأنه قال: ينبغي أن تعلموا هذا الأمر ولا تجهلوه فهو أعظم من أن يكون مجهولا فإنه يحتاج إلى علم وانتباه، فلو تعلمون حق العلم لعرفتم عظمته فانتبهوا
قوله: "لقرآن": مصدر مثل الغفران، والشكران، بمعنى اسم فاعل، وبمعنى اسم المفعول أي القرآن اسم فاعل يكون المراد أنه جامع للمعاني التي تضمنتها الكتب السابقة، من المصالح والمنافع، قال تعالى:" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ " (المائدة 48)
قوله " لقرآن كريم " كريم : يطلق على كثير العطاء، وهذا كمال في العطاء متعد للغير.

قوله:" فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ "، مصون عند الله في اللوح المحفوظ .

قوله :"لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ "(الواقعة 79)، أى : أن هذا القرآن قد اقتضت حكمتنا أن نجعله فى كتاب مصون قبل نزوله من اللوح المحفوظ ولا يمسه أحد إلا الملائكة المطهرون من كل ما يوجب الطهارة .

قوله :"تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ، أي هذا القرآن منزل من الله رب العالمين، وليس كما يقولون: إنه سحر أو كهانة ، أوشعر، بل هو الحق الذي لا مرية فيه.

قوله تعالى :"أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ، " ثم وبخهم سبحانه على وضعهم الإدهان في غير موضعه، وأنهم يداهنون فيما حقه أن يصدع به ، ويفرق به بين الحق والباطل، ويعض عليه بالنواجذ، وطريق النجاة ، وسبيل الرشاد ونور البصائر، فكيف تطلب المداهنة بما هذا شأنه، ولم ينزل للمداهنة، وإنما أنزل بالحق وللحق.

قوله تعالى:"وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ".أي تجعلون حظكم من نعم الله وفضله أنكم تكذبون بذلك بقولكم: مطرنا بنوء كذا، أو لقد صدق نوءُ كذا، فالواجب هو الاعتراف بنعمة الله، وأنه من فضل الله وإحسانه إلى عباده، وأنه يجب الحذر من أعمال الجاهلية، وألفاظها .

قوله :"فيه مسائل":

"الأولى : تفسير آية الواقعة " ، وهي قوله تعالى "وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ "(الواقعة 82)، وسبق تفسيرها آنفا.

" الثانية : ذكر الأربع التي من أمر الجاهلية "، وهي: الطعن في الأنساب ، والفخر بالأحساب ، والاستسقاء بالأنواء، والنياحة على الميت.

" الثالثة: ذكر الكفر ببعضها "، وهي الاستسقاء بالأنواء، وكذلك الطعن في النسب، كما في الحديث:"اثنتانِ في الناسِ هما بهم كفرٌ : الطعنُ في النسبِ ، و النِّياحةُ على الميِّتِ "، أخرجه مسلم

" الرابعة:أن من الكفر ما لا يخرج من الملة"، وهي أن الاستسقاء بالأنواء بعضه كفر مخرج عن الملة، وبعضه كفر دون ذلك، وقد سبق بيان ذلك.

" الخامسة: قوله :(أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) بسبب نزول النعمة "؛ أي أن الناس ينقسمون عند نزول نعمة المطر إلى مؤمن بالله ، وكافر به، وقد سبق بيان حكم إضافة نزول المطر إلى النوء.

"السادسة: التفطن للإيمان في هذا الموضع، " وهو نسبة المطر إلى فضل الله ورحمته.

" السابعة: التفطن للكفر في هذا الموضع"، وهو نسبة المطر إلى النوء، فيقال: هذا سببب النوء الفلاني، وما أشبه ذلك.

"الثامنة:التفطن لقوله: لقد صدق نوء كذا وكذا "، وهذا قريب من قوله: مطرنا بنوء كذا؛ لأن الثناء بالصدق على النوء مقتضاه أن هذا المطر بوعده، ثم بتنفيذ وعده .

" التاسعة: إخراج العالم للمتعلم المسألة بالاستفهام عنها بقوله: أتدرون ماذا قال ربكم ؟"، وذلك أن يلقي العالم على المتعلم السؤال ؛ لأجل أن ينتبه له، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الصحابة لا يعلمون ماذا قال الله، ولكن أراد أن ينبههم إلى هذا الأمر فقال: أتدرون ماذا قال ربكم ، وهذا يوجب استحضار قلوبهم.

" العاشرة: وعيد النائحة " ، وذلك بقوله :"إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب " وهذا وعيد عظيم

وبالله التوفيق.

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر